لعل أكثر ما يثير الإعجاب أثناء قراءة نص رواية باولو كويلو «الجبل الخامس» مع تفاصيل الجزئية ما قبل الأخيرة وشروع بطل الرواية في بناء المدينة المدمرة من الغزاة حينها فقط نصل إلى المغزى الحقيقي من تلك الرواية ، فبعد محو آثار الغزو والعدوان عن المدينة المحطمة ، وتواصل عملية البناء من أجل بعث الحياة من تحت الرماد بتكاثف ما تبق من الأطفال والنساء والشيوخ وتجاوزاً للمحنة التي مروا بها وبث روح الحماس في قلوب محبي تلك المدينة ، كان الطلب من أجل إعادة إحيائها أن يكتشف كل فرد في ذاته اسماً يتسمى به غير الحروف الجامدة المحفوظة في شهادة ميلاده ، اسماً آخر يخرج من نطاق الحياة التقليدية الرتيبة ويعبر مرحلة اليأس والإحباط ليصبح ذاك الاسم بمثابة هدف واضح ونقطة بداية في تغيير سياسة الحياة ومعرفة كيفية إدارتها. الاسم الجديد الذي أطلقه كل امرئ على نفسه هو تعريف لوظيفته الأساسية في الحياة وامتلاكه لخطة مليئة بالأفكار والتطلعات بعيداً عن العبث واللا معنى والسعي جاهداً بكل قوة لإيجاد ذاته في موهبة أو علم أو حرفة ليمضي قدماً في ركب البناء والحضارة مواجهاً الصعوبات بالتحدي والمقاومة سائراً على درب ومنهج اختاره و اسماً يرتبط باهتماماته وميوله . عملياً ، ربما التشبه بالأسماء له دور إيجابي على مستوى الفرد والمجتمع بدلاً عن الانبهار وتقليد أشخاص بعينهم ، فلو تصورنا أن الجميع بادر إلى ممارسة نفس فعل أفراد الرواية واتخذوا أسماء إلى جوار المسمى الحقيقي وبات مقياساً لسيرة حياتهم ويمشون على دربه كافة العمر، قد تكون خطوة متقدمة لنهوض بعض بني البشر من سباتهم العميق مدركين سر الحياة الحقيقية ، محاولين تلمس وفهم العديد من المعاني الغائبة ذهنياً وعملياً ، ودون شك أن بعد قراءة الواقع لاستنباط حاجاتهم من الحياة سيمضون بحثاً عن اسم وظيفتهم والمنحى الصحيح لحياتهم ، حينذاك ستُخلق النماذج المثالية في المجتمع وسنجد أنفسنا أقل كلاماً وأكثر فعلاً وأقوى عملاً . حسب التسميات الجديدة سينطلق الأفراد إلى تحقيق أهدافهم في مختلف مناحي الحياة وفق ما يتبنون من قضايا مصيرية ومشكلات وهموم متعددة سالكين أحد الدربين إما انتقاء أسماء تعتني بالذات الفكرية أو سيتوجهون بحثاً عن التمييز الروحي ، التوجه الثاني سيتوج بأسماء تتسم بمكارم الأخلاق وتحوي مجموعة من القيم نزرعها زرعاً في نفوسنا ونقدسها كمقومات أساسية للحياة مثل : «البياض ، نقاء السريرة ، الفضيلة ، الكرامة ، الصدق ، الأمانة ، والوفاء بالعهد ،..» جميعها جواهر تزين المجتمع وأسس هامة في بناء القاعدة السلوكية لنرى كل خبيث وفاسد يتوارى بالتدريج ، ويتبارى الناس نحو المثالية النابعة من الذات عن وعي وإيمان وليس تصنعاً وخوفاً من عصي حرّاس الفضيلة . المؤكد أن التسميات الجديدة ستمتد إلى مجال النهضة الفكرية والثقافية، وأتوقع الإقبال الأكبر سيكون باتجاه العلم والثقافة ، وقتها نستطيع الرد على تساؤل ( لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا ؟! ) كل فرد حسب الاسم الجديد كمثل « التغيير الحتمي ، قطوف العلم ، نفض غبار الجهل ، العمل الدؤوب ، احترام الوقت ، قيمة العمل ، المبدع ، المحاور ، المحترف ، والموسوعة ، ..» سيحمل على عاتقه عبء استكمال نواقص العلم وتنمية العقل والخروج من الجمود الفكري وعدم الاكتفاء بالمظاهر الحضارية والسير بخطى حديثة لتعلم سائر العلوم والمعارف، الأمر المفرح أننا سنجد من يسهم بتسميته الجديدة في إنعاش الحركة الفنية كرسالة يتوجب توجيهها لخدمة المجتمع . في حب الوطن وسيادة القانون حتماً ستظهر الكثير من التسميات المشتقة من مسؤولية الفرد تجاه وطنه والإيمان اليقيني بوحدته الوطنية ، منها :« الوحدة ، الديمقراطية ، القانون ، النزاهة ، الشفافية، والتلاحم ، ..» جميعها تصب في خانة ردع كل المحاولات لتمزيق الوطن وضرب الوحدة الوطنية ، ستكون - الأسماء الجديدة - حمائم للسلام تجوب سماء الوطن للحفاظ على أمن واستقرار البلاد وسيادة القانون فوق أية اعتبارات وإرساء ركائز الديمقراطية لبناء مجتمع مدني ديمقراطي . وأخيراً مع كافة الإيجابيات أعلاه ، قد نواجه تسميات مثيرة للشفقة تنغص صفو مسيرتنا ونتقزز من رائحتها ك : « الضمير المعطوب ، الفتنة ، الوقيعة ، الحرب،الإرهاب ، الفرقة ، التناحر ، الشتات ، والعميل ، ..» . بالمناسبة ، ليس مهماً أن تتزين باسم ينال إعجاب الآخرين ، الأهم أن يخرجك من قبوك ليكن هادياً ومستقراً لك ، منيراً لطريقك .