أعلنت دار العين للنشر ضمن فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب (ليلة أمس)، عن نتيجة الدورة الأولى من جائزة إسماعيل فهد إسماعيل للرواية القصيرة، وقد توج الكاتب المغربي محمد سعيد احجيوج بالجائزة الأولى عن روايته “ليل طنجة”. جاءت الرواية في فقرة واحدة مسترسلة تنقل لنا تيار الوعي المتدفق في عقل البطل، أو بالأحرى نقيض البطل، فنجد أنفسنا منذ أول جملة نصارع أمواج بحر الهلوسات الهائج والذكريات المتداخل بعضها مع بعض. يتشابك الوهم والواقع في نسيج واحد لا يمكن فصله، ويتعذر علينا أن نعرف بسهولة إذا ما كانت الأحداث حقيقية أم وهما في رأس الشخصية المضطربة أم خيالا يكتبه الراوي نفسه وهو يصارع النسيان لكتابة رواية. حملت الجائزة اسم المبدع الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، وقد جاءت مبادرةً من الدكتورة فاطمة البودي، مؤسِسة دار العين للنشر، لتكريم الروائي الكويتي من جهة، ومن جهة أخرى لتكريم المبدعين الشباب تماشيا مع الأهداف التي عاش من أجلها رائد الرواية الكويتية إسماعيل فهد إسماعيل. صرحت فاطمة البودي قائلة، “هذه الجائزة دافعها الحب والتقدير الشديدين لإسماعيل فهد إسماعيل ومنجزه الأدبي،” وأضافت. “أعمال لجنة التحكيم استغرقت وقتا طويلا بسبب العدد الكبير من المشاركات، ولولا تأخر حصولنا على النتيجة لكان معنا اليوم الفائزين هنا في هذا الحفل”. تجدر الإشارة إلى أنه بجانب الكاتب المغربي محمد سعيد احجيوج، جاءت البحرينية تقوى محمد جواد في المركز الثاني والفلسطينية عبلة غسان جابر في المركز الثالث. قال احجيوج، “أنا سعيد بهذه الجائزة. شرف لي أن تُختار ليل طنجة من بين أربعين رواية متنافسة. سعيد أنا بثقة لجنة التحكيم، وسيدفعني هذا الفوز لتقديم الأفضل مستقبلا. هذه خطوة أولى، والقادم إن شاء الله أفضل.” حصلت ليل طنجة على المركز الأول من بين أربعين رواية تأهلت للمنافسة، وهي رواية قصيرة محكمة البناء ومكثفة يأخذنا الكاتب من خلالها في رحلة عبر مواضيع مختلفة لا تبدأ بالصراع العربي الإسرائيلي ولا تنتهي بمعركة أنوال في الشمال المغربي وقصة الأسلحة الكيماوية التي استخدمتها إسبانيا، تحت صمت دولي، للقضاء على مقاومة المتطوعين في جيش عبد الكريم الخطابي الذي كسر شوكة الاستعمار الإسباني. نقرأ من أجواء الرواية: “خرج جدي بل جد والدتي مع جيش الخطابي بعد أن ترك بذرة جدتي في أحشاء أمها. جدة والدتي. ركد الجنين في رحم أم جدتي ونام عامين قبل أن تأتي والدة والدتي. والدة جدتي كانت تلعب بذيلها على ما يبدو. أم أمي تصدق تلك الخرافات عن الطفل الراكد. أمها حكت لها أنها حبلت بها ليلة ذهاب أبيها إلى جهاد الإسبان. عاد الرجال بعد الحرب وعاد الموتى ومن يفترض أنه جد أمي لم يعد. لم يُعرف إن كان حيا أم ميتا. تقول جدتي أن والدتها ذهبت إلى فقيه فعزم لها ليركد الجنين. ثم بعد سنتين وصل الخبر اليقين عن زوج جدة والدتي. امرأة اسبانية سحرته وجلبته بسحرها إلى تطوان ومن هناك رحلا معا إلى مدريد. الصدمة فكت سحر الفقيه عن أمَّ أمِّ أمي فتابع الجنين نموه وجاءت ولادة جدتي بعد سنتين من اختفاء والدها. الحكاية الأخرى التي لا تقال إلا همسا من طرف فروع بعيدة من الأسرة أن أم جدتي كانت تعشق فقيه الجامع في القرية وكان الجامعُ جَامِعَهما في جِماعِهما. بالنسبة