المغرب يعتبر نفسه غير معني بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري        إقليم تطوان .. حجز واتلاف أزيد من 1470 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك خلال 4 أشهر    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في الدورة الثانية من مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية    التعادل ينصف مباراة المحمدية والسوالم    خطاب خامنئي.. مزايدات فارغة وتجاهل للواقع في مواجهة إسرائيل    مصدرو الخضر والفواكه جنوب المملكة يعتزمون قصْدَ سوقي روسيا وبريطانيا    'دير لاين' و'بوريل' يؤكدان التزام الاتحاد الأوروبي بعلاقاته الوثيقة مع المغرب وتعزيزها انسجاما مع مبدأ 'العقد شريعة المتعاقدين'    مغاربة يحيون ذكرى "طوفان الأقصى"    أساتذة كليات الطب: تقليص مدة التكوين لا يبرر المقاطعة و الطلبة مدعوون لمراجعة موقفهم    هكذا تفاعلت الحكومة الإسبانية مع قرار محكمة العدل الأوروبية    قرار محكمة العدل الأوروبية: فرنسا تجدد التأكيد على تشبثها الراسخ بشراكتها الاستثنائية مع المغرب    وزير خارجية إسبانيا يجدد دعم سيادة المغرب على صحرائه بعد قرار محكمة العدل الأوربية    إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني ودخول 30 مركزا صحيا حضريا وقرويا حيز الخدمة بجهة فاس مكناس    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    مسؤول فرنسي: الرئيس ماكرون يزور المغرب لتقوية دعامات العلاقات الثنائية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    امزورن.. سيارة ترسل تلميذاً إلى قسم المستعجلات    المحامون يقاطعون جلسات الجنايات وصناديق المحاكم لأسبوعين    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    ابتدائية تطوان تصدر حكمها في حق مواطنة جزائرية حرضت على الهجرة    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    فيلا رئيس الكاف السابق واستدعاء آيت منا .. مرافعات ساخنة في محاكمة الناصري    وزارة الخارجية: المغرب يعتبر نفسه غير معني بتاتا بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    الجماهير العسكرية تطالب إدارة النادي بإنهاء الخلاف مع الحاس بنعبيد وارجاعه للفريق الأول    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    لحليمي يكشف عن حصيلة المسروقات خلال إحصاء 2024    آسفي: حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    دعوة للمشاركة في دوري كرة القدم العمالية لفرق الإتحاد المغربي للشغل بإقليم الجديدة    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    ارتفاع طفيف في أسعار النفط في ظل ترقب تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    آسفي.. حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دم الميت، قراءة في رواية "المطرودون" لمؤلفها الدكتور معمر بختاوي
نشر في طنجة الأدبية يوم 10 - 11 - 2012

في الثلاثينات من القرن الماضي، سيهاجر الجد بنهدي إلى الجزائر، - القطر الشقيق لبلده المغرب – كما فعل ذلك قبله وبعده الآلاف من المغاربة الذين حملوا سواعدهم وخبراتهم، وتجاربهم وتجارتهم، وأموالهم، وكلما لهم من أحلام، ودموع وآلام وطموح وأفراح وجاءوا بها إلى الجزائر ليساهموا إلى جانب إخوانهم في بناء الأساس المتين ورفع الأركان من البيت الغربي للوطن الكبير، لا فرق بين البلدين، أرض مشتركة وتاريخ مشترك. اختلط العرق بالعرق والدم بالدم، وانصهر الجميع، نساء ورجالا وشيبا وأطفالا في نسيج اجتماعي فريد29، تزوج المغربي بالجزائرية وصاهر الجزائري المغربي وصار الأطفال يدخلون البيوت كما لو كانت بيتا واحدا لأسرة واحدة... يلبون طلبات الأمهات ثم ينخرطون في اللعب44 ، فهم ليسوا أنصاف مخلوقات، ليسوا أنصاف جزائريين ولا أنصاف مغاربة، إنهم جزائريون بالكامل ومغاربة بالكامل في الوقت نفسه، فبين المغاربة والجزائريين لم تكن توجد نصف جنسية وإنما جنسية كاملة هي جنسية الوطنين معا، لعب الأطفال في الأزقة نفسها، أكلوا الخبز نفسه دون أن يسألوا أي الأمهات طهته، وكتبوا أسماءهم على جذوع الأشجار، ثم صاروا كبارا، الشبان، يطيلون الشارب والشابات ينظرن من خلف النوافذ لعرسان الغد .. عرسان أو فرسان بلا بطاقة هوية غير هوية المكان.
