موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حياٌة أدبًا
"الثقافةُ لا تُشرى ولا تُباع" شقيقَتا النُّعمان
نشر في طنجة الأدبية يوم 24 - 06 - 2009


بمَثابَة مَدخَل
شقائقُ النُّعمان، في المُعجَم، نباتاتٌ عشبيَّةٌ مُعَمِّرَةٌ من فَصيلة الشَّقيقيَّات، منها نوعٌ جبليٌّ أزهارُه بيضاء، ونوعٌ ربيعيٌّ أزهارُه لَيلَكيَّة، ونوعٌ مَبذولٌٌ أحمرُ الزَّهر مُنَقَّطٌ بنقطٍ سودٍ ينتشرُ في الحقول وبين الزُّروع.
وأمَّا في الكِتابة الآتِيَة، فَفي سهل الطُّفولة انتصَبَتْ شقيقتان؛ شَقيقَتا نُعمانٍ هما: واحدةٌ حَكيمَة، وأخرى مُحِبَّة، أو هذا ما وَصَفتا نَفسَيهما به؛ وهنا ما دارَ بينهما.
ألشَّقيقةُ-الأمّ
حِكمَة: لاحِظي، مَحبَّةُ، الشَّقيقةَ-الأمَّ كيف تَحْنو على ابنتها، الشَّقيقةِ-المَعوقَة، تلك التي لم يكتَمِلْ نُمُوُّها بَعد. لاحِظي كيف غَدَت مُلتويَةَ الظَّهر، المِسكينةُ، شاخِصَةً إلى ابنتها على الدَّوام.
مَحبَّة: وماذا كنتِ تَنتظِرين، حِكمَةُ، من أمّ؟ تلك هي الأُمومة: حِنَّةٌ وتَضحيةٌ حتَّى الزَّوال.
ألشَّقيقةُ-اليَتيمة
مَحبَّة: إنَّها تَبكي من جَديد. أَسمُعها تبكي. إِسمَعيها، حِكمَةُ، إنَّها تَبكي، الشَّقيقةُ-اليَتيمة. آهِ من اليَتَم. لَيتَني أتمكَّنُ من مؤاساتِها.
حِكمَة: كَفاكِ تَلَوُّعًا، مَحبَّةُ، فجميعُنا، نحن الشَّقيقات، يَتامى؛ وجميعُنا، في الوقت عَينه، والِدون وشَقيقات.
مَحبَّة: وماذا تنفعُ مَعلومَتُك هَذي تلك المِسكينةَ التي تَعتقدُ أنَّها ليست سوى يتيمة؟ هَهْ، ماذا تنفعُها مَعلومتُك؟
حِكمَة: وماذا أفعلُ لها بحَسَبِ رأيك؟
مَحبَّة: صحيحٌ أنَّك تَفوقينَني حِكمَةً، بيدَ أنِّي، ومع عَصْفِ أوَّل ريح، سأَنشُرُ باتِّجاهها نَفحَةً أُعبِّرُ لها فيها عمَّا تفضَّلتِ وشَرَحتِه، وأَزيدُ عليه أنِّي، أنا بالذَّات، سأكونُ شقيقتَها، وأباها وأمَّها.
ألشَّقيقةُ-الجَمال
جَمال: راقِبا كيف أنَّ الشَّقيقاتِ يَرمُقْنَني، كيف يَشتهينَ قوامي، رائحتي، تراقُصي، كيف يقَلِّدْنَني في تصرُّفاتي، فيها كلِّها. إنَّهنَّ يَقضينَ النَّهارَ في مراقبتي وحَسَدي، ولا يَغفَينَ إلاَّ على أمل أن يَرَينَ جَديدي مع إشراقَة الشَّمس الطَّالِعَة...
حِكمَة: عَفوَكِ... هلاَّ تُفَكِّرين في ما عدا هذا؟ ثمَّ، أيَعني لكِ العُمر القصيرُ شيئًا؟ أَفلا يَدعوكِ مثلُ هذا العُمر إلى الإفادة من الحياة والتَّمتُّع بها عِوَضَ الاعتِداد بالذَّات، وإضاعةِ الوقت؟ والشَّيخوخةُ القادِمَةُ مع تكرار اللَّيل والنَّهار، ألا تَدعوكِ إلى التَّفكير في الذُّبول، ومِن ثَمَّ إلى التَّمَتُّع بارتِشاف الحياة بحَسَب مراحلها؟...
