منذ ردح طويل من الزمن، وكتابات هذا الرجل -المفرد المتعدد- تتدفق في بحر المسرح، تنظيرا وإبداعا، دونما ارتكان نهائي إلى ضفاف مغلقة ثابتة. إنها حالة خاصة من إرادة التعبير الوجداني عن ضرورة إخضاع فعل الكتابة للتلاطم الأزلي بعباب الأسئلة الرصينة دون انقطاع. حالة تستدعي عدم الفصل بين القديم والجديد، بين الثابت والمتحول، بين الكائن والممكن، كما بين الواقع والخيال. إنها رؤية فاحصة نافذة إلى قلب الوجود الإنساني باعتباره احتفالا متجددا – بفرحه وقرحه- كما الزمن وهو يصبو على إيقاع الشروق والغروب، الضياء والظلمة، والحياة والفناء. هكذا تحضر فكرة «الاحتفال» في مشروع عبد الكريم برشيد الفني والفكري، كما تحضر فكرة الانبعاث - بوصفه عودا أبديا- في قوانين الطبيعة والخلق والوجود. من هذه الوجهة المجازية الصرف، يكون برشيد قد ضمن لمشروعه الاحتفالي حضورا متميزا في بحور الفكر والأدب والمسرح، متمتعا بمساحات شاسعة وكافية من التعبير والتمدد، ومن التجريب والتجدد، والإبحار المتواصل نحو آفاق الانبعاث والاستمرارية والأزل. بهذه الكلمات المختزلة والقليلة في حق مبدع شامخ سخر حياته لخدمة المسرح المغربي والعربي، والكوني عموما، نأمل أن نقدم هذا الملف المتواضع، الخاص بالدكتور عبد الكريم برشيد، كعلامة تكريمية لإسهاماته الوازنة -المتوهجة على امتداد أكثر من ثلاثين سنة- في تنوير أهل المسرح نحو تأسيس وتأصيل دراما مغربية-عربية، لها هويتها ومفرداتها وأدواتها ومرجعياتها وعوالمها الذاتية الحقيقية، بعيدا عن التقليد والإتباع كما عن الاغتراب والاصطناع.