كأس صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم للغولف: الإنجليزية كارا غينر تحرز لقب الدورة الثامنة والعشرين    الأمير مولاي رشيد يترأس حفل تسليم الجوائز للفائزين بجائزة الحسن الثاني وكأس للا مريم للغولف    حجز ببغاوات نادرة في شفشاون : تطبيق قانون حماية الأنواع المهددة بالانقراض    تعزيزا للأمن السياحي.. ولاية أمن أكادير تشرع في العمل بوحدات الدراجات الهوائية (صور)    المغرب والعراق يعززان شراكتهما : تعاون اقتصادي وتنسيق سياسي في الأفق    تدشين سفينة الأبحاث 'الحسن المراكشي' وتوقيع اتفاقية لتمويل مشروع 'قرية الصيادين من الجيل الجديد' بالصويرية القديمة و تعزيز التعاون المغربي-الياباني في مجال الصيد البحري والتنمية المستدامة    مدينة طنجة تسجل أعلى مقاييس التساقطات المطرية    العراق تشيد بجهود الملك محمد السادس في دعم القضية الفلسطينية    غالانت: إسرائيل على علم بتدهور صحة الأسرى بغزة منذ وقت طويل    الكشف عن جريمة مروعة في هولندا ضحيتها شابة مغربية    فرنسا ترحل المهاجرين المغاربة غير الشرعيين    دي بروين ينقذ مانشستر سيتي من "مفاجأة كبيرة"    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    مصحة خاصة في المغرب تعرض 800 فرصة عمل للممرضات المصريات براتب مجزي وحوافز مغرية    مبادرة تشريعية تروم اعتماد أسماء الأدوية العلمية بدل التجارية لإنهاء أزمة انقطاعها    طنجة: 11 مدرسة تتأثر ب"بوحمرون": السلطات تتحرك لتطويق الوباء وحملات التلقيح تتكثف    خبراء يحذرون من مخاطر سوء استخدام الأدوية والمكملات الغذائية    باريس سان جيرمان يمدد عقده مدربه إنريكي إلى غاية 2027    الإنفلونزا الشتوية تودي بحياة 13 ألف شخص وتغلق المدارس بأمريكا    إضرابات بالمكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي احتجاجا على تأخر إخراج القانون الأساسي    "الجمعية" تحذر من تحول "بوحمرون" لحالة وبائية وتستنكر استمرار قمع حرية الرأي والتعبير وتدهور القدرة الشرائية    مراكش: فتح بحث قضائي في حق مواطن أجنبي و5 سيدات ضبطوا بداخل مركز للتدليك بطريقة مشبوهة    إبراهيمي: الحكومة المتغولة تمرر أي قانون دون التفاعل مع تعديلات المعارضة أو احترام الشارع    أزيد من 55 ألف منصب شغل مرتقب في جهة سوس باستثمار يبلغ 44 مليار درهم    انتشال ثاني جثة بسبتة خلال فبراير الجاري والسابعة منذ مطلع سنة 2025    انعقاد الدورة العادية للمجلس الإداري للمركز الاستشفائي الجامعي سوس ماسة    ترامب يجمد المساعدات لجنوب إفريقيا    فاس: لحسن السعدي يزور عددا من المشاريع المنجزة في مجال الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني    مرحلة الإياب تنطلق بمواجهات حارقة تتقدمها قمة المتصدر أولمبيك الدشيرة ومطارده رجاء بني ملال    النقابة الوطنية للعدل تدين "انتهاك الحريات النقابية" وتعلن عن تصعيد احتجاجي    من دير البلح... "القسام" تسلم 3 أسرى إسرائيليين للصليب الأحمر بخامس دفعة تبادل    تحقيق يكشف أبرز المتأثرين بسياسات ترامب الداخلية والخارجية    الأهلي يعلن تعافي بن شرقي وداري وعودتهما إلى التدريبات    الصين: انطلاق دورة الألعاب الآسيوية الشتوية بهاربين    تصفيات المونديال..