مازالت مجلة ذوات الإلكترونية الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود تفاجئ قراءها بقضايا ومواضيع متميزة وأساسية في الفكر السياسي والديني والعلمي، حيث وضعت نصب أعينها مثل هذه المواضيع لأنها طاقمها يعرف مدى أهميتها ومدى تأثيرها في الواقع السياسي والفكري العربي اليوم، نظراً لما تعيشه الأمة العربية من مشاكل وصراعات سياسية ومذهبية ودينية تركت آثارها السلبية على المستوى العالمي. فبعد العدد السابق (40) الذي تناول ملفا حول "الإسلام السياسي وأزمة الانتماء والهوية"، وعالج فيه مجموعة من الباحثين العرب ظاهرة الإسلام السياسي من زاوية علاقته بالهوية والانتماء، يأتي العدد (41) من المجلة ليطرح إشكالية "الإسلام السياسي والثورات العربية"، حيث تقول رئيسة تحرير المجلة الكاتبة والصحفية سعيدة شريف: "خاصة وأن الحراك الشعبي الذي تفجر في عدة دول عربية أو ما يعرف ب"ثورات الربيع العربي"؛ جعل هذه التيارات تبرز، وتطفو على سطح الساحة السياسية العربية، كقوى فاعلة ومنظمة ومدعومة من طرف الجماهير الشعبية، وذلك بعدما ظلت لسنوات حبيسة العمل السري بسبب قمع السلطات لها. تتباين الآراء وتتعدد حول تقييم تجربة الإسلاميين أثناء وبعد "الربيع العربي"؛ ولكنها في المجمل يمكن تقسيمها إلى توجهين: توجه أول يرى أن الإسلاميين انتهزوا الفرصة وركبوا موجة "الربيع العربي" بهدف الاستيلاء على السلطة، مشكلين بذلك البوادر الأولى للثورة المضادة، وتوجه ثانٍ يرى أن الإسلاميين أعطوا دفعة ل "الربيع العربي" الذي انطلق كهبة جماهيرية وانتفاضة ضد الفساد والظلم، ولم يستغلوا الثورات لصالحهم. وسواء استغل الإسلاميون "الربيع العربي" أم لم يستغلوه، فإن الأخطاء القاتلة التي ارتكبوها في تدبيرهم للمرحلة، وتعاملهم مع مخرجات الثورات العربية بسطحية كبيرة، أجل من تصدع جماعاتهم وتراجعها، بعدما طغت عليهم العاطفة و"الحمية الدينية" الزائدة، التي ترغب في العودة بالمجتمعات العربية الإسلامية إلى الوراء. وما حصل في مصر، وتونس، وليبيا، وسوريا، واليمن، خير دليل على أن تلك الجماعات أبعد ما تكون عن الدولة الحديثة التي ترتكز بالأساس على الديمقراطية وحقوق الإنسان. قد تتباين المواقف حول تجربة الإسلام السياسي، بعد "الربيع العربي"، لكن هناك إجماعاَ على أن الزخم الكبير لثورات "الربيع العربي"، دفع حركات الإسلام السياسي إلى واجهة المشهد السياسي، في معظم دول "الربيع العربي"؛ ما أدى إلى اتساع الهوة بين قطاعات واسعة، من العلمانيين والإسلاميين، في المجتمعات العربية والإسلامية، في ظل تحولات سياسية واجتماعية، كانت أكثر دمويةً وإيلامًا من أي' فترة سابقة. فهل كان الإسلاميون فاعلا مشاركا، وعنصرا مهما في حراك "الربيع العربي"، أم كانوا آخر الملتحقين وأول المستفيدين من هذا الحراك؟ وهل الإسلاميون ضحايا أم متسببين في تراجع "الربيع العربي"؟ وهل ساهم الإسلاميون في تأجيج الطائفية في العالم العربي والإسلامي؟ ضمن هذا السياق الفكري الاجتهادي، يأتي العدد الواحد والأربعون من مجلة "ذوات"، ليعالج ظاهرة قديمة / جديدة، هي ظاهرة "الإسلام السياسي"، ويناقش على وجه الخصوص موضوعاً راهنياً هو "الإسلام السياسي والثورات العربية"، من خلال ملف أعده الكاتب والباحث السوري نبيل علي صالح، وقدم له بمقال تحت عنوان "الإسلام السياسي وقضية التغيير في الأمة (مقاربة لما بعد مرحلة الثورات العربية". ويضم ملف العدد (41) أربعة مقالات هي: "الإسلاميون في دول المغرب العربي.. تحولات الإسلام السياسي وسط أزمة بنيوية"، للباحث والأكاديمي المغربي عبد