لم يعلم الشاعر المغربي الجميل محسن أخريف ، بأن ملامسته للمايك ، ستنهي رحلته في الحياة ، سيرتشف جرعةً لموت أبدي ، سيسقط جثة هامدة بين أصدقائه وتلامذته ، الذين جاءوا للاحتفال معا بمعرض الكتاب بمدينة تطوان المغربية. كانت الخيمة مبتلة بالمطر الجميل الذي ينثّ على صفحات الخيمة ، وتتسرب قطراتُهُ على الوجوه المُبْتلّة. والتي كانت تنتظر قصيدةَ محسن أخريف الأخيرة. ومحسن – قبل أن ينطفئ – كان طاقة من الابداع. فهذا الشاب الذي يوشك أن يحتفل بشمعته الأربعين ، قد أنجز الكثير من الاعمال الأدبية والاكاديمية. وأهمها شهادة الدكتوراه في أدب الرحلة وتحقيق التراث . كما صدرت له الكثير من المقالات والبحوث في مجالات الرواية والقصة ، كما كان ناقدا وشاعرا. ولعلّ ديوانه الأخير ( مفترق الوجود) ، قد تنبّأ -من خلال عنوانه نهاية- رحلته القصيرة في الحياة ، ومفترق وجوده ، في لحظة ثرية بالمعرفة والعطاء ، لحظة عيد الكتاب الذي أقيم بتطوان يوم الأحد ، الواحد والعشرين من شهر افريل/ نيسان . محسن أخريف هذا الشاب الذي بدأ خطواته الاولى في العرائش ، وتهجّى حروفه الاولى في مدارسها ، ليتحوّل الحرف إلى مجموعة من الرؤى ، تَنْضَحُ بالمعاني والقيم في مجالات الابداع في الشعر والقصّة والرواية. تلك الأعمال التي تطمح إلى رصد خطوات الإنسان وهمومه وتطلعاته في مدينته وفي بلده وفي العالم مدينته العرائش التي اختارها الشاعر الفرنسي الكبير جان جينيه لتصبح مثواه الاخير. واستطاع الفقيد أنْ يلتهم المعارف والكتب والقيم ، ليختصر المسافات الزمنية في سبيل تحقيق إنجازاته المعرفية ، وكأنه على عجلة من أمره. لحظة ملامسة المايك كانت تراجيدية في دلالاتها ورمزيتها. فهذا الجهاز السحري لم يقتل أحدا في تأريخه. هذا الجهاز الجميل : يختصر المسافات و يمنح الأصوات الخافتةَ جرعةً صوتية مُستحبة. هذا الجهاز الذي رافق المطربين والخطباء وزعماء السياسة والشعراء. واستخدمه الشحاذون ايضا ، والباعة المتجولون. وقد كان وفيّا مع الجميع. فلماذا خان هذا الشاب المفعم بالحياة والمتوقد بالمعرفة؟ محسن أخريف ، يا شهيد الحروف النبيلة. سيكون موتُك الجميل دافعا للأجيال ، كي تتذكرك وتقتفي أثرك في حُبّ الكتاب والاحتفاء به.