الفيفا يلغي مباراة الأسود ضد الكونغو برازافيل    أتلتيكو مدريد يوجه رسالة للحكام قبل الديربي    دونالد ترامب يعين نفسه رئيسا لمجلس أمناء مركز كينيدي الثقافي    أحلام ترامب بنقل سكان غزة إلى المغرب    أطروحة ترصد تواصل الحكومة بالأزمات    لقاء بالبيضاء يتناول كفاح آيت إيدر    موريتانيا تمنح للسائقين المغاربة تأشيرة دخول متعددة صالحة لثلاثة أشهر    وفاة شاب بأزمة قلبية مفاجئة أثناء مباراة لكرة القدم في طنجة    التوقيع على اتفاقية إعلان الشارقة ضيف شرف الدورة ال30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    طفلة طنجاوية تفوز بجائزة أفضل طفلة مسالمة ومتسامحة في إسبانيا    انتفاضة الثقافة    قمة عربية أو عربية إسلامية عاجلة!    متى يُسْقِطُ الإطار المسْمار !    «بيرسا كوموتسي» تترجم أعمالا فلسطينية إلى اليونانية    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    كاني ويست يعلن إصابته بمرض التوحد    الدوزي يشوق جمهوره لجديده الفني "آش هذا"    وزارة الصحة تؤكد تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين    مجسّد شخصية زاكربرغ: رئيس "ميتا" تحول إلى "مهووس بالسلطة"    ‪ إلغاء لقاح الحمى الشوكية للمعتمرين    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسماء المدير تقدم "أم كل الأكاذيب" في مهرجان مراكش السينمائي
نشر في طنجة الأدبية يوم 29 - 11 - 2023

عرض قبل قليل ضمن أفلام المسابقة الرسمية بمهرجان مراكش السينمائي فيلم "كذب أبيض" للمخرجة المغربية أسماء المدير، هذا الفيلم الذي شاهدته مرتين عبر رابط خاص والمرة الثالة في عرضه اليوم بمهرجان مراكش السينمائي وهذه قراءة لي فيه :
عرفت بداية سنوات الألفية الثالثة ظهور موجة من الأفلام المغربية أطلق عليها "أفلام سنوات الرصاص" وقد تناول أغلبها تلك السنوات وما وقع فيها بشكل فج وسطحي، ولم يُكتب لأغلبها أن تعيش في ذاكرة السينفيليين. وقد كان واضحا أن هذه الموجة كانت بإيعاز من جهات رسمية، كونها تزامنت مع ما سمي ب"الإنصاف والمصالحة" حيث تم عقد جلسات استماع للمتضررة من الخروقات لحقوق الإنسان في سنوات السبعينات والثمانينات بالخصوص ومحاولة تعويضهم ماديا، وكان من بينهم من رفض أن يعوض على نضال أدَّى عنه ثمنا باهضا.وسلطتها
يمكن لي الجزم أن "كذب أبيض" (2023) لأسماء المدير يمكن تصنيفه من بين أهم الأفلام المغربية القليلة التي تناولت تيمة "سنوات الرصاص" في المغرب بشكل فني جريء وبدون رقابة ذاتية حاولت المخرجة فرضها على نفسها كما نشاهد العديد من المخرجين والمخرجات المغاربة يفعلون، وأظن أن لحميمية الموضوع وعلاقة المخرجة الذاتية به ولكونها جزءا من واقع مر من هذه التجربة جعلها تبدو صادقة في تناولها لهذه التيمة الجد حساسة والشائكة في المغرب، وكان لعدم نيلها أو تقديمها مشروعها لنيل الدعم العمومي دور بالشكل الذي خرج به الفيلم، وأقصى ماكانت لجنة الدعم ستفعله معها هو أن تطالبها بإعادة كتابته حتى يخرج بالشكل التي ترضى عنه الجهات الرسمية المتحكمة في صنبور الدعم السينمائي بالمغرب.
كنت أفضل لو ظل العنوان بالفرنسية هو نفسه مترجما للعربية لأن "أم كل الأكاذيب" هو العنوان المُعِّبر عن أجواء الفيلم وعن الصراعات التي تتخلله خصوصا فيما يتعلق بشخصية الجدة التي يمكننا اعتبارها أهم شخصية في الفيلم، في حين يظل "كذب أبيض" العنوان بالعربية بعيدا نوعا ما عن روح الفيلم.