الحكيم أبو اللوز، و"تحولات الإسلام السياسي في ظل "الربيع العربي" للباحث الجزائري عبد القادر عبد العالي، و"مراحل الإسلام السياسي ومثال التجربة التونسية" للباحث والجامعي التونسي محمد الخراط، و"الإسلاميون والثورات العربية.. فقه الفرصة والسقوط" للباحث المصري هاني نسيرة. أما حوار الملف، فهو مع الدكتور سعيد بنسعيد العلوي، من بين أبرز الباحثين المغاربة المهتمين بشأن التيارات الإسلامية، الذي صدر له حديثا كتاب في الموضوع عن "دار مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع" بلبنان، تحت عنوان "دولة الإسلام السياسي (وهم الدولة الإسلامية. وبالإضافة إلى الملف، يتضمن العدد (41) من مجلة "ذوات" أبوابا أخرى، منها باب "رأي ذوات"، ويضم ثلاثة مقالات: "سؤال الهوية في عالم سكوني.. أزمة وجود" للكاتب والمترجم المصري شوقي جلال، و"الذاكرة الثقافية للحروب" للشاعرة السورية فرات إسبر، و"(الفرد) المنسي في نظريات التنمية وفي سياساتها" للباحث المغربي رشيد أوراز؛ ويشتمل باب "ثقافة وفنون" على مقالين: الأول للكاتب والناقد السوري خالد حسين بعنوان "إدوار الخراط: مغامرة الكتابة، زحزحة السرد وشهوة التكرار المختلف"، والثاني للكاتب والباحث التونسي نجم الدين خلف الله بعنوان "ابن سِيدَه الأندلسي: من مُسلَّمات الفلسفة إلى تَحَدِّيات الرقمنة". ويقدم باب "حوار ذوات" حوارا مترجما مع الفنانة الفوتوغرافية المغربية ليلى العلوي التي قضت نحبها بسبب عمل إرهابي شنته جماعة إرهابية في شهر يناير / كانون الثاني من العام الماضي 2016 بواغادوغو، لما كانت في بوركينا فاسو تنجز روبورتاجا مصورا لفائدة منظمة العفو الدولية. الحوار والتقديم مأخوذان من كتاب "الصورة وتحوُّلاتها" للدكتور فريد الزاهي، الصادر باللغة الفرنسية عن "دار مرسم للنشر" الرباط عام 2015. الترجمة قام بها الباحث والمترجم المغربي سعيد بن الهاني. أما "بورتريه ذوات" لهذا العدد، فهو مخصص للمفكر الأردني فهمي جدعان، الذي يعود له الفضل في تأسيس اتجاه في الفكر العربي المعاصر، يقوم على أنسنة المقاربات الفلسفية، ومنحها طابعًا كونيًّا، في إطار ما يسميه "العقل الوجدانيّ". البورتريه من إنجاز الكاتب والإعلامي الفلسطيني أوس داوود يعقوب. وفي باب "سؤال ذوات"، يثير الإعلامي المغربي نزار الفراوي سؤال: "الإسلام هو الحل: ما مآلات الصدام بين الشعار والواقع؟"، أو إشكالية استدعاء المرجعية الدينية كمصدر أساسي لبناء رؤية الفاعل السياسي الإسلامي للدولة وإدارة الحياة العامة، من خلال استقراء آراء مجموعة من الباحثين العرب، المهتمين بقضايا الإسلام السياسي، الذين يقترحون مقاربات متنوعة لجذور إحدى المقولات المركزية لحركات الإسلام السياسي، وتشخيصا لمآلات هذا الخطاب الذي يضع النص الديني المقدس في مغامرة بلا ضفاف عبر دهاليز ومتغيرات أوضاع سياسية ومجتمعية لا تستقر عند نقطة ثابتة. وفي "باب تربية وتعليم" يقدم الباحث المصري محمود كيشانه مقالا حول "تدريس الفلسفة والفاعلية التعليمية"، مسلطا الضوء من خلاله على أحد الإشكالات الأساسية في تدريس الفلسفة في العالم العربي، فيما يقدم الباحث المغربي إسماعيل الموساوي، قراءة في قراءة في كتاب "التاريخ الطبيعي للدين" لديفيد هيوم، وذلك في باب "كتب"، والذي يتضمن أيضاً تقديماً لبعض الإصدارات الجديدة لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، إضافة إلى لغة الأرقام، التي تكشف عن تراجع كبير في مؤشر الإحسان العالمي لعام 2017، بناء على تقرير أعدّته مؤسسة المساعدات الخيرية "تشاريتيز إيد فوندايشن" الدولية.