في الثلاثينات من القرن الماضي، اصطحب الجد "بنهدي" أولاده الأربعة (ثلاثة بنين وبنت واحدة) إلى الجزائر63، حط الرحال بوهران وشمر على ساعديه وحنجرته ليطرد الفضول ويدق أوتاد الاستقرار في بيت متواضع يكتريه مع الجيران .. جد عصبي وصعب المراس، لكن الجدة في المقابل كانت حنونا ومتسامحة، سهلة وديعة، يقصدها الناس من القرى المجاورة لتمريض الأطفال وتقديم المشورات ... حتى لقبت ب "لالة شافية"63
ولما صدح نداء الثورة، تجند الأبناء الثلاثة والأخت للدفاع عن البلد الذي صار بلدهم، البلد الذي كان حتى قبل أن يهاجروا إليه بلدهم، -هكذا كانوا يعتقدون .. أو هكذا كان قبل أن يستولى على البلد مساخ الذاكرة ونساخ التاريخ ومصاصو الأرزاق والدماء– احتلوه، هم الذين لم يفعلوا شيئا من أجل تحريره واستحوذوا على ذاكرة الآخرين.
الأبناء، كانوا يقاتلون المستعمر في الجبال ، والابنة كانت تهرب الأسلحة للمجاهدين في سلال الخضر أو تمرر أوراق الخرائط والخطط للمحاربين داخل خبزة كبيرة64 .. فكما كانت تفعل نساء المغرب من أجل استقلال المغرب فعلت المغربيات من أجل استقلال الجزائر، ضحين بأنفسهن وبأبنائهن وإخوانهن..
وسقط الأبناء تباعا كجياد أصيلة، سقطوا شهداء الواجب كما سقط أهلهم على أرض المغرب شهداء الواجب .. هؤلاء وأولئك المغاربة .. هنا وهناك استجابوا لنداء الوطن، وسقطوا فداء له، سقطوا من أجل الحرية والكرامة وعزة الوطن، لم يمتزج الدم المغربي والجزائري بالزواج والمصاهرة فقط، ولكن أيضا امتزج بالشهادة حين سقط المغاربة إلى جانب الجزائريين برصاص المستعمر في ساحة الشرف. مات المغاربة من أجل أن تحيا الجزائر يوم كانت "بلاد العرب أوطاني*..."
استشهد الأبناء الثلاثة، ومات الجد .. وماتت الجدة.. كانت الحرب قد انتهت، فتزوجت البنت المغربية بشاب مغربي وانتقلت للعيش معه في بيت جديد إلى جوار جيران جدد.. صارت المرأة أما فتكفلت برعاية الصغيرين " حميد وسعيد " وصار الرجل أبا فهاجر إلى شمال فرنسا ليعمل في مناجم الفحم64 ويعيل أسرته الجديدة.
عمي عبد السلام وخالتي سعيدة .. الجزائريان .. كانا الأقرب إلى قلب الأسرة المغربية.. وجميلة ابنتهما ستكون الأقرب إلى قلب سعيد.
.. سعيد المغربي وجميلة الجزائرية سينشئان في البيت نفسه يلعبان معا .. يحبان بعضهما، يحبان كليهما، يغرقان في الحب الطفولي البريء .. عروس وجدت فارسها إلى جانبها.. دونما حاجة لكثير أحلام. عروس وعريس منذوران لبعضهما تقول الأسرتان .. ويحلمان أحلاما عادية .. جدا .. كما يحلم الشباب في المغرب أو في الجزائر.
هو الآن في السنة الثالثة فلسفة... جامعة وهران.
وهي في السنة أولى حقوق14.
يحلمان بالزواج ودفئ الاستقرار .. أحلام على مقاس شابين متعقلين.
تفضي جميلة بأحلامها للخالة زليخة (أم سعيد) حماتها المقبلة حين ترافقها لزيارة قبر الزوج (والد سعيد) الذي مات مختنقا في مناجم الفحم شمال فرنسا فحملوه في صندوق إلى الجزائر ودفنوه في المقبرة وسط المدينة .. مدينة وهران 29..
ويفضي سعيد بأسراره لصديقه مصطفى ليزناسني .. الموظف الأعزب الذي يقاسمه هو – مغربيته – ويقاسم جميلة جزائريتها، فمصطفى من أب مغربي وأم جزائرية21، لكن .. حتى ذلك الوقت .. ما كان أحد يهتم بمن هو المغربي مائة في المائة ومن هو ثلث مغربي أو ربع جزائري أو نصف نصف .. لم يذهب أحد إلى المقبرة ليعزل عظام الموتى المغاربة عن عظام إخوتهم الجزائريين.. لم تكن بعد مختبرات الحقد قد اخترعت شيئا اسمه الدم الخالص والجنس الأصيل.. لأن الدماء كانت مشتركة..
- دماء الحياة بالنسبة للذين ساهموا في بناء الجزائر.
- ودماء الشهادة بالنسبة للذين سقطوا فداء لها.
- دماء الحياة .
حياة عادية تماما .. لشابين يحبان بعضهما.
الأم المغربية تنظر بعين الرضا لنجاح ابنها وتنتظر أن ترى له البنين والبنات.
والأم الجزائرية تنظر بعين الارتياح لنجاح ابنتها وتنتظر أن تهدهد أحفادها.
أما الصