استهلت دار الكتب العلمية في لبنان منشوراتها لسنة: 2013م، بإصدار عمل أكاديمي متميز للباحث المغربي الدكتور: عزيز الكبيطي إدريسي، في موضوع: "التصوف الإسلامي في الولاياتالمتحدةالأمريكية: مظاهر حضور التصوف المغربي وتأثيراته"، وجاء هذا الكتاب في شكل مجلد يحتوي على جزأين كبيرين، ينقسم كل جزء إلى بابين رئيسين، حيث تطرق الباب الأول إلى تاريخ الوجود الإسلامي في أمريكا و مكوناته، مع التركيز بشكل خاص على مدى تأثير الهوية الإسلامية المغربية في ذلك الحضور. في حين تعرض الباب الثاني من هذا الكتاب إلى حضور التصوف الإسلامي بشكل عام في الولاياتالمتحدةالأمريكية، سواء من خلال المهاجرين المسلمين أو من خلال المتحولين إلى الإسلام والذين غالبا ما يكون التصوف عاملا أساسيا وراء تحولهم. كما حاول هذا الباب أيضا البحث في ذلك الجدال الذي يتعلق بحقيقة التعاطف الأمريكي خاصة والغربي عامة مع التصوف الإسلامي و ما يثيره من شبهات حول شرعية التصوف وأصالته. بالإضافة إلى ذلك، تم استعراض نماذج من أهم الطرق الصوفية التي أثبتت حضورها الفاعل على التراب الأمريكي. أما الجزء الثاني من الكتاب فقد سعى من خلال بابه الثالث إلى إثبات مظاهر الحضور الصوفي المغربي في الولاياتالمتحدةالأمريكية من خلال إبراز الدور الرائد للتصوف المغربي في نشر الإسلام عبر أرجاء العالم، بما في ذلك العالم الغربي الحديث (أوربا وأمريكا)، كما عمل على جرد أهم وأشهر الدراسات الأكاديمية لاسيما الأنجلوفونية التي أجريت حول التصوف المغربي. أيضا درس هذا الباب بتفصيل نماذج من بعض أهم الطرق الصوفية المغربية التي تحضر بشكل مؤثر على تراب الولاياتالمتحدةالأمريكية، خاصة الطريقة التيجانية، و الحبيبية الدرقاوية، والقادرية البودشيشية.في حين سعى الباب الرابع إلى إبراز كيف أن هذا الوجود الصوفي المغربي على الأرض الأمريكية تجاوز مستوى مظاهر الحضور الطرقي إلى مجالات التأثير في أعلام الفكر الغربي، وفي الأدب الأنجلوأمريكي بنوعيه النثري والشعري، وفي الفنون الموسيقية و المسرحية والتشكيلية بالولاياتالمتحدة، بل و حتى في فن العلاج التقليدي وفي الاهتمام بالطب النبوي، وفي غير ذلك من المجالات.. وقد مهدت لهذا العمل الباحثة الأمريكية الشهيرة مارسيا هيرمانسن (Marcia Hermansen) أستاذة التعليم العالي ومديرة برنامج دراسات العالم الإسلامي في جامعة لويولا شيكاغو قائلة: "لقد نجح الباحث من خلال هذه الدراسة في استكشاف الكثير من التأثيرات الصوفية الإسلامية في الغرب، وما ينبغي أن أقوله في هذه النقطة أنه لا يوجد ولو حيز بسيط في الدراسات الإنجليزية، ولا الغربية بشكل عام لهذه المعلومات.. على الرغم من وجود الكثير من الأبحات التي تناولت تاريخ هذه الحركات الصوفية إلا أنها تفتقد إلى ذلك البعد الواضح وتلك التفاصيل الدقيقة التي وصلها الباحث عزيز الكبيطي إدريسي؛ فعلى سبيل المثال، حينما بدأ في بحث حضور الطرق الصوفية في أمريكا انطلق من تصنيف هذه الطرق بحسب مرجعياتها وأصولها، وهو الأمر الذي لم ينتبه إليه أي باحث غربي قبله.. ولكن العنصر الأكثر أهمية في بحث عزيز كان هو تقصيه للحضور الصوفي المغربي وتأثيراته على التراب الأمريكي، إذ أن عمله يعتبر أول بحث أكاديمي جامع ومفسر لتاريخ هذه الطرق الصوفية في الولاياتالمتحدة، بل الأكثر من ذلك قدم الكبيطي تحليلا سوسيوتاريخيا لذلك التغير الذي خلفه انتقال هذه الطرق إلى الغرب، إن هذه الدراسة هي مساهمة أصيلة لمعرفة التصوف في أمريكا، ولا يوجد هناك أي عمل موسع أو شامل يضاهي هذا العمل باللغة الأنجليزية، وبالتأكيد لا يوجد مثله في أي لغة أخرى إلى يومنا هذا". أما الأكاديمي الفرنسي المرموق إيريك جوفروا (Eric Geoffroy) فقد قال في تقديمه لهذا الكتاب الموسوعي المحكم: "أتيحت الفرصة لعزيز الكبيطي إدريسي لإجراء عدة أبحاث ميدانية بالولاياتالمتحدة، واللقاء مع أبرز ممثلي التصوف الأمريكي، ومن ثمة فإن عرضه للطرق الصوفية الرئيسة ليس فقط نتيجة معرفة كُتُبِيَة، ولكن أيضا نتيجة مقاربات ذاتية مشخصنة، واحتكاك شخصي مع بعض من أولئك المشايخ و رواد التصوف الأمريكيين..". والجدير بالذكر أن هذا الكتاب كان عملا أكاديميا حصل الباحث من خلاله على دكتوراة الدولة في التصوف والفكر الإسلامي بدرجة مشرف جدا مع تنويه اللجنة المشرفة على العمل، وكان هذا البحث قد حظي بدعم اللجنة المغربية الأمريكية للتبادل التربوي والثقافي ( MACECE) ومؤسسة فولبرايت (Fulbright) العالمية.