في فيلم " مذكرات" نجد كل مكونات أسلوب الطريبق من حضور للأماكن المغلقة وتقليص في الميزانيات لايؤثر سلبا في أغلب الأحيان على قيمة الفيلم الفنية، كونه ينتهج دائما أسلوب " السينما الفقيرة" بحيث يعوض النقص في الديكورات ومواقع التصوير والأزياء، حتى لو كانت أحداث الفيلم تدور في أزمة ماضية وهو الأمر الذي ينطبق على أفلامه الروائية الطويلة الثلاثة، بالاشتغال على الشخصيات والحوارات التي نجدها في فيلم " مذكرات" معبرة عن تركيبة الشخوص وعن تكوينها النفسي وخلفياتها الإجتماعية إضافة لكونها تصبح ركيزة أساسية في السرد الفيلمي وهي التي يعتمد عليها في السير بالأحداث إلى الأمام. تدور أحداث فيلم " مذكرات" في سبعينيات أو ثمانينيات القرن العشرين بدون تحديد الفترة الزمنية، ويمكن لنا كمشاهدين أن نتعرف على الفترة بشكل تقريبي من خلال بعض مكونات الديكور كالهاتف الثابت أو اللباس أو تسريحات الشعر، دون أن نرى نهائيا سيارات تعود لتلك الحقبة أو ديكورات خارجية مبنية تعبر عن تلك اللحظة الزمنية، أونسمع أو نقرأ إشارات للأحداث كإشارات تحيل على فترة محددة، سوى أغنية قديمة للحياني نسمعها في خلفية الصورة أثناء،دخول الحبيبين للمنزل إياه. يتناول الفيلم موضوع الحريات الفردية بشكل غير مباشر ومن خلال أحداث تقع في يوم واحد تبدأ نهارا وتنتهي بشكل حزين ومأساوي مع سقوط الظلام، حيث يلتقي شاب بصاحبته وكلاهما بدون تجارب عاطفية تذكر ليأخذها إلى منزل صديق صديقه، وهناك حيث تجري أغلب أحداث الفيلم نكتشف كم هو صعب أن يمارس حبيبان متعتهما حتى بعد أن يغلقا عليهما الباب، فإضافة لتدخل المجتمع في حياتهما الخاصة هنالك خوف مترسب في اللاوعي يمنعهما من الاستمتاع باللحظة الجميلة والتي انتظراها طويلا. لدي بعض الملاحظات على الرقابة التي مارسها الطريبق على نفسه، والتي لاتتماشى مع تيمة الفيلم، خصوصا أثناء تواجد الحبيبين في غرفة النوم وشروعهما في المداعبة فلا القبلات كانت مقنعة ولا اللباس الذي كان يرتديانه يليق بتلك اللحظة الحميمية بحيث وجدتني مفصولا عن الاستمتاع بالمشهد لافتقاده للمصداقية وللجرأة الدراميتين. آشارات جميلة وذكية وظفها الطريبق بالفيلم تهم الحريات الفردية، في هذه اللحظة التي يحتد فيها النقاش بين تيار محافظ شرس يريد العوة بالبلد إلى الوراء وتيار حداثي محتشم يطالب بإلغاء كل القوانين التي تجرم العلاقات الرضائية وتتدخل في الحياة الشخصية والحميمية للمواطنين، من بينها الإشارة للعرائض التي يوقعها سكان العمارة ضد صاحب البيت الذي يعيش حياته بالطول والعرض، لتظل الرقابة المجتمعية المحافظة أكبر ربما من رقابة السلطة. التمثيل كان جيدا مع ملاحظة تخص الشخصية الأنثوية الرئيسية في الفيلم والتي تجسدها أنيسة العناية التي أجدها أكبر سنا من الشخصية التي كان من الأفضل لو لعبتها ممثلة أصغر منها.