تحتضن قاعة سينما بوجلود بفاس ، يوم السبت 21 أكتوبر 2017 ابتداء من السابعة مساء ، لقاء سينمائيا مع المخرج القنيطري المبدع هشام ركراكي تعرض في إطاره أفلامه القصيرة الثلاثة الأخيرة " ريكلاج " و" نداء ترانغ " و" إيما " ويفتح حولها وحول تجربته السينمائية عموما نقاش بمشاركة ثلة من فناني المدينة وسينفيلييها ومثقفيها وغيرهم . هذا اللقاء هو الثالث من نوعه بعد لقاءين سابقين وناجحين ، تمت في الأول استضافة إبن فاس الباحث والمخرج بوشتى المشروح وفيلمه الوثائقي " ورثة لوميير " ، وتمت في الثاني استضافة المخرج العرائشي محمد الشريف الطريبق وفيلمه الجميل " أفراح صغيرة " ، وذلك بمبادرة من المعهد الفرنسي والجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب . فيما يلي ورقة تعرف بالمبدع هشام ركراكي : مخرج كبير في الطريق منذ أفلامه القصيرة الأولى برهن الفنان محمد هشام ركراكي (من مواليد الرباط يوم 25 أبريل 1967) عن علو كعبه في الإخراج السينمائي ، والدليل على ذلك الصدى الطيب والإيجابي جدا الذي خلفاه فيلماه الأخيران " إيما " (2017) و" نداء ترانغ " (2015) في أوساط النقاد والسينفيليين وعشاق السينما الرفيعة عموما ، وكذا الجوائز العديدة التي حصداها هنا وهناك اعتبارا لعمقهما الإنساني وتمكن صاحبهما من أدوات التعبير بالصورة والصوت . ليس غريبا إذن أن يتميز هشام ركراكي إبداعيا عن غيره من سينمائيي جيله ، فهو غير متسرع مثل الكثيرين منهم . لقد آمن بالتكوين الرصين وبالممارسة الميدانية ، شأنه في ذلك شأن المبدع محمد مفتكر ، وبعد دراسته للأدب الأنجليزي والمسرح المعاصر أولا بالمغرب (جامعة ابن طفيل) وبعد ذلك بالمملكة المتحدة (جامعتي إسيكس و لانكاستر) توجه سنة 1992 إلى السينما والسمعي البصري واشتغل في أعمال مغربية وأجنبية كمساعد في الإنتاج أول الأمر ، الشيء الذي مكنه من الإنفتاح ميدانيا ، طيلة عقدين من الزمان ، على مختلف التخصصات السينمائية وأهله ليدخل مجالي الإنتاج والإخراج من بابهما الواسع عبر تنفيذ إنتاج أفلام تلفزيونية لفائدة قناة " دوزيم " (" القسم 8 " من إخراج جمال بلمجدوب وبطولة فاطمة خير ، نموذجا) وإخراج أفلامه القصيرة الأربعة الأولى ابتداء من سنة 2013 : " ريكلاج " (بالإشتراك مع إدريس كايدي) و " الراية " ثم " نداء ترانغ " و" إيما " . في الفيلمين الأخيرين ، أكد بلغة سينمائية رفيعة لا تخلو من شاعرية ، على أن الحب قادر على التقريب بين البشر وعلى إذابة الخلافات الثقافية والدينية بينهم . ذكرتني فضاءات تصوير فيلمه الأخير " إيما " ، عند مشاهدته مرة أخرى بالمهرجان الخامس عشر للفيلم القصير المتوسطي بطنجة مساء الأربعاء رابع أكتوبر الجاري ، بفضاءات تصوير فيلم " ياقوت " (2000) لجمال بلمجدوب الجميلة . فكلاهما صور بفاس وأظهر بعض معالمها كمكتبة القرويين بالصفارين وآثار المرينيين المطلة على المدينة العتيقة بدروبها الضيقة ودكاكينها ومنازلها الواسعة . وكانت فترة تصوير " ياقوت " ، التي دامت أكثر من شهر ، أول مناسبة التقيت فيها عن قرب هشام ركراكي وكل العاملين في الفيلم من المخرج جمال بلمجدوب إلى الممثلين محمد مفتاح وفاطمة خير ومحمد خيي وخالد بنشكرة وصلاح الدين بنموسى ومحمد الجم والراحل محمد الكغاط وغيرهم ، حيث لمست فيه ، كمساعد في الإنتاج ، جدية في العمل وديناميكية قل نظيرهما . ولعل احتفاء المعهد الفرنسي بأفلامه مساء السبت 21 أكتوبر 2017 داخل أقدم قاعة سينمائية بفاس (سينما بوجلود) ، بتعاون مع الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب برئاسة الصديق عبد الخالق بلعربي ، وبتنسيق بين الصديقين إبراهيم زرقاني (عن المعهد المذكور) وبوشتى المشروح (عن جواسم) ، وفتح نقاش سينفيلي حولها ، فيه اعتراف بإبداعية الرجل ونوع من رد الجميل له لأنه أظهر فاس في حلة سينمائية تليق بها كأول مدينة مغربية نظم بها أول عرض سينمائي بالمغرب سنة 1897 أيام السلطان مولاي عبد العزيز . نحن في المغرب في أمس الحاجة إلى مخرجين مبدعين لهم خلفية ثقافية صلبة وتجربة ميدانية معتبرة راكموها طيلة مسيرتهم الفنية ، وهشام ركراكي واحد منهم ، لأنه مثقف وفنان مرهف الإحساس استفاد من خبرات مبدعين عالميين كبار اشتغل إلى جانبهم أمثال مارتن سكورسيزي وريدلي سكوط وأوليفر سطون وغيرهم ، وأصبح قادرا على العطاء بتميز كمدير إنتاج أو مخرج أو مؤطر بالمعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما بالرباط . عندما يتكلم هشام يحسن اختيار عباراته ويقنع المستمعين إليه بعمقها ، كما يقنع مشاهدي أفلامه بجدتها وجودتها وصدقها وكونية مضامينها . إنه مبدع بكل ما في الكلمة من معنى ، يسير ثابت الخطى على الطريق الصحيح ، وبعد أفلامه القصيرة سيتحفنا لا محالة بأفلام طويلة مشرفة له ولنا كمغاربة . نتمنى له كامل التوفيق والنجاح ، ونتمنى من الأصدقاء إبراهيم زرقاني وبوشتى المشروح وعبد الخالق بلعربي مزيدا من هذه المبادرات السينفيلية الجميلة .