مَحبَّة: باللهِ عليكِ، حِكمَةُ، إنِ اكتَفَتْ اعتِدادًا، أفلا تَكتَفين وَعظًا؟ فَلْتَعِشْ كلٌّ منَّا ما أمكنَها في تفهُّم الأُخرَيَين، لا بلِ الأخرَيات على اختِلاف الأمزِجَة؛ باللهِ عليكِ، كَفاكِ وكَفاها.

ألشَّقيقةُ-المَوهِبَة
موهِبَة: ... وللهِ في خَلقِه شؤون... يُعطي مَن يُريدُ ما يُريد، ويَحجبُ عمَّن يُريدُ ما يُريد... نَعَم، له، في خَلقه، شؤون... أنا، مَثلاً، مِثالٌ لشَقيقةٍ مَنَحَها المَواهِب... وها إنِّي، من عَصْف الرِّيح، أُخرِجُ موسيقى، أتمايلُ ألوانًا... ها إنِّي...
حِكمَة: وَيحَكِ، أَتَدَّعينَ استِنباطَ الألحان، الرَّقصَ، خطَّ اللَّوحات، ولستِ سوى شَقيقةٍ عاجِزَةٍ بين شَقيقاتٍ عاجِزات؟! قد أَقبَلُ أنْ نكونَ، نحن الشَّقيقات، إِيحاءَ "نوتَةٍ" لموسيقار، وحركةٍ لمُصَمِّم رَقص، ولونٍ لتَشكيليّ، وأمَّا ادِّعاءُ المَوهِبَة، لا بلِ المَواهِب، فهُراءٌ في هُراء...
مَحبَّة: دَعْكِ منها، حِكمَةُ، ودَعيها... ثمَّ، مَن نَصَّبَكِ على رأس هيكل الحِكمَة؟! دَعْكِ منها، دَعيها...
موهِبَة: ماذا كنتُ أقول؟! إيهٍ! ... إي، ورَبِّي، للهِ في خَلقه شؤون... أنا، مثلاً، مِثالٌ لشَقيقةٍ مَنَحَها المَواهِب... وها إنِّي، من عَصْف الرِّيح، أُخرِجُ موسيقى، أتمايلُ ألوانًا...
ألشَّقيقةُ-العالِمَةُ وجارتُها المَنحوسَة
عالِمَة: ما زِلتُ منذ طلوع الفَجر أَرقُبُ، وأَحسُب. أَرقُبُ خطواتِ حوافر هذا الحيوان الضَّخم وهو يقترِبُ من الحَقل الذي يَجمَعُنا مع شَقيقاتٍ لنا، وأحسُبُ متى سيَحِطُّ حافرُه، وعلى أيٍّ منَّا، نحن غير المُتَحَرِّكات، سيَحِطّ. سيَدوسُ، على الأرجَح، الجارةَ الأقربَ منَّا، الشَّقيقةَ-المَنحوسَة.
ها إنَّه يتحرَّكُ باتِّجاهنا، ها هو يقتَرب، إِحتَرِسي يا حِكمَةُ، إِحتَرِسي يا مَحبَّة...
حِكمَة: وما نَفْعُ الاحتِراس مع اللاَّحَراك؟
مَحبَّة: لا بل، وما نَفْعُ الصَّلاة حتَّى؟...
عالِمَة: إنَّه يقتَرِب، يَدوسُ ويَدوس... حِساباتي لا بُدَّ ناجِحَة، ها... ها هو يَدوسُ المَنحوسَة، يا لَلهَول... قَضَتِ المَنحوسَة؛ ألَم أَقُلْ لكما... حِساباتي لا تُخطِئُ أبدًا.
... وتوقَّفَ الحيوانُ لطَرد ذُبابةٍ حامَتْ حولَ ذَنَبِه، وبَدَّلَ اتِّجاهَ سَيره لتُصبحَ خطوتُه التَّاليةُ قاضِيَةً على الشَّقيقة-العالِمَة التي لم يُفِدْها عِلمُها، هنا، في شَيء.
ألشَّقيقةُ-الفيلسوفَةُ وشَقيقتُها الحالِمَة
فيلسوفَة: ألحياةُ، ما الحياة؟ والمَوتُ، ما المَوت؟ إنَّما الحياةُ...
حالِمَة: بِرَبِّكِ، فيلسوفَةُ، بِرَبِّكِ لا تُمارسي هوايتَك الصُّبْحمَسائيَّة، لا بل وما بَعدَ الظُّهريَّة، عليّ. أَرجوكِ، دَعيني أُبحِرْ، دَعيني أَطِرْ، اِسمَحي لي أن أَحلُم... أَرجوكِ...
حِكمَة (متَدَخِلَةً كعادتها): لا بلِ اسمَحا لي...
مَحبَّة (مُقاطِعَةً حِكمة): ألحِكمَة، لِنَقِفْ ونَسمَعْ...
حِكمَة (مُقاطِعَةً محبَّةَ بدورها، ومحاوِلَةً ادِّعاءَ اللاَّمُبالاة على الرَّغم من نبرةٍ مرتَفِعَةٍ في صوتها): لا بلِ اسمَحا لي أنْ أُعَلِّقَ على الموضوع. أنا مع الفلسفة، مع الفِكر، إذ لا حياةَ، ولا مَوتَ، من دون الفلسفة والفِكر، وأمَّا الحُلُم، وكلُّ ما يُشارُ إليه بالقلب، فَمُجَرَّدُ أوهامٍ لا نَفْعَ منها، لا، ولا منها تَطَوُّر...
مَحبَّة (مُقاطِعَةً حِكمَةَ مجدَّدًا): إنِّي لأَعجَبُ، بعد ما سَمِعْت، إنْ كانت تَسميةُ الفلسفة من كلمة حِكمَة أصلاً، ولأَتساءَل: إنْ كانتِ الحِكمَةُ مُجَرَّدَ فِكر، فما النَّفْعُ منها؟ ما نَفْعُ الحِكمَة إنْ لم تَخرِقْ قلبَ الإنسان، لا بل ما هي إلَّم تَكُنْ من قلب الإنسان، من شعوره، من حُلمه؟ فاحلُمي، شَقيقتي الحالِمَة، أَبحِري، طِيري، خُوضي غِمارَ الخَيال، وما بعدَ الخيال... فما الحياةُ سوى شعورٍ مَحسوس، وما المَوتُ سوى شعورٍ غير مَحسوس...
... وكان أنْ عَمَّ صمتٌ...
ألشقيقةُ-المُسعِفَة
مُسعِفَة: سأُجَنُّ، سأُجَنُّ بالفِعل، حِكمَةُ ومحبَّة، أرى شَقيقاتٍ لي في ضِيق، الرِّيحُ تُهدِّدُ باقتلاعهنّ، ولا أستطيعُ لهنَّ شيئًا؛ والسَّببُ أنَّنا، نحن شقيقاتِ النُّعمان، ليس في مَقدورنا الحَراك. كلُّ ما نَقدُرُ عليه هو التَّمايُل، وبفِعل الرِّيح أيضًا، وفَضلِها. سأُجَنُّ، شَقيقتَاي... سأُجَنّ...
محبَّة: أفهمُكِ تمامًا، عزيزتي، لا بل أشعرُ أحيانًا كثيرةً بمِثل ما تَشعرين به من رغبةٍ في مساعدة الشَّقيقات المُعَرَّضات للاقتِلاع عندَ السَّفح العاصِف، وعجزٍ عن تنفيذ ما أَرغَبُه.
حِكمَة: مَهلَكما، عزيزتَيَّ، وحِلمَكما، لا جُزءَ كاملاً في هذا الكَون، وإنَّما أجزاءٌ تتكاملُ على نحوٍ أو على آخَر: فلا الإنسانُ يَطير، ولا الطَّيرُ يَنظِمُ شِعرًا؛ وكما أنَّ النَّباتَ قد يَتَمَدَّد، ولكنَّه لا يَسير، كذلك الرِّيحُ، تُحَسُّ، ولا تُرى. شعورُكما طَيِّب، ولكن، هل مِن حِيلة؟ لِنَتْرُكِ الرِّيحَ تمارسُ عملَها، فإمَّا تَشتَدُّ فتقتَلِعُ الشَّقيقاتِ المُهدَّدات، وإمَّا تهدأُ فتَسلَمن!
ألشَّقيقةُ-العَذراء
عَذراء: نَذَرتُ نَفسي أنْ لا ذَكَرَ، أنْ لا اتِّصالَ مع ذَكَر، أنْ عَذراءَ أَبقى، أنْ مُكَرَّسَةً للسَّماء أَبقى...
حِكمَة: ولكن، عَذراءُ، نحن الشَّقيقاتُ ثابِتاتٌ بجُذورنا، وإنْ حصلَ أنِ احتَكَّ بعضُنا مع البَعض الآخَر، فَعَرَضًا مع عَصْف الرِّيح، وغَصْبًا. ثمَّ إنَّا نتلاقَحُ أو نُلَقِّحُ أنفُسَنا، فأين نحن من العُذريَّة؟!
محبَّة: وهلِ العُذريَّة، حِكمَةُ وعَذراء، في الجَسَد أم في النَّفس؟ أَتكونُ في استخدام جَسَدٍ وُهِبناهُ طبيعيًّا، وفي حبٍّ صادِق، لِلَذَّةٍ و/أو لِتَكاثُر، أم في إطلاق ألسِنَةٍ مُنحَطَّةٍ بعضُنا ضدَّ البعض الآخَر، ومن أجل الهَدم؟ ما بالُنا، نحن مَعشَرَ النَّبات، نُقَلِّدُ الإنسانَ بَدَلَ أنْ يُقَلِّدَنا... ما بالُنا...
حِكمَة: يَكفي، محبَّةُ، يَكفي!
ألشَّقيقةُ-المُزَيِّنَة
حِكمَة: تأمَّلي شقيقتَنا عند قبر ذاك الإنسان الرَّاقِد؛ تأمَّليها عند قبر ذاك المَجهول الَّذي ربَّما ماتَ قَتلاً، أو قَضى قَهرًا، أو جوعًا... وقد يكونُ قاتِلاً أُعدِم، لستُ أدري... تأمَّليها كَم حياتُها تافِهَةٌ إذ تُضَيِّعُها في اللاَّشَيء، ولِلاَّشَيء.
مَحبَّة: ولِمَ لا تَفترضين أنَّ قبرَ هذا المَجهول مَجهولٌ أيضًا، لا يزورُه أحد. قد يكونُ قبرَ مُجَرَّد عابِر سَبيل، أو قبرَ طِفلٍ لَطالما عامَلَ الزُّهورَ في رِفق، وسَقاها في زَمن العَطَش. إنَّ شقيقتَنا تُزَيِّنُ ذكرى إنسان، أيِّ إنسان، وهي تأنَسُ به وإليه. إنَّها لَشقيقةٌ عامِلَةٌ فيما نحن شقيقتان مُنَظِّرتان، أقربُ ما نكونُ إلى التَّفاهة...
حِكمَة: أَخفِضي صوتَك، مَحبَّةُ، لا بل أَقولُ اصمُتي...
ألشَّقيقةُ-المَرذولَة
مَحبَّة: مَرذولَةٌ هي شقيقتُنا الَّتي، من حُفْنَة تُرابٍ في شَقِّ صَخر، تَقوم. بعيدةٌ هي عن سائِر شَقيقاتِها في السَّفح الشَّرقيِّ لِلتَّلَّة الخضراء، مَرذولَة، ولا ذَنبَ لها في ما هي عليه... أُشفِقُ عليها... مِسكينةٌ هي...
حِكمَة: وما أَدراكِ أنْ مِسكينةٌ هي؟ هَهْ، ما أَدراكِ؟ قد تكونُ سعيدةً وَحدَها، مُرتاحَةً من مُجتَمع الشَّقيقات وكلامهنّ، مُسَلِّيًا كانَ أم مُبكِيًا، طَيِّبًا كانَ أم مُبتَذَلاً. وقد تكونُ ممَّن لا يَتركون جُذورَهم، لا يستبدِلُونها بشَيءٍ في هذا العالَم. وقد تكونُ ناسِكَةً في حُفْنَة التُّراب تلك، في شَقِّ الصَّخر ذاك، على السَّفح الشَّرقيِّ لتَلَّتنا الخضراء، قريبةً أكثَر، بِحَسَبها، من باري الأكوان...
محبَّة: أَقنَعتِني، حِكمَةُ، أَقنَعتِني... تبارَكَ ربُّ الأكوان في ما خَلَق!
ألشَّقيقتان-المُتَخاصِمتان والشَّقيقةُ-القاضِيَة
حِكمَة: قُومي مَحبَّةُ، أَفيقي من سُباتِك، اِسمَعي جِدالَ اليَوم وكلِّ يَوم، لا بلِ اسمَعي ما تنطِقُ به الشَّقيقةُ-القاضِيَةُ في خلاف الشَّقيقتَين-المُتَخاصِمتَين.
مَحبَّة: أُفٍّ منكِ، حِكمَةُ، وألفُ أُفّ! كَم من مرَّةٍ أيقَظتِني لِتُسمِعيني مُشكلةَ المَشاكل التي لا حَلَّ لها؟!
حِكمَة: وأين محبَّتُكِ من مِشاكل الشَّقيقات، هَهْ؟!
مَحبَّة: حَسنًا، أَعيريني صَمتَكِ، ولْنُنْصِتْ...
مُتَخاصِمَةٌ أولى: ... وكما سَبَقَ وقُلتُ لكِ، شَقيقتي-القاضِيَة...
مُتَخاصِمَةٌ ثانية: ... لا بَل وكما سَبَقَ وقُلتُ لكِ أنا، شَقيقتي-القاضِيَة...
مُتَخاصِمَةٌ أولى: ... لا تُقاطِعيني أيَّتها ال...
مُتَخاصِمَةٌ ثانية: ... لا بَل لا تُقاطعيني أنتِ، يا ابنةَ ال...
ألقاضِيَة: إنِ استمرّتْ كلٌّ منكما في مقاطعة الأخرى، وفي مُقاطعتي، سأَتركُكما لمَصيركما ولن...
مُتَخاصِمَةٌ أولى: هي المَسؤولة...
مُتَخاصِمَةٌ ثانية: ... لا بَل هي المَسؤولَة...
مُتَخاصِمَةٌ أولى: هي التي بَدَأَت...
مُتَخاصِمَةٌ ثانية: ... لا بَل هي التي بَدَأَت...
ألقاضِيَة: دُمتُما في سَلام...
مُتَخاصِمَةٌ أولى: أنتِ جَعَلتِها تَذهَب...
مُتَخاصِمَةٌ ثانية: ... لا بَل أنتِ مَن تَسَبَّبَ في ذهابها...
محبَّة: أَسَمِعْتِ، أَرأيْتِ، أَفهمْتِ، أَلَم أَقُلْ لكِ؟ أُفٍّ منكِ، حِكمَةُ، وألفُ أُفّ! كَم من مرَّةٍ أيقَظتِني لِتُسمِعيني مُشكلةَ المَشاكل التي لا حلَّ لها؟!
حِكمَة: عُذرًا، محبَّةُ، ولكن، أين محبَّتُكِ من مِشاكل الشَّقيقات؟!...
ألشقيقةُ-الحَسَد، ومحاميَتُها، الشَّقيقةُ-الكَذِب
حِكمَة: إِسمَعيها تتكلَّم، مَحبَّةُ، إنَّها لا تَنِي تَتكلَّم، تَتكلَّمُ على الشَّقائق، في ما يَحُقُّ لها الكلامُ فيه، ولاسيَّما في ما لا يحقّ؛ في ما هو صحيحٌ، ولاسيَّما في ما هو غيرُ صحيح. إنَّها آلةُ حَسَدٍ لا تَتعَب، وإنْ هي تَعِبَتْ، سانَدَتْها مُحاميتُها، الشَّقيقةُ-الكَذِب...
مَحبَّة: وأنتِ، ألا تَتعَبين، حِكمَةُ، من إبداء الرَّأي في الآخَرين؟
حِكمَة: إِلامَ تُلمِحين، مَحبَّة؟ أَتُقارِنين الحِكمَةَ بالحَسََد، ومُحاميتِها الكَذِب؟
مَحبَّة: مَعاذَ الله، عزيزتي، أَكمِلي.
حِكمَة: إنَّها، لِحَسَدها، وهو غيرُ مُبَرَّرٍ بالإجمال، تَختلِقُ الأمورَ، تَتَخيَّلُها؛ تُطلِقُ الأكاذيبَ، تُصَدِّقُها، تُدافِعُ عنها، لا بل تَظُنُّ أنَّ الجميعَ يَكذِبُ مثلَها؛ وقد تَناسَتْ ما نأخُذُ به، نحن الشَّقائق، من أقوال حكماء بَني البَشَر، وأنبيائِهم، وكتبهم المُقَدَّسَة، مِن مِثل: "إذا رأيتَ مثلُ الشَّمس فاشهَد"، و"شَفَتا الزُّور قبيحتان عند الرَّبّ، والعامِلون بالصِّدق رضاه"، و"مَن ظَنَّ أنَّه مُتَدَيِّنٌ ولم يلجُمْ لسانَه، بل خدعَه قلبُه، كان تديُّنُه باطلاً"...
محبَّة: ... وأُضيفُ، عزيزتي، أنَّ "الإنسانَ الطَّيِّب، من الكنز الطَّيِّب في قلبه، يخرُجُ ما هو طيِّب، والإنسانُ الخبيث، من كنزِه الخبيث، يخرجُ ما هو خبيث"؛ ولكن، أتَظُنِّين أنَّ الكاذِبَ لا يُكشَفُ يومًا؟ ثمَّ، أَليس الصَّادِقون هم الغالِبون؟
حِكمَة: أَدهَشْتِني بمعرفتِك، وحِكمَتِك، مَحبَّةُ، وعليَّ أنْ أعترفَ لك أنْ صَدَقَ مَن قالَ في الحَسَد والحاسِدين: "قُلْ أعوذُ بربِّ الفلَق... من شرِّ حاسدٍ إذا حسَد"، وفي العَدلِ والعادِلين: "وإنْ قلتُم فاعدِلوا، ولو كان ذا قُربى"، وفي الصَّبر والغفران: "إنَّ مَن صبرَ وغفرَ لَمِن عَزم الأمور".
شَقيقَتا النُّعمان
مَحبَّة: هلِ انتبَهتِ، شقيقتي الحِكمَة، إلى أنَّ العُمرَ، عُمرَنا نحن، وهو قصير، يكادُ يَنتهي، ولم نقُم، بَعدُ، بأيِّ عملٍ مُفيدٍ سوى التَّحاورِ والكلامِ على الشَّقيقات، ومعهنَّ، فنَنصَحُ هذه، ونُصَحِّحُ مَسارَ تلك، وكأنَّ ثمَّةَ مَن وَكَلَ إلينا أمرَهنّ. باللهِ عليكِ، أَجيبيني: مَن وَكَّلَنا لِتَفنيد تصرُّفات الشَّقائق، مَن أعطانا الحقَّ في الحُكم على مَثيلاتِنا، هيَّا بنا نفعلُ شيئًا صائِبًا ومُفيدًا.
حِكمَة: أَقنَعتِني، مع أنِّي قلَّما أَقتنعُ من الغَير. ماذا تَقتَرحين؟
مَحبَّة: سآخذُ دورَك هذه المرَّة، حِكمَة. ألَسنا جُزءًا من كلّ؟
حِكمَة: بَلى.
محبَّة: وهلِ الكَمالُ، أو قولي السَّعيُ للكَمال، بالحِكمَة والمَحبَّة فقط، أم بهما وبغَيرهما من الفَضائل، وحتَّى بمُتَضادَّات الفَضائل؟
حِكمَة: بل بهما وبغَيرهما، كما قُلتِ، وحتَّى بمُتَضادَّات الفَضائل... فلا مَحبَّةَ من دون كُرْه، ولا حِكمَةَ من دون جَهل، وهكذا... فالثُّنائيَّاتُ تَتَحَكَّمُ في الوجود، وربَّما تتعدَّاهُ إلى العَدَم... أَفصِحي، مَحبَّةُ، ماذا تَنوين؟
محبَّة: أَتقبَلين زواجي؟
حِكمَة: لَطالما أحبَبتُك، مَحبَّة. ثمَّ، عِلميًّا، وعلى العكس من القاعدة بعامَّةٍ، لا ثنائيَّةَ بين الشَّقائق: فالشَّقيقةُ، كلُّ شقيقة، ذكرٌ وأنثى، وبإمكاننا، بالتَّالي، التَّكاثرُ ذاتيًّا، كما واحدتُنا مع الأخرى، أو مع الغَير. فَلْنَقُمْ بذلك، أنا وأنتِ، ولْنَتَزَوَّجْ! لِتَتَفاعَلْ واحدتُنا مع الأخرى، ولِمَ لا، مع الآخرين، مع الطَّبيعة.
مَحبَّة: فَلْنَتَزَوَّجْ عن جميع الشَّقائق، لا بل لْنَتَزَوَّجهنَّ جميعًا، وَلْنَسْعَ لإلادَة الشَّقيقة-الإنسان.
حِكمَة: أَعطيتُكِ نَفسي بكلِّ حِكمَة.
مَحبَّة: وأنا أُعطِيكِيها بكلِّ مَحبَّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.