جميلة هي الدارالبيضاء، جميلة كقصيدة خضراء تحب اللون الأبيض في نظافة المباني وطيبة القلب، ولا تدير ظهرها للمحيط، بل تترك للزرقة أن تنال نصيبها من الفضاء الرباني الساحر، وللخضرة أن تمعن في العلو على يد الأشجار العالية. هناك على ضفة الأطلسي، حططتُ عصا الشعر والترحال، بين أصدقاء أعرفهم واحداً واحداً، رغم أنها المرة الأولى التي أذهب فيها، ورغم أن المسافة ما بيننا وبين المغرب بعيدة بآلاف الكيلومترات، لكنك لا تحس بالغربة والبعد، بل لعلك تكون أقرب فيها لذاتك وطينتك ومنبعك. ومعرض الكتاب الذي دعيت للمشاركة في إحدى أمسياته الشعرية، صار مكاناً لجمع المبدعين العرب وليس لبيع الكتب فقط، هناك وجدت الكثير من الأصدقاء؛ سعدي يوسف وكاظم جهاد، خالد النجار، خالد المعالي، وسلوى وخليل النعمي ومرام مصري، والروائي اللبناني أحمد علي الزين، وبوزيد حرزالله الشاعر الجزائري، والشاعر المصري زين العابدين فؤاد الذي سمعت قصائده وعرفته عام 1981 عندما اصطحبه الدكتور عبدالرحمن ياغي لإحدى محاضراته بينما كنا طلابا في كلية الآداب في الجامعة الأردنية، إلى جوزيف عيساوي، وعقل العويط، وإلياس فركوح وحسونة المصباحي وصمويل شمعون وابتسام المتوكل، وغيرهم الكثيرين. كان الشاعر المغربي حسن نجمي حميما كعادته، قريباً من الجميع محباً للكل، ولكنه لم يكن وحده في هذا العمل الجبار كان يساعده فريق متكامل من الإداريين والفنيين والمبدعين، على رأسهم بيت الشعر في المغرب، وكان الناقد محمد معتصم وزوجته رجاء المطلبي والشاعر مراد القادري الذي غمر الشعراء الضيوف بنبله وطيبته وحرصه، وكانت الشاعرة عائشة البصري محبة ومدهشة وقريبة من الضيوف، ولا أنسى الشقيقين الرائعين ياسين وطه عدنان ود. فاتحة مرشيد والزبير بن بشتي وبنعيسى بو حمالة ومحمد المزديوي، وإدريس علوش وعبدالعزيز الراشدي وعبدالحق لبيض، ونور الدين وحيد واسماعيل غزالي وغيرهم الكثيرين. وكانت وزارة الثقافة المغربية حاضرة في المشهد الثقافي العربي، فقد تم افتتاح قاعة في المعرض باسم الراحل الكبير محمود درويش، وأقيمت ندوة خاصة احتفاءً بذكراه شارك فيها شقيقه أحمد قبيل سماعه بوفاة والدته واضطراره للعودة الى (الجديدة)، وكانت فلسطين حاضرة في المعرض من باب الندوات أو حلقات النقاش أو يوم القدس الذي رفع فيه العلم الفلسطيني، وشارك فيه عدد من كبار المحاضرين، بينما باب التبرع كان مفتوحا لنصرة غزةوالقدس طيلة أيام المعرض . وكان الكثير من الناشرين العرب والأردنيين متواجدين هناك، وإن لاحظتُ غياب ناشرين كبار كالمؤسسة العربية ودار الشروق، بينما اكتفت دار اليازوري بعرض القليل من العناوين، وكانت وزارة الثقافة الأردنية التي مثلها الشاعر حكمت النوايسة متواجدة، وكنت تشعر كأنك في عمان أو رام الله فالوجوه التي تراها وجوه نقية قريبة من القلب عارفة ومطلعة، والكثير من دور النشر العربية التي صرنا نعرف ممثليها وأصحابها. وقد تبدى لي أن هناك تقصيرا من العرب تجاه المغرب فهناك شعراء وروائيون ونقاد مغاربة كبار، لم يصل نتاجهم لنا بالشكل السليم والمناسب، لقد شارك معي في القراءة الشعرية شاعر وناقد مغربي كبير ومعروف لم يأخذ حقه عربياً وهو صلاح بوسريف الشاعر الذي يكتب بلغة مترفعة عن العادي والمألوف، والناقد الذي تشكل انجازاته النقدية بصمة في حركة الشعر العربي سواء في كتابه (نداء الشعر) أو الشفاهي والكتابي في الشعر المعاصر. لنعترف أننا ربما قصرنا في حق المغرب واكتفينا بمعرفة وقراءة محمد شكري، ولكننا نسينا مبدعين عمالقة وكباراً مثل محمد زفزاف، بنسالم حميش، عبد اللطيف اللعبي، سعيد بوكرامي، سعيد يقطين، عبد الحميد الغرباوي، أحمد المديني ثريا إقبال وزهور كرام، وهناك أسماء لها تجارب جديرة بالاحترام مثل محمد الأشعري ومحمد برادة ومحمد بنطلحة وإدريس الخوري وغيرهم مما لا تتسع صفحة كاملة لذكرهم. ربما لم أتمكن في هذه الزيارة من التجول في مدن المغرب، وربما لم تكن تلك الأيام القليلة كافية لكي أنهل من مائها وأتعرف أكثر على مبدعيها وناشطيها وشعرائها وكتابها، لكن وبدون تأثير عاطفي من تلك الزيارة أرى أننا مقصرون كثيرا بحق الثقافة العربية في المغرب، وأننا في المشرق لدينا عقدة سخيفة اسمها المركز، وما هي الا وهم من أوهام الماضي، بينما الحقيقة أن المغاربة يشكلون حاضرة هامة في الثقافة العربية، يساعدهم في ذلك معرفتهم باللغة الفرنسية وكتابة بعضهم بها ودرايتهم وعلمهم واطلاعهم على التراث العربي، وخاصة الأندلسي، وقربهم من كل الإنجازات العربية في العراق ومصر ولبنان وبلدان المشرق بلا استثناء.