بمناسبة السنة الجديدة.. الحكومة "تهدي" أجراء النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية زيادة في الأجور    سيارات اجرة تطارد سيارة "تطبيقات" بطريقة هوليودية بالرباط (فيديو)    الأيام التواصلية الجهوية لمؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني تحط الرحال بالرباط    الخطوط الأذربيجانية تعل ق رحلاتها إلى سبع مدن روسية بعد حادث تحطم الطائرة    "جبهة دعم فلسطين": احتجاجات مناهضي التطبيع تتعرض لتجريم عملي وإدانة 13 ناشطا بسلا "سياسية"    الجولة 16 من الدوري الاحترافي الأول .. الرجاء يرحل إلى بركان بحثا عن مسكن لآلامه والجيش الملكي ينتظر الهدية    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته ضد الرجاء    بورصة البيضاء تغلق التداولات بالأحمر    وفاة الرئيس التاريخي لمجموعة "سوزوكي" أوسامو سوزوكي    منظة تكشف عدد وفيات المهاجرين بين طنجة وإسبانيا خلال 2024    "الاتحاديات" يطالبن بقانون أسرة واضح يحمي القاصرات ويؤكد الخبرة الجينية    الرئيس الألماني يعلن حل البرلمان ويحدد موعدا لإجراء انتخابات مبكرة    بقنبلة زُرعت في وسادته.. إسرائيل تكشف تفصيل عملية اغتيال إسماعيل هنية    رفض دفوع الناصري وبعيوي يثير غضب المحامين والهيئة تستمع للمتهمين    صديقة خديجة الصديقي تعلن العثور على والد هشام    هل يُجدد لقاء لمجرد بهاني شاكر التعاون بينهما؟    بلغ 4082 طنا.. جمعية تشيد بزيادة إنتاج القنب الهندي المقنن    ألمانيا: حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة    فوج جديد من المجندين يؤدي القسم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    الدرك يحرر 19 محتجزا من ضيعة فلاحية    "أتقداو" تفتتح متجرا جديدا في الخميسات    الحكمة المغربية بشرى كربوبي تحتل الرتبة الخامسة عالميا والأولى إفريقيا    حضور وازن في المهرجان الدولي للسينما و التراث بميدلت    فنانات مغربيات تتفاعلن مع جديد مدونة الأسرة    ما حقيقة اعتزال عامر خان الفن؟    اختتام ناجح للدورة الخامسة لصالون الإلهام الدولي للفن التشكيلي بتارودانت    الوداد البيضاوي يعلن تعيين طلال ناطقا رسميا للفريق    دوري أبطال افريقيا: تحكيم بوروندي لمباراة الجيش الملكي ومانييما أنيون الكونغولي    معارض جزائري ل "رسالة 24 ": الاحتقان الرقمي مقدمة لإمكانية وقوع انفجار اجتماعي في المستقبل وعودة الحراك السياسي إلى الشارع الجزائري    الصين تجهز روبوت لاستكشاف القمر    لقاء تواصلي حول وضعية الفنان والحقوق المجاورة بالناظور    تقرير أمريكي: المغاربة أكثر الشعوب تعايشا وتسامحا في العالم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    المصادقة على مقترحات تعيين في مناصب عليا    بايتاس: إعداد مدونة الأسرة الجديدة مبني على التوجيهات الملكية والنقاش مستمر في مشروع قانون الإضراب    الجولة 16.. قمة بين نهضة بركان والرجاء والجيش يطمح لتقليص الفارق مع المتصدر    غوارديولا يتحدث عن إمكانية عقد صفقات جديدة في يناير    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب المستثمرين للاقتصاد الأمريكي    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    ارتفاع ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالرباط ب 4 في المائة عند متم أكتوبر    التحكيم المغربي يحقق إنجازًا عالميًا.. بشرى الكربوبي بين أفضل 5 حكمات في العالم    طعن مسؤول أمني تونسي خلال عملية إيقاف مطلوب للعدالة بتهم الإرهاب    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    وهبي يقدم عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    مجلس الحكومة يصادق على قائمة الرخص الاستثنائية التي يستفيد منها القضاة    علماء: تغير المناخ يزيد الحرارة الخطيرة ب 41 يومًا في 2024    الحكومة تحدد شروط منح تعويض لمؤطري التكوين المستمر بوزارة التعليم    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبوبكر العزاوي: الإستدلال والحجاج في القرآن الكريم (9)
نشر في طنجة الأدبية يوم 29 - 06 - 2018

لقد أشرنا في الحلقات السابقة إلى أن القياس الأصولي ينقسم، باعتبار علته، إلى ثلاثة أقسام: قياس العلة وقياس الدلالة وقياس الشبه. وقد ردت كلها في القرآن الكريم. ونواصل حديثنا عن قياس الدلالة. ونريد، في البدء أن نقدم بعض التعريفات لهذا النمط من القياس. منها التعريف الذي قدمه القاضي أبوبكر الباقلاني لقياس الدلالة يقول فيه: (هو الجمع بين الفرع و الاصل بما لا يناسب الحكم ولكن يستلزم ما يناسب الحكم).
