+ الشاي : كان الدرب الضيق هو آخر ما يستطيع تفكيرنا توجيهنا إليه . فرحنا بالحرية وبالصداقة التي تجمعنا . ورحنا نتحسس الهواء النقي الذي يقصدنا كل صباح مبكر . بعد أن استطعنا اصطياد قلوب متحجرة إلى جانبنا . احتياج وحيد لتماسك قلبينا مثل أطفال تشتتوا في السوق في غفلة من أهاليهم . وقبل أن نصل إلى البيت الذي سكناه منذ وصولنا . التقينا بشيخ الدوار العجوز ، أصر على دعوتنا لشرب الشاي في بيته بلهجته الأمازيغية الغير مفهومة من جانبنا . وألح على ذلك بكل الوسائل التي يحتويها عقله . لا نعرف كيف قبلنا دعوته دون نقاش طويل ؟ . جاءنا شيخ الدوار بطبق من الزبدة والعسل والزيت . الطبق المعتاد تقديمه للزوار في المنطقة . كان الشاي الذي يفتقد إلى النعناع . ينعشنا ويغير مسار التفكير الغالب علينا وينسينا إياه . شدتني صورة صاحب البيت المعلقة على الجدار بوجهه المتجهم ، وبتقاسيمه العميقة . تذكرت حينها ملامح أبي الذي لا أظن سأستطيع رؤيته هذا العام .وقد جذبتني مرة أخرى نشوة كأس من الشاي يقدمه صديقي لي ، ويقربه من أنفي ... + فشل مقصود : في أولى الجلسات مع رضوان قبل تعمق معرفتي به ، ومعرفتي بتوجهاته وميولاته ، ربما كان ما رأيته في أحد الأفلام المصرية ينطبق عليه . تألم في إنتاج الأحزان والأتراح بما فيه الكفاية ، وكأنه أمام قاض عادل يتمنى أن يسمعه إلى الآخر . نجح رضوان في استمالتي وإلى أن أسمعه وأعيش معاناته المرجحة بين الصواب والخطأ . كنت أظن أنه يفقد صوابه لأول مرة ويصنع نسخة لمجنون ليلى . بينما هو مجنون بالأرض وبالبقاء الأعمى داخل هذا الرداء . كل المقاعد فارغة ، وكانت تحب تلك الحرية العتيقة في الانتقال من المسؤولية إلى الفراغ اللانهائي . بينما أنا لم يتجدد التصاقي بالمكان . مازال يحيط بي العشب الاصطناعي الذي غرسه رفيقي من كل جانب . لكني لا استطيع أن أعرف لماذا أحب هذا المكان بالذات . هل هي الرغبة في إنتاج قصص من الخيال ؟ أم هي رغبة في الحياة داخل عالم الآخرين ؟ . لم أفطن إلى مدى سوء حالة رضوان حتى سمعت صوته المبحوح . لقد دفعت من أجل أن اسمعه الكثير ، من أجل أن أعرف الحاضر الذي أتى به إلى هنا . ولكنه لم يجب على كل هذه الأسئلة . كان يعرف جيدا كم أنا في حاجة إلى هذه الأجوبة . لذلك أسرع بوضع النقطة الأخيرة إعلانا عن انتهاء القصة ... + دموع : كان رجال يدورون في سفح جبل مرتفع شبه عراة ويرمون بنظراتهم لقمته العالية ، وكان صباح جميل دافيء يسمو ويرتقي إعجابي به كلما خرجت إلى المكان نفسه وأطلقت نظري الحاد فيه كأني أكتشف أسرارا لم تكتشف بعد . قريبا إلى الوادي كانت جيوش الطيور المختلفة تسعد لجمال الطبيعة وتقرع باب الحياة بتغريداتها وزقزقاتها الشجية ، وكان منظر جميل ، ولكن أمرا في غاية الغرابة كان قد وقع وأوقع في عقلي خوفا عظيما وحزنا عميقا . جاءت الطيور كلها واجتمعت حوله وشم النمل رائحته ودار حوله يرتقب سقوطه وتجمدت الحمائم في مكانها تبكيه بدموع الحسرة وماتت القبرات حزنا عليه وكذلك فعلت الغزلان ومن له قلب ضعيف وجريح . كان النسر العجوز يمارس طقوس الموت وينتظر نهايته بجدية ، يرقب الزائرين من حوله كل على حدة فينظر في عيون الطيور وبجد حقدا عظيما وينظر في عيون النمل فيجد جوعا هالكا يفرز لعابه اللزج ، ثم ينظر إلى القبرات والغزلان الهالكة فيجد أن قلوبها الجريحة والضعيفة لازالت تنبض وتطالب بقتله قبل أن يعيد صحته ويفترس الجميع . حولت نظري إلى اتجاه آخر فوجدت يمامة مزينة بألوان الطيف تسيل دموعا كأنها خيوط المطر تتساقط من العلياء ، ثم قالت : - ماذا دهاكم ؟ ألا تعرفون أن هذا الساقط الآن بين أيديكم هو من يتم أولادكم والتهم صغاركم ؟ ألا ترونني ، لقد خرب بيتي الصغير والسعيد وجعلني أرملة أبكي الأحباء طوال حياتي . استغربت ثم زدت حزنا لما رأيت المتجمعين حوله ينقضون عليه كأنهم نسور جائعة.. نسيت أن أقول أن الرجال الذين كانوا يدورون في سفح الجبل لا يسمعون ولا يرون ....