تتجلَّى جِدَّةُ الفيلم وأصالته في كون المخرجة أسماء المدير انتهجت لها أسلوبا ذاتيا ومتميزا وذكيا لإيصال رؤيتها لتيمة جد حساسة، واضعة شخوصها كتجسيد ما وقع بالأمس البعيد في المغرب ومدى نتائجه وتأثيره على مغرب اليوم، وهذا مايجعلني أصنف هذا الفيلم في خانة الفيلم السياسي ليس فقط لكونه يضم رؤية سياسية واضحة مغلفة بشكل فني تُعلِّقُ سينمائيا على هول ماوقع في بداية الثمانينات من ضمن كل ماوقع خلال سنوات الرصاص، وتحذر من تكراره وتضع الأصبع على بقاياه ونتائجه الحاضرة معنا هنا والآن، لكن أيضا لأن المخرجة استطاعت تمرير رؤيتها بشكل فني موارب، خصوصا فيما يتعلق بشخصية الجدة ووضعها المقابل لكل الشخصيات الأخرى وضدها، والتي لايمكن للعين السينفيلية سوى ملاحظة كيف استطاعت أسماء المدير توظيفها بلمحات ذكية وجعلها التجسيد الذي يمثل الماضي الأليم، والذي مازال مستمرا في الحاضر بشكل من الأشكال، كخطاب وسلطة ماضوية تتلون باستمرار كما الحرباء وتختبئ خلف أكاذيب ليس بيضاء على كل حال، بل وبفضل تلونها ذاك أصبحت تستحق عن جدارة لقب "أم كل الأكاذيب". لكن الجميل أن المخرجة الحاضرة في الفيلم تمكنت عبر علاقتها الملتبسة بجدتها أن تجعلنا كمشاهدين لانستطيع كرهها بل فقط نكره إيدولوجيتها الظالمة والمستبدة في حق كل أفراد وأصدقاء الأسرة الذين تم إيذاؤهم وقمعهم وتعذيبهم بدون سبب ولامبرر معقول، والذين بدورهم يمثلون شرائح من المجتمع ما زالت إلى اليوم تعاني مما أصاب بعضا من أفراد عائلاتها أو ما أصابهم هم أنفسهم.
وإذا كانت سنوات الرصاص وخصوصا لحظة "ثورة الكوميرا" التي وقعت سنة 1981 وما تلاها من تداعيات وفواجع هي محور أحداث الفيلم، فإن حي أسرة المخرجة بالدار البيضاء، الذي كان من بين أكبر المناطق المتضررين مما وقع بحيث وقعت فيه مجزرة، ليتحول ملعب كرة القدم لمقبرة جماعية، ليس هو المعني فقط لأن اللمحات التي تركز عليها أسماء المدير خصوصا فيما يتعلق بالجدة تؤكد ذلك.
استعمال التماثيل المصغرة التي تجسد شخصيات الفيلم(أعضاء الأسرة، الجيران وبعض سكان الحي…) كانت هي فكرة التميز التي جعلت من "كذب أبيض" فيلما صعب منافسته وجعلته يحصد لحد كتابة هذه السطور عدة جوائز في مهرجانات جد مهمة ليس فقط تلك المتخصصة في الفيلم الوثائقي بل أيضا أخرى التي استطاع فيها هذا الفيلم المصنوع بحب وشغف كبيرين يصلان للمشاهد عبر الشاشة، أن يتفوق فيها على أفلام روائية أيضا.
أغاني ناس الغيوان كانت موظفة بشكل ذكي كونها تعبر عن المرحلة وعن الأحداث وأيضا كونها تشكل جزءا من هوية وأذواق الشخصيات.
مسار الوالد وشغفه بكرة القدم وكونه كان حارس مرمى يطمح للشهرة، وكيف أن هذا المسار تعطل وتوقف بسبب ما وقع لكن بشكل غير مباشر لأن الملعب أصبح مقبرة جماعية، هذا الربط الفني الذكي بين هذين المسارين كان جد موفق.
"أم كل الأكاذيب" تقف بالباب تفتش وتراقب من يدخل ومن يخرج، تتنصنت عبر الجدران، تُكرِّسُ ضرورة الصمت لأن لهذه الجدران آذانا، وتتماها مع الصورة الوحيدة المسموح بها أن تعلق على الجدار، لأن كل الصور الأخرى حرام، هذا التماهي بين السلطة السياسية والسلطة الدينة أيضا تمثله الجدة التي تعي الحقيقة المرة لكن تتحايل عليها ولا تريد الاعتراف بها كيف وقعت وبتلك الحدة والقساوة والظلم الذي وقعت به.
لا أتصور أن فيلم أسماء المدير"كذب أبيض" كان سينال دعم لجنة الدعم السينمائي، وقد خرج للوجود بفضل صناديق لدعم عبر العالم وفي العالم العربي، وكانت أسماء المدير تصور عبر مراحل وفي كثير من الأحيان بدون رخصة تصوير، وهذا يعني أن من يمارسون على أنفسهم رقابات ذاتية خوفا من انقطاع صبيب صنبور الدعم أغلبهم صعب أن ينجزوا فيلما صادقا وقويا فنيا كفيلم أسماء المدير التي أعترف أنني فوجئت بقوته ولم أكن أتنبأ في بدايات مسارها أن تصل لهذا النضج الفني الذي وصلت إليه فهنيئا لها وهنيئا للسينما المغربية بها وبفيلمها هذا الذي استحق الوصول للعالمية بدون أية تنازلات في الرؤية أو في طرق مواضيع وتيمات تغازل أفق انتظارات الغرب ومهرجاناته السينمائية كما نجد عند بعض سينمائيينا وسينمائياتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.