أيها الفذ بوانكاري POINCARE: إن أشد ما أخشاه هو أن أُقلق راحتك وقد ركنتَ إلى الراحة في قبرك بعد مجهود كبير بذلته في حياتك. لم أكن لأزعجك لولا أني بعد أن كتبت رسالة إلى آينشتاين أدينه فيها على صُنعِه للقنبلة النووية وسرِقَتِه لإنجازات غيره العلمية، تعرضتُ للنهش من طرف البعض كأنني مسست قداسة نبي، ومن طرف بعض الذين يشتمون النبي محمد صباح مساء ويقدسون آينشتاين، وهم لا يدركون أنهم سقطوا في براثن دجال لا غير. ليتهم كانوا من العوام فأعذرهم ولكنهم أصحاب مناصب جيدة وشواهد عالية وصادقون فيما يقولون عنه. يعتقدون أن عدائي للصهيونية هو ما حملني على آينشتاين. وإن كان عدائي لها واقع فعلا كمثل عدائي للشيعة والسنة والكاثوليكية وغير ذلك من الطائفية التي أمقتها أشد المقت بما تفرق بين الإنسان والإنسان، فإنه ليس مبررا أن أفقد صوابي وأتحامل على شخص من الأشخاص لا علاقة له بما سلف سوى أنه ولد حيث لا يجب. ولعلمك أنه في نفس السنة التي وافتك المنية طلب المخزن المغربي من فرنسا - وطنك الذي يفتخر بك بشوفينية بالغة - حمايته من تمرد القبائل، فدخلت بجيشها وإدارييها ومثقفيها تعب من خيرات المغرب ما أرادت ثم قتلت منه ومن الجزائر وتونس الملايين لما أُرغِمت على الخروج . وكل هذا كافي لأكِنَّ لك الحقد لو كان هذا هو معياري في الحكم عليك أو على غيرك كما توهم المتوهمون. ثم إنك من عائلة سائدة وقد سارت رئاسة فرنسا، من بعد وفاتك بقليل، لرايموند أقربِ أقربائك بينما أنا ممن هم في بلاد الملك مجرد رعية يأكلون مما بقي من فتات الفتات لسادة البلاد. ولو أدرك مهاجمي فإن هذا عامل إضافي كي أفقد صوابي إزاء من كان من سلالة الحاكمين مثلك وأقف إلى جانب آينشتاين المنحدر من يهود اضطهدتهم أوربا بدون رحمة ولا رأفة وطردتهم نحو أرض فلسطين. لكن حقدي يقع على من يمارسون الجور ويُنَظِّرون له، وليس عليك ولا على أمثالك وإن كانوا سليلو جورة متكبيرين. أكاد أجزم أن العوامل الذاتية جذبتني إليك. فأنت بالإضافة إلى أنك عالم رياضيات بارز، رجل آداب أيضا وحاصل على البكالوريوس فيها وفيلسوف حقيقي لا دجال مثل آينشتاين. كتابك ” العلم والفرضية ” La Science et L'Hypothèse ” شاهد على حسن منطقك وحُبِّك لتقدم العلوم إسوة بالجهبذ ديكارت . ويؤسفني أن أخبرك أن عدوك اللص سرق منه ما وسعه من السرقة ونسب إليه ما نسب وإنها لطامة كبرى أن يقوم بهذا العمل الشنيع حامل لجائزة نوبل واسعة الشهرة زيادة على أنها كبيرة المقدار. لا أخفيك أنني سجلت إسمي بكلية الآداب وأنا قيد تحضير الدكتوراه في العلوم البيولوجية، فسرق موظفهم منحتي ظنا منه أنني رجل تعليم ولا حق لي فيها، فحولها إلى جيبه. ولما شكوت حالي للوزير بعد أن يئست من العميد وجدتها شبكة منظمة. كل يغرف ما استطاع أن يغرف من أموال الطلبة. فغادرت مطأطأ الرأس وكان لي درسا مفيدا حين حولوا منحتي في علوم المياه إلى غيري فسكتُّ مذعورا. عفوا أيها الرياضي الكبير إذا ما سهوت وحكيت بعضا من همومي، فالحديث ذو شجون وأخشى أن تخرج سيفا طبقيا لا أحسبك تحمله، لكني أريد أن أصارحك بحقيقةٍ لا يجب أن تخفى عليك. تمة عوامل ذاتية جذبتني إليك لكنها ما أغمضت جفني عن النظر بعين يقظة. بيت القصيد في هذه الرسالة هو إخبارك بأن العلاقة E=mc2 تنسب الآن إلى آينشتاين في كل مكان إلا عند اليقظين النزيهين وهم نُدرة. لعمري كيف يستطيع رجل لا يعرف عن المعادلات التفاضلية سوى أنها علاقة بين دالة ومشتقتها أن يصل إلى ما وصلتَ إليه قبله ، وما بزك في المعادلات التفاضلية أحد ولكنك كنت مَن طورها وأحسن تطويرها؟ وهب جدلا أنه فعل، لماذا أنكروا مجهودك وقد كنت سباقا لنشره فنسبوه إليه ؟؟ إنه ليَكاد أن يكون أمرا طبيعيا أن يتحايل صهيوني عليك فما الصهيونية غير تحايل ومكر وخداع ، لكن الذي لا يمكنني فهمه هو أنه لما كان آينشتاين قاصرا في الرياضيات بعلم الجميع، فقد اشتغل مع زوجته الصربية ميليفا Mileva وصديقه مارسيل كروسمان Grossman Marcel الذي نُسب إليه حل المعادلات التفاضلية – سواء حلها فعلا أو سرقها منك - فأنكر اللص مجهودهما ونشر المقال باسمه وحده معتبرا مجهود معاونيه مجرد عمل تطوعي !! والأنكى أنه طلق زوجته دون أن يرف له جفن، مما أدى إلى تفكك العائلة فنكره ابنه الأول إلى الأبد ولم يعد يراه، والثاني أصيب باضطراب نفسي حاد. وإذا فرضنا أنه لم يكن لزوجته وصديقه يد فيما نشر، فمن يا ترى فك له طلاسم المعادلات التفاضلية التي لم يكن يحلها حينذاك غير المتميزين مثلك ؟؟ لا تأس يا عزيزي بوانكاري على ما عانيتَ من جحود ، فمثلك لا زالوا يعانون حتى الآن ولا يعلو مقامٌ لإنسان إلا إذا ساهم في تراكم المآسي. لقد ساعدتَ آينشتاين على التجرؤ عليك بمواقفك الشجاعة ومبادئك الثابثة سواء في العلوم أو الأدب أو القضايا السياسية ولو كنت إمعة مثله ما تركتَ له إرثك يفتخر به. إنني معجب بمواقفك التي زادتك متاعبا وتهميشا حين وقفت إلى جانب ذوي الضمير الحي من أمثال إيميل زولا الذي كتب مقاله الشهير ” أتهم ..” (J'Accuse ...) حول قضية دريفيس Dreyfus، ذاك اليهودي الذي اتهم ظلما بالتجسس لصالح ألمانيا. لقد قرأت رواية جِرمينال Germinal لزولا فعرفت أن الطيور على أشباهها تقع لذلك وقع التحالف بينكما، بينما لو علمتَ ما صار من أمر سارقك لندى جبينك خجلا وجبين كل صاحب علوم . لقد احترف القوادة للولايات المتحدةالأمريكية حين استعمله روزفيلت صانعا للدمار. إنني أشعر بإحساس غريب ينتابني في كثير من الأوقات لا هو رغبة في البكاء ولا رغبة في الضحك ولا فرح ولا قرح وإنما هو وقوف المذهول أمام هول بدائية الإنسان في القرن الواحد والعشرين ووحشيته وميولاته الإجرامية كأني وقلة مثلي خلقنا من معدن متفرد وخُلق غيري في وطيس من نار حامية جعلت نفوسهم تتوق إلى إراقة الدماء أكثر ما تتوق إلى السلم وحب الناس. إذا كان أينشتاين قد سطا على معادلتك الذكية دون خجل وساندته في ذلك الدعاية الصهيونية والشركات الرأسمالية فإنك لم تكن وحدك الضحية. دعني أسرد على مسمعك قصة اليهودي هيرمان مينكوفسكي Hermann Minkowski. لقد كان أستاذا لآينشتاين ونشر قبله أشياء عن نسبية الزمن وعن العلاقة ” زمن- فضاء ” أو ما يسمى عند الفيزيائيين العارفين “فضاء مينكوفسكي” وهو ما يشكل قاعدة النسبية العامة. لكن تلميذه الذكي في اللصوصية نشر نظريته في النسبية العامة دون الإشارة إلى أستاذه كي يتفرد بها وتطبل له وسائل الإعلام وحده بينما يذهب مجهود أستاذه سدى كما ذهب مجهودك من قبلِه أدراج الرياح . أعلم أيها الفذ بوانكاري أنك وضعت أسس نظرية النسبية العامة قبل مينكوفسكي نفسه بسنة حين أشرت في كتابك السالف الذكر: ” وهكذا فإن الفضاء المطلق والزمن المطلق والهندسة نفسها ليسوا شروطا مفروضة على الميكانيكا. كل هذه الأشياء لم توجد قبل الميكانيكا تماما كما لم تسبق اللغة الفرنسية منطقيا الحقائق التي نعبر عنها بها.” ترجمة كاتب الرسالة (1) لكن دعني أتحدث فقط عن سرقته لأستاذه اليهودي . فلا احْترم أخا في الدين ولا في العلوم ولا أستاذا ولا زوجة. كل الطرق بالنسبة إليه صالحة للوصول إلى الشهرة حتى ولو كانت قنبلة تفجر مدينة بأكملها. ليس كل ما في هذا الكون محزن أيها العزيز بوانكاري. ولو كان الأمر كذلك لقضينا كمدا وحسرة . لذلك أزف لك بشرى شاب استطاع فك مسألة الأجسام الثلاث التي أخطأت في حلها وحصَلْت مع ذلك على جائزة مرتاب في أمرها. إذ كيف للجنة مختصة لم تكتشف الخلل فيما قدمت لها حتى اكتشفه شاب مغمور وهو يحضر عملك للنشر ؟؟ إنها تبدو مسرحيةً هُيِّئت لصالحك. كم تمنيت لو وَجدتُ من يفك لي سر هذا اللغز!! لكن ما علينا، دعنا نعيش نشوة اكتشاف الحل لمسألة الأجسام الثلاثة وما يمكن أن تنفع به في تقدم الرياضيات والعلوم بصفة عامة. أريد بهذه المناسبة أن أخبرك أن الشاب روسي الأصل يدعى كريكوري بيريلمان G.Perelman. رفض التدريس بأشهر جامعات أمريكا وخلا بنفسه خلوة الأنبياء حتى توصل إلى الحل سنة 2006 لما سُميَ ب”حدس بوانكاري” Conjecture de Poincré . رفض ميدالية فيلدز Fields للرياضيات ذات القيمة العالية كما رفض قبلها جائزة جمعية الرياضيين الأوربيين. نشر الحل لمسألتك الصعبة على موقع arXiv ( أرشيف) الإليكتروني فيما يسمى ب “الويب” الذي اخترع بعد وفاتك. إنه موقع للنشر والقراءة مجانا أُحدث خصيصا لكسر الهيمنة التجارية على الأبحاث العلمية. بيريلمان لن يحضى بجائزة المليون دولار من طرف معهد اكْلاي للرياضيات المخصص لمن يحل مسألتك لأنه لم يحترم - عن قصد - شروط الجائزة التي تقتضي أن ينشر بحثه في مجلة علمية تشرف على موادها لجنة قراءة متخصصة. ورغم أن المعهد حاول أن يعدل من شروطه لصالح بيريلمان فإن المتمرد رفض المليون دولار لأنه مبدئيا لا يحب الجوائز واختار العيش في الأحياء الشعبية . لقد حسبتُ الشاب كريكوري بيريلمان ابنَك الشرعي علما وسلوكا وأُعجِبت به أيُّما إعجاب ليس فقط لأنه خجول وميال للسخرية مثلي وإنما لأنه حقق رغبتي في الوصول إلى علم يُنْتَفع به دون استلام جائزة من دجالين ولا سفاحين يتظاهرون بحب العلم فيمنحون أقل بكثير مما يجنون سواء على المستوى المادي أو المعنوي. سيظهر بالتأكيد سماسرة من المخابرات والعسكر ليُحَوِّلوا سرورنا بعطاء الشاب الروسي إلى حزن لأنهم يعثرون دائما وأبدا على عميل مثل نوبل أو آينشتاين ليقلبوا المُنْجز العلمي إلى سلاح فتاك مدمر. إن رفع صخرة من الوادي إلى قمة جبل لأسهل بكثير من تحطيم صنم مقدس يعبده الملايين، إذ أن العبيد يميلون إليه حين يعجز عقلهم المدجن عن التفكير ويرفضون الحقيقة ساطعة أمام أعينهم. ومع ذلك اخترت الطريق الوعر حين أردت تحطيم الصنم آينشتاين ولم يَحْكُم علي باختياره إله، لكنه من حُكْمِ شَيْءٍ يشبه القدر إن لم يكن بسبب ما يحيطني من ظلم وجور منتشر، لا أريد أن أزعجك بوصفه وإلا لحكيتُ لك ما يشيب له الوليد ويَصَّدع منه صلد الحجر. نم في هدوء يا بوانكاري! لقد ظهر بعدك بيريلمان وسيظهر بعده غيره ممن يحملون مشعل التحرر رغم الأعداء ومؤامرات الخبثاء. وإذا كان نصر الحق لن يتحقق فإن الظلم والجور لن ينعما بالاستقرار .