تميز فيلم “دوغمان” للمخرج الإيطالي ماتيو غاروني الذي عرض اليوم ضمن عروض مهرجان الجونة السينمائي، بكونه فيلما بسيطا وعميقا في آن واحد، وتتجلى بساطته في كونه يرتكز على قصة ليس فيها افتعال وأحداث تُحكى بشكل خطي لا يكسره أي شائب، فيما يتجلى عمقه في غوصه في أعماق النفس البشرية بشكل يذكرنا مثلا بشخوص دويستيوفسكي، خصوصا الشخصية الرئيسة لوتشيو مربي الكلاب ، هاته الشخصية التي أداها الممثل مارشيلو فونتي بحرفية وعمق كبيرين استحق عنهما جائزة أفضل ممثل خلال الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي، كوننا نقرأ كل معاناة هذه الشخصية في تعابير وجه الممثل، إذ هي من تلك الشخصيات السلبية التي تتلقى الضربات باستمرار ولا ترد عليها، لكن لوتشينو سينفجر في النهاية ويرد الاعتبار لنفسه رغم أن نفسيته لايبدو أنها قد ارتدت لسويتها بل ازدادت تعقيدا ومعاناة. ويقول ماتيو غاروني عن سبب اختياره لمارتشيلو فونتي لأداء الشخصية الرئيسية لفيلمه : “إنه يمتلك وجها من تلك الوجوه القديمة الطراز، ولديه نظرة تتميز بالحنان والعطف والإنسانية، ويعرف كيف يمثل بعينيه، رأيت فيه شبيها لباستر كيتون، ولا أظن أن ممثلا آخر كان ليلعب الدور أفضل منه، إنه يجسد آخر تجليات البراءة”. ويمكن لي أن أؤكد هذا إذ أن مارتشيلو فونتي الذي حظر مع الفيلم للجونة وتفاعل بعفوية مع جمهور المهرجان يبدو أنه يمتلك كل هذه الصفات. يرجع ماتيو غاروني في فيلمه هذا لأجواء مشابهة لفيلمه”غومورا”، أجواء العنف والمخدرات والشخوص الهامشية، وحتى الفضاءات التي يختارها توحي بتلك الهامشية المطلقة والبعد عن المركز “السَّوِي” والمُرفَّه. على العموم فإننا نجد في فيلم “دوغمان “أجواء طبعت مسارات كبار المخرجين الإيطاليين وميزت السينما الإيطالية عن غيرها من السينمات، فحتى والمخرج يغرق ويغرقنا مع شخصية لوتشينو السلبية التي تعاني رغم حبها للناس وللحيوانات إلى درجة يغامر فيها بإنقاذ حياة كلبة رغم مايكتسي ذلك من مخاطر، فإنه لاينسى أن يضع لمسات من الكوميديا في مسار حكيه يخفف بها من ثقل التيمة وقساوتها.