كلما أفتح كتاب القراءة تطالعني صورة أمي...ترتسم صورة أمي على صفحات كتاب المطالعة، والأمس حذرني المعلم تحذيرا شديد اللهجة بأن قال بأني أسهو كثيرا ولا أتابع مع زملائي لما يكونون يقرأون النصوص بصوت جوهري . لكني ما استطعت ، الكلمات تهرب من أمامي، وتصير الصفحات بيضاء ثم تدريجيا يبدأ وجه أمي الحزينة يغزو تلك الأماكن التي فرت منها الكلمات والأحرف ! كان المعلم يكتب الأسئلة على السبورة السوداء القديمة بينما التلاميذ منهمكون بالتفكير في الإجابة على ما يكتبه المعلم.... جلس المعلم أمام مكتبه .أشار إلى زميلي ميلود : إقرأ السؤال يا ميلود! قام ميلود واقفا في مكانه ثم قرأ بصوت مرتفع : ماذا أخفى رضا عن صديقه مصطفى؟ وبعد أن جلس ميلود أشار إلي ... أجب عن سؤال زميلك يا نذير! قمت...لم أكن أعرف الإجابة...لكني لا أستطيع أن أقول للمعلم أني لا أعرف أو أني لم أكن أتابع القراءة... وقفت في مكاني صامتا...وكرر المعلم طلبه لكني استمررت صامتا ، لا أفكر في شيء سوى أمي...أثار ذلك المعلم ...نهض فجأة من أمام مكتبه وانقض على بالصفعات ...حاولت أن أحمي وجهي بيداي الصغيرتين...ثم رفعني ودفعني بقوة نحو السبورة حتى انمحت الأسئلة...سقطت على المصطبة أمام السبورة...ثم بدأ يركلني بعصبية على وجهي وبطني... وبدأت أصرخ: أرجوك يا معلم ! ثم تحول صراخي الى بكاء... لقد اشتقت الى أمي...... وبمجرد أن نطقت كلمة أم..... توقف المعلم عن ركلي...وقف في مكانه هادئا واختفت شراسته فجأة، وكأنه تمثال ،وأحسست أن الزمن توقف.... أنهضني برفق وأنا غير مصدق، والتلاميذ ينظرون إلي متعجبين مذعورين ! توجه نحو خزانته الخشبية في الخلف، ولمحته يفتح محفظته فأخرج منها منديلا وشيئا أخرا يشبه علبة الشكولاتة....وبدأ يمسح وجهي وينفض الغبار على سروالي ومئزري... ثم أعطاني علبة الشكولاتة ، ولم يقل غير كلمتين: أرجوك سامحني ! وجلست في مكاني...وجلس المعلم أيضا في مكانه واستمر صامتا ،ما أكمل الدرس بينما خيم صمت حزين على القسم حتى دق جرس...فخرج بدون أن يقول شيئا..