بعد غياب دام ثمانية أشهر عادت الى الصدور من جديد مجلة " سينماك المغرب " ، وهي مجلة جادة متخصصة في السينما والفنون البصرية ، يباع حاليا بالأكشاك عددها 15 ، أكتوبر نونبر 2012 ، الصادر بدعم من وزارة الثقافة ، بنصف ثمنها السابق أي 10 دراهم عوض 20 درهما . وهذه المجلة التي تدير نشرها السيدة حفيظة لطفي ويدير تحريرها الناقد السينمائي والصحافي المقتدر محمد بكريم يتضمن عددها الجديد في شقه العربي ، 35 صفحة ، افتتاحية بعنوان " روح المقاومة " مختومة باهداء هذا العدد الجديد لروح صديقي المجلة الفقيدين محمد سكري ومحمد حميد بايزو وفقرة حصاد السينما تتضمن ورقة عن الراحل حميد بايزو وركن " سينماهم على وجوههم " حول فيلم محمد نظيف الطويل الأول ومواد أخرى وملف عبارة عن عودة الى مهرجان طنجة الوطني 13 للفيلم يحتوي قراءات في أربعة أفلام هي " شي غادي وشي جاي " لحكيم بلعباس و " على الحافة " لليلى كيلاني و " موت للبيع " لفوزي بنسعيدي و " أيادي خشنة " لمحمد عسلي ، كما يحتوي ثلاث مقالات هي " المهرجان الوطني بين القراءة والتأويل " بقلم محمد بكريم و " مآزق السينما المغربية " بقلم ادريس القري و " ما العمل ؟ " بقلم عبد اللطيف البازي . هذا بالاضافة الى ركن " بروفايل " بقلم حسن نرايس عبر من خلاله عن اعجابه الكبير بصديقه المخرج الشاب عادل الفاضلي وبفيلمه القصير " حياة قصيرة " الحاصل على العديد من الجوائز داخل المغرب وخارجه ، جاعلا منه رجل سنة 2011 السينمائي بامتياز . من مواد هذا القسم العربي نشير كذلك الى ركن " رسالة من بيروت " تحدث من خلاله الصحفي والناقد اللبناني ، صديق المجلة ، عن مضامين الفيلم اللبناني الجديد " بيروت بالليل " لمخرجته اللبنانية دانيال عربيد المقيمة بفرنسا منذ 23 سنة وأجرى معها حوارا حول هذا الفيلم وأفلامها الأخرى . واختتم الناقد والباحث والأديب نور الدين محقق مواد هذا القسم العربي بمقالة " الفن التشكيلي المغربي " حاول من خلالها في قراءته للتجارب الفنية لخمسة تشكيليين مغاربة ملامسة ملامح الفنية المنغرسة فيها عبر تأويله الذاتي لها ، وهؤلاء التشكيليون هم على التوالي : الشعيبية طلال و شعرية التفرد الفني و محمد المليحي و شعرية اللون الأزرق و عباس صلادي و شعرية الكائنات الأسطورية و أحمد جاريد و شعرية البعد الصوفي و عزيز أزغاي و شعرية التعالي الرمزي . من بين مواد فقرة " حصاد السينما " نقرأ حوارا ممتعا بأسئلته واجاباته مع الممثلة المغربية الشابة والجميلة نجاة الوافي ، استطاع المحاور عزيز الحاكم من خلاله أن يكشف لنا عن جانب من شخصية هذه الممثلة المبدعة وثقافتها السينمائية المعتبرة . أما عبد اللطيف البازي فقد نجح وبتركيز في مقالته " ما العمل ؟ " في قرع الأجراس منبها الى غياب الجودة والعمق في أفلام الدورة 13 لمهرجان طنجة الوطني على مستوى الكتابة السينمائية ، منبها الى أن جل العاملين في حقل السينما ببلادنا يشكون من العجز الثقافي ، وبالتالي يصعب اطلاق لفظ " سينما وطنية " على ما ينتج من أفلام بفضل دعم الدولة المغربية . ومما تميز به هذا العدد الجديد من مجلة " سينماك " في شقه العربي انفتاحه على بعض الأقلام الجديدة من رواد الأندية السينمائية القدماء ، كادريس القري وغيره ، الذين مارسوا ولازالوا يمارسون النقد والتحليل السينمائي ولو بشكل متقطع . فالناقد المكناسي استطاع من خلال مساهمته في العدد 15 من المجلة أن يضع أصابعه على مآزق " السينما المغربية " المتمثلة اساسا في غياب صناعة سينمائية حقيقية ، فمن ركائز هذه الأخيرة وجود منتجين حقيقيين خواص الى جانب