لجدتي والدها شهيد في معركة أنوال المجيدة. أقنعت نفسها بذلك وصدَّقت. جدتي أمية لا تقرأ حرفا ولا تكتب. لكنها تحفظ الكثير عن أنوال. كانت تحكي لنا ونحن صغار أساطير عن هذه المعركة التي دحر فيها عبد الكريم الخطابي الجيش الاسباني الكامل التجهيز. تفخر جدتي بالقول إن الهزيمة كانت صاعقة نزلت على الإسبان لدرجة أنهم سموا الموقعة كارثة أنوال. بدأت المعركة يوم 22 يوليو 1921 بين الجيش الإسباني الاستعماري المدجج بالأسلحة والمقاتلين ومجموعة من سكان الريف تحت قيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي. فتك الوطنيون بالمستعمر الإسباني. لا أعرف من أين سمعت جدتي بكلمة فتك. تمكن المقاومون من غنيمة كبيرة شملت مئتي مدفع وعشرين ألف بندقية وملايين الخراطيش وسيارات وشاحنات وأدوية وأغذية معلبة. آسر الوطنيون سبع مئة من الإسبان وأثخنوا خمسة عشر ألفا من جنود العدو. لطالما استغربت من ذاكرة جدتي على حفظ هذه الأرقام. كانت نقطة ضعفي دوما حفظ الأرقام والتواريخ. أستغرب كيف أن هذه التفاصيل طفت إلى ذاكرتي الآن بيسر وسهولة دون أي محاولة استدعاء من جانبي. حين كبرنا صارت جدتي تشبه أنوال بمعركة بدر التي لم تكن تعرف عنها إلا ما سمعته من برامج قناة محمد السادس للقرآن. ماتت أمي قبل أن تكمل الستين من عمرها وما تزال أمها حية وتكاد تكمل المئة سنة. دقات قلبي تتسارع وتعاني رئتيَّ في التقاط الهواء. أسقط على أقرب مقعد في حديقة ساحة الأمم وألتقط أنفاسي. لماذا غيروا اسم الساحة إلى ساحة فلسطين والعراق؟ هل لأنها كانت الملتقى للحناجر التي كانت تلعلع بالهتافات ضد أمريكا وإسرائيل. خيبر خيبر يا يهود. جيش محمد سيعود. بخ. يا له من هراء. أي جيش هذا الذي سيعود؟” تتعدد ثيمات الرواية وتتنوع، رغم قصرها، ويتركز الصراع الداخلي للبطل حول الحبيبة التي تخلت عنه وتجربتهما الجنسية المنفلتة من القيود. أما الحبكة فتتمحور حول رحلته الليلية بحثا عن بديل جنسي. الوصول إلى النهاية يعيدنا إلى بداية الرواية، بأسئلة جديدة ورؤية مختلفة لقراءة ثانية محملة باحتمالات، قد لا يكون أي منها صحيحا وقد تكون جميعها صحيحة، عن كون البطل راويا غير موثوق. راويا مدمنا على عقارات الهلوسة. راويا فاقد الرشد من صدمة وفاة الأم. راويا تائها في الخيالات الروائية التي يكتب. تكونت لجنة تحكيم الجائزة من عضوية الروائي المصري إبراهيم فرغلي، القاص المغربي أنيس الرافعي، الروائي السعودي يوسف المحيميد، الناقد المصري أيمن بكر، وقد رأست اللجنة الكاتبة والأكاديمية الكويتية إقبال العثيمين. يشار إلى أن الكاتب محمد سعيد احجيوج ولد في مدينة طنجة المغربية في الأول من أبريل 1982. أصدر من قبل مجموعتين قصصيتين، “أشياء تحدث” و”انتحار مرجأ”، وسبق له الفوز بثلاث جوائز شعرية عن قصائده “انتحار المتنبي في رماد الحلاج”، “أغاني محمد الدرة”، و”انكسارات الحلاج”. كما شارك في تأسيس مجلة “طنجة الأدبية” وأصدر عددا من المشاريع الأدبية والثقافية قبل أن يغيب عن الساحة الثقافية لفترة تجاوزت عشر سنوات. لديه رواية قصيرة ستصدر في القاهرة خلال شهر ديسمبر، عنوانها “كافكا في طنجة”، كما أنه يشتغل حاليا على اللمسات الأخيرة لروايته “أحجية إدمون عَمران المالح”. يمكن الاطلاع على تفاصيل أعمال الكاتب والتواصل معه، عبر موقعه: https://hjiouij.com