وهناك التعريف الذي أورده ابن قدامة، وهو: (أن يجمع بين الفرع والأصل بدليل العلة، ليدل اشتراكهما فيه على اشتراكهما في العلة، فيلزم اشتراكهما في الحكم ظاهرا).(كتاب روضة المناظر).
وهناك تعريف لإمام الحرمين، يقول فيه: (هو الذي يشتمل على ما لا يناسب نفسه، ولكنه يدل على معنى جامع).(كتاب البرهان).
ويعرف الزركشي قياس الدلالة بقوله: (هو أن يكون الجامع وصفا لازما من لوازم العلة، أو أثرا من آثارها أو حكما من أحكامها). (البحر المحيط).
ونختم هذه التعريفات بالتعريف الذي قدمه ابن عبد الشكور الحنفي، في كتابه (فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت)، يقول فيه: (قياس الدلالة ما لم تذكر فيه العلة صريحا، ودل عليها بلازمها).
هناك تعريفات أخرى لنجم الدين الطوفي و أبي إسحاق الشيرازي و عبد الرحمن الشربيني و غيرهم. وإذا نظرنا في التعريفات السابقة، فإننا نجدها تشير إلى أن قياس الدلالة هو ما لم يصرح فيه بالعلة ولكن ذكر فيه لازم العلة أو حكم من أحكامها أو أثر من آثارها، أو أنه اشتمل على معنى جامع أو صف لازم أو دليل العلة، فالمضمون واحد وإن اختلفت ألفاظهم و مصطلحاتهم.
قد ورد هذا القياس في آيات عديدة من القرآن الكريم، أشرنا إلى البعض في إحدى الحلقات السابقة، وورد كذلك في الحديث النبوي، واستعمله الفقهاء والاصوليون بشكل كبير، ومثاله قياس النبيذ على الخمر بجامع الرائحة الكريهة الدالة على الإسكار، والرائحة هنا هي دليل العلة، وعلامة وجودها، وليست هي العلة، ويلزم من وجود الرائحة وجود الإسكار الذي هو العلة.
ومثل قياس قطع الجماعة بالواحد منهم على قتلهم به والجامع هنا هو وجوب الدية عليهم، أي الجمع بين قطع الجماعة ليد الواحد وقتل الجماعة للواحد في وجوب القصاص على الجميع بموجب الإشتراك في وجوب الدية عليهم. و الفرع هنا هو القطع و الأصل هو القتل، والعلة هي وجوب الدية على كل فرد. والحكم هو وجوب القصاص على الجميع، وقد ظف الله عز وجل قياس الدلالة في آيات عديدة من القرآن الكريم، فقاس النشأة الثانية على النشأة الأولى في الإمكان، وجعل النشأة الأولى أصلا والنشأة الثانية فرعا عليها، ويعطى للفرع حكم الأصل بموجب القياس. فكيف ينكرون النشأة الثانية ويسلمون بالنشأة الأولى، والأولى هي نشأة من عدم و الثانية ليست نشأة من العدم ونجد هذا في قوله تعالى: (أيحسب الإنسان أن يترك سدى؟ ألم يك نطفة من مني تمنى، ثم كان علقة فخلق فسوى، فجعل منه الزوجين الذكر الأنثى؟ أليس ذلك بقادر على أن يحي الموتى؟).
وقاس حياة الأموات بعد الموت على حياة الأرض بعد موتها بالعشب و النبات. ونجد هذا في قوله تعالى: (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، ويحي الأرض بعد موتها، وكذلك تخرجون). ومنه أيضا قوله عز وجل: (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت، إن الذي أحياها لمحيي الموتى، إنه على كل شيء قدير). إن الذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على بعث الإنسان وإحيائه بعد موته، فقاس القرآن الكريم إحياء الإنسان بعد مو ته على إحياء الأرض بعد موتها، وهذا قياس أصولي وقياس عقلي، وهو بالضبط قياس الدلالة الذي يجمع فيه بين الأصل و الفرع بلازم العلة أو أثرها أو حكمها.
ونجد هذا القياس أيضا في قوله تعالى: (ويقول الإنسان أ إذا ما مت لسوف أخرج حيا؟ أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يكن شيئا؟). وقد اشتمل هذا الكلام الموجز والمختصر، وهذا الحوار على كل عناصر القياس: الأصل والفرع والعلة والحكم. فالإنسان المنكر الجاحد يتساءل مستغربا ومتعجبا هل هناك حياة بعد الموت؟ هل سنبعث من جديد؟ (أإذا ما مت لسوف أخرج حيا؟) فيجيبه القرآن الكريم بالجواب الشافي الكافي، ويقدم إليه الدليل العقلي المنطقي الدامغ، والحجة القاطعة الباهرة، موظفا القياس العقلي، والأصولي، وموظفا هنا قياس الدلالة. إذا كان هناك خلق أول، وهو خلق من عدم، فيلزم أن تقبل بإمكان حدوث خلق ثان، وهو بعث وإحياء، وليس خلقا من عدم. فالقادر على الخلق الأول قادر على الخلق الثاني، أي البعث، وإذا سلمت وقبلت أن الخلق الأول قد وقع وحصل، وجب أن تسلم بإمكان حدوث الخلق الثاني، وهذا يقتضيه العقل و المنطق و القياس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.