وقف أمام المرآة، عدل ربطة عنقه، تقرب أكثر.. نظر لوجهه، مسح شواربه و ذقنه .. اهتم بأقل التفاصيل وحرص أن يبدو أنيقاً.. رتب أطراف شعره. كأن سيوفاً بيض شقت ظلمة ليل شعره الاسود! توقف للحظات، تمعن في الشيب الظاهر في شعره، عدة شعيرات بيض. دقق في النظر، ادار رأسه يمينا و يسارا بينما ينظر في المرأة ليعرف هل بدأ الشيب يشتعل في رأسه فعلاً؟ ملامح وجهه تغيرت وشعر بحرقة. حاول أن يعدها، ثلاثة او اربعة او اكثر، ظل مبهوتا ينظر إلى نفسه في المرآة. -كل شعرة بيضاء هي خطوة اقرب الى الموت .. ها انا ذا أشيب و أكبر، ذلك الطفل المشاكس و الشاب الطموح. أعاد النظر الى الشعيرات البيض، فربما كان مخطئاً او أن انعكاس للضوء هو السبب! خاب أمله حين تأكد من وجودهن.. تتمايلن و كأنهن تسخرن منه! فجأة ردد مع نفسه: - "لن أُبقي عليك ايتها الشعيرات القبيحات" ومسك باحداهن ونتفها بقوة وسرعة. نحدق فيها: "انتِ اذا تجعلينني اشيخ؟ ابتسم ابتسامة المنتصر ..أمسك بأخرى، لكنه تمهل هذه المرة. ماذا فاعل أنا؟ هل أعادي شعرة بيضاء نبتت في رأسي؟ هل انا ضعيف لهذا الحد؟ ابتسم ساخراً.. - "حبيبي، الشيب يجعلك اكثر جمالاً" قالت زوجته مبتسمة. التفت إليها، كانت تقف حاملة ابنهما الصغير. حمل ابنه واستدار لينظر إلى صورة ابيه المعلقة على الجدار .. خطى نحوها ووقف يتأملها. كان ابوه قد توفى منذ عشرة سنوات. سرح بفكره بعيدا و تذكر طفولته ,حين كان يصطحبه الى العمل او المناسبات الاجتماعية، وحين كان يقسو عليه أحياناً. - "هل ساصبح يوما مجرد صورة ؟" بينما كانت هذه الافكار تخيم على رأسه، لمسه ابنه الصغير من وجهه .. نظر اليه، استمر الطفل يداعب وجه أبيه وشعره، ابتسم لإبنه متلذذا بلمساته الناعمة. أعاد الطفل لزوجته وتأهب للخروج، عند الباب مسح دموعهُ وشعر بحب نحو الشعيرات البيض.