دعم الدولة وشبكة كافية من القاعات السينمائية ومعاهد وطنية للتكوين السينمائي وغير ذلك . فيما يخص الافلام المشاركة في الدورة 13 لمهرجان طنجة الوطني من 12 الى 21 يناير 2012 تضمن عدد أكتوبر/نونبر 2012 قراءات متفاوتة القيمة في أفلام شكلت استثناء ضمن قائمة أفلام المسابقة الرسمية . وهكذا اشتغل الناقد والصحافي الشاب عبد الكريم واكريم على خصوصية سينما حكيم بلعباس بالتركيز على فيلمه الأخير " شي غادي وشي جاي " الذي يتداخل فيه التخييلي بالوثائقي والحلم ويحضر فيه الماء بقوة كرمز للحياة والموت ، معتبرا في قراءته المعنونة ب " نسج العنكبوت " أن سينما بلعباس سينما حدسية داخل التجربة المغربية وأن مخرج أبي الجعد يشبه شعراء سوق عكاظ لأنه يرتجل مثلهم الا أن ارتجاله مبني على معرفة ودربة ترسبتا منذ طفولته وشبابه في لاوعيه وغذاهما بالدراسة والتدريس . أما الناقد اللبناني الكبير ابراهيم العريس فقد اشتغل على فيلم فوزي بنسعيدي الأخير " موت للبيع " من خلال قراءة معنونة كما يلي : " من عوالم الأدب البوليسي الى ليالي تطوان وهمومها الاجتماعية " وقف من خلالها على نقط القوة ونقط الضعف في فيلم " موت للبيع " ، فمن نقط القوة والجدة في نظره اقتحام مخرج الفيلم لعالم الفيلم البوليسي بشكل نسبي ، وحضور اللغة السينمائية في الاخراج وادارة الممثلين أحيانا والكاميرا والمونطاج المتحركين ، في حين تتجلى نقط ضعفه في السيناريو وبناء الشخصيات وفي التمطيط وبعض المشاهد المجانية ، وكل هذه النقائص لا تقلل من قيمة هذا الفيلم وصاحبه الذي يعد مستقبلا بأعمال أكثر نضجا . ومن جهته تناول الناقد مصطفى الطالب فيلم " أيادي خشنة " من خلال قراءة بعنوان " تماسك سردي واحتفاء بالثقافة المغربية " مظهرا تماسكه شكلا ومضمونا ، كتابة واخراجا ، ادارة وأداء ، انطلاقا من رؤية فنية متأثرة بالسينما الايطالية في واقعيتها واختيار شخوصها وايقاعات سردها وتسلسل أحداثها . فالمتمعن في سينما محمد عسلي ، يقول الطالب ، يخلص الى أن الرجل ينطلق من نظرة تفاؤلية للحياة يكون فيها الانسان سيد مواقفه ومبتغاه ومتغلبا على ما يواجهه من صعاب . فقوة الفيلم تكمن في المعالجة الفنية وفي تسلسل الأحداث بسلاسة وفي البناء الدرامي وأيضا في الكتابة السيناريستية . كما أن الفيلم يقدم صورة ايجابية عن المرأة المغربية ويوظف بشكل جيد عناصر من الثقافة المغربية ... ومن خلال قراءة الناقد الشاب سعيد المزواري ، سكرتير تحرير المجلة ، في فيلم " على الحافة " المعنونة ب " طنجة ... كابوس بديعة " يظهر اعجابه بالفيلم ومخرجته ليلى كيلاني وبأسلوبها في الكتابة السينمائية الذي يعتمد على الانتقائية والحبكة المركبة والعناية بالتفاصيل والتصوير الشاعري للأماكن والتركيز على عنصر الصوت الداخلي وغير ذلك . ان الفضل في عودة مجلة " سينماك " الى الصدور مرة أخرى يرجع الى دينامية الصديق محمد بكريم ، الناقد السينمائي الكبير المتشبع بثقافة شمولية رصينة . فهو يعتبر حاليا بمثابة نواة مشروع هذه المجلة السينمائية المنفتحة على باقي الفنون البصرية نظرا لمساهماته الغزيرة والعميقة بالمقارنة مع آخرين ، ونظرا لقدراته الكبيرة وتمكنه من التعبير عن آرائه بوضوح وجرأة وتقديم قراءاته وتأويلاته للوقائع والأفلام بالعربية والفرنسية . صراحة أجد متعة كبيرة في قراءة نصوصه ، فما أحوجنا الى أقلام في مستواه الفكري واللغوي والتحليلي ، بغض النظر عن كل الأشياء التي تشغل منتقديه أوتجعلنا مختلفين معه ، وما أحوجنا الى أشخاص في مستوى ديناميته وقدرته على التحرك والاقتراح والمبادرة وغير ذلك .