-1- في العَرائِِشِِ المسْكونَةِ بِرَوْعَةِ بَحْرِ الظُّلُماتِ، وَ بِأَشْرِعَةِ ضَبابِ عُصور الفِتنَة، تُعَرِّسُ بقايا تَواريخٍَ مَهجورَةٍ، على أَنْقاضِ قُصورٍ كانَتْها ..! زَمَنَ مَنْصورٍ و عبد رحمان و مُعتمَِد، صواريّ مُذَهّبة بِحبر الحِكاياتِ، على زمَن، كانت قُشوره .. كما لُبّه عَرَبُ.
-2- لَيْتَهُ لم يُهاجِرْ لَونَهُ الكَرَبُ، لَيْتها لم تُهاجر الأَماني دَوالي الغُراب، لَم تُهاجِر عُيونُها المَنْسيَة، زَوايا المحراب، تِلْكَ اللائي رَأَتْ فيما رَأَتْ، شَهَوات خُمورِهِنّ، عُنْفُوانَ المأساة، في حُمرة الدُّرُب.
-3- فَتَصْحو .. قالتْ لي أَصْداؤها العرائش، كَذلك و كَذاك قد تُجَنُّ، و تُفْتَنُ كما بِصَحْوَتها، تُفْتَنُ و تُجَنُّ الشُّعراءُ. و تَسْهَرُ في مَقهى المَحَطَّةِ، بَعٍدَ مُنْتَصَفِ لَيْلِ الظُّنونِ، إلى حشيشة عقولٍ ذابِلَةٍ، و طاولَةٍ شِبْهَ عَرْجاء، و أَشْباح أَوادِم غامِلَة مِنْ شِدَّةِ الغُرٍبَة، والنِّقاشاتِ العَوْجاء، و إيقاعِ الحُبِّ الغَريب، على نَوافِذِ البِطالَة.
-4- أُُناديها العَرائِشُ و أَخُصُّكِ أَنْتِ أَنْتِِ المَسْكونَة بِحجارَةِ الإسْلام، و بِمَقصورات الحُزْنُ الأَبدي، و بِمخطوطات دُموعُ العَربِ. كَيْف كُنتِ..؟ و ها كيف صِرتِ ..! تَحتَ أَضواءِ أَعْمِدَة "الّلكسوس"، حِجارَة روميّة مَضَغتها العِبارة، فِضّة حُبّ في عُيون المَتاهَة، سَقَفاٍ رديئاٍ في دار البَسوس، و حَماسةِ كَلامِ مَمْنوعِ مِن دَهْشَة النُّبًوّة، و قَد أَسْدَلَ القَدَرُ عَليك مِن بقايا الأنين، هكذا مجَّانا لِمَن عَشِقَ حُزْنَ تِشرين، و لِمَن عَشِقَ مَوْسِمَ هِجْرَة المَراكِبَ، و افْتَتَنَ برأسه المَغْرِبيّ المِسْكين و باعَ إِنْسانَه المَجْذوب مَجّانا، في أَسْواق بَيّاعي المَفاتِن.
-5- انزِلْ ..! قالت لي.. في رُدُهاتِ البال، وتَتَبّع عطور دُرُب السُّوَيْقَة، لَعْنَةُ ربِّ المَنْطِقِ عَلَيْك .. أيهذا "الطّلبان" و على خَميرَة بِرَأِْْسكَ ما تزال تَدور، و حُمَّاقٌ من حَولِكَ يدورون مَرايا، و لَيْسَ لها اليَوْمَ عَرائِشُكَ مِن عُروشْ، ولَيْسَ لَها أَرائِك و لا أَساوِرَ من سَبائك فِضّة، و لا تِلك "البلاكين" المُطِلّة على بِحار اليَقين، تِلْكَ التي كانت لِحين، أَسوارُها ذهبًا و ثُرَيّا.
-6- و لَيْسَ .. و ليَسْ .. و لَيسَ ..! و اللَّيلُ طَويلٌ المُوّال يا صاح، في حَداثَةِ هذا البَلَدِ البَليد. و عَرائِشي تَحتَ الشُّرفات البَيْضاءْ، قد راحَتْ ساهِرة نَوارِِسُها ، عِنْدَ الأمواج العَذراء، تَسْتَرِقُ السَمْعَ إلى خرير القَوافي، في انتظار قِطار القَصيدة، عَلَّهُ يَأتي و لو لِلْمَرَّة الأَخيرَة.
-7- غَيْرَ أنّي .. غير أني .. غير أني .. و الزَّمَنُ في هذا العَهْدِ العَتيقِ، ما زِلْتُ أتوسّد ضَجيجَ الجاهليّة، و صَخَبًا أعرابيا، يَتَسَلّلُني، يَتَقاسَمُني، يُعَربِدُني، و مِن جَوفِ البَحر المُلَوّثِ بالحَداثَة، يَتَصاعَدُني قَلْبُه الغريب، محّارا ..سَرْدينا فضيّاً، يُفَضْفِض بِشرته الأَطْلَسِيّة، لؤلؤاً غريبا في مُقْلَتَيّا ..
-8- و أنا رُوَيداً أََصْعدُ.. و مِن كلّ هذِهِ الأُصالة "العَرائِشِيّة"، و مِن وَحْدَتي في الإِنْفِراد، كإنسانِ مَغْرِبِيّ بالٍ، أَصعَدُ بِمِعْطَفي الغِرْبال، و كُتَيِّبِ البكالوريا، كَيف تَكْتُب إِنْشاءً فلسفيا، ما زال في قاعِ الجُوَيْبِ، مِنْ قَبْلِ إفراغي لموجة الشَّهواتِ على جدائِلِ جُدران الصَّخرَة، و نُزولي فاشلاً مِن على نُجوم نَهْدَيها، كباقي السُّلافَةِ و الخُرافة، و تَعَاقُبِ الهزائِمِ العربيّة.
-9- خُذوا عَرَائِشَكُم.! خُذوا البَرْقَ و النَّوايا.! و اتْرُكوا لِعَرائشي شهادَة، و مَوْجَةٍ بِسعة الرِّوايَة، و حُلُمًا عَبْرَ النَّهْرِ البَشير، تَرَنَّحُ المَراكِبُ فيه بشاشة، تَلألأ فيه كَما صَخَبِ الأطْفال، و ضَجَّاتِ المَقاذيف،ِ آية .. آية . وأََجْراسُ الأَصْواتِ، تَرِنُّ .. تَرِنُّ، مَحمولَة رَنّاتها على مَناديل العَبير، وجُنون الإعْصار في عُيون المَدار، عِنْدَ الأُفُقِ المُسْتحيل بِلا غايَة. أُعانِقُ روحَهُ المُسْتَحيل، و أٌسْدِلُ عَلَيْهِ الحُلُمُ السِّتارَة، في انْتِظارِ مَجيءِ العِبارَة .