تكون أمي فارسة كل حوار حول العقم أو تأخر الحمل سنينا، ظلت المرجع فيما يبطل أسطورة العقم الأبدي في مسامرات العائلة، ليس فقط لكونها لم تنجب إلا بعد أحد عشر عاما من الاستسلام لكل وصفات العطارين، بل لأنها نسفت نتائج مختلف تحليلات الطبيب اليهودي في مكناس، في كل نشرات أخبار المساء، يلعن الأهل إسرائيل بسبب تنكيلها الوحشي بشعب فلسطين، وتلعن أمي*ابن ميمون *رجما بادعاء علم بالغيب ، ثم تضحك بسخرية لاذعة ، حنثه الله، فوضعت أنثى و ذكرين على التوالي كنت أكبرهم، لعلي كنت في العاشرة من عمري، حين رافقت أبواي لزيارة طبيبة في الرباط، خفت أن يتم عرضي عليها بسبب هزال لم تنفع معه كل الأعشاب، كنت أظن أنني أفزع من شكة الإبرة، فيما بعد، أدركت أنني كنت أخجل من التعري بين يدي الممرض، يلح أبي غاضبا في وجهي حتى أجدني مسلما مؤخرتي تراودها كف لإصابة الإبرة اللعينة نقطة محددة، تسمعت همسهما للاتفاق على السفر إلى العاصمة، حاول ثنيها عن هذه الزيارة في هذا الظرف بالذات: الرباط ستكون مقلوبة، لم يمر إلا أسبوع على فشل انقلاب العسكر، لكنها أقنعته بما رأت في منامها، وقفت الطبيبة على رأسي تلومني على التأخر في الهدية الثمينة التي وعدتها بها في حال الحمل بعد كل تلك السنين، ذكرته بكل ما فعلت من أجلهما ليرزقا بهؤلاء الفرسان الثلاثة، بعدما كان هو نفسه قد يئس من الخلف، عرفت فيما بعد ، أن أبي لم يكن مصرا على مطاردة السراب، قصص إخوته مع الإنجاب تصلح مادة لمسلسلات تضاهي ما تنتجه مصر حول الزواج والطلاق و ما بينهما من فضائح تنسي جوع رمضان ، أمسكته من اليد التي توجعه كما يقال، فقبل اصطحابها لتقديم الهدية المخلوفة الميعاد، أحاطت كفيها بوجهي مزهوة بما حققته من انتصار على أسطورة عقم أمي أو أبي أو هما معا، ثم نظرت في محياه البشوش، قبل أن يرتد طرفها إلى سحنة أمي الباهتة، لا أدري إلى الآن سر تواصلهما بنظرات زائغة تلقي بشرارها فوق قامتي القصيرة من الرأس إلى الرجلين، كان أبي منتصب الهامة، يتحرك مختالا بين الفينة والأخرى في كسوته الجديدة، يده اليمنى تداعب شعري، وبعض العرق يتسلل عبر رقبتي إلى الظهر، كنت خائفا من عريي بين يدي الطبيبة، وكانت أمي تجيب بقسمات الانشراح عن سؤال ظل يطن في أذن أبي عن بعد الشبه بيننا وبينه، لم أشعر أنها ما زالت فارسة الحوار حول عقم كل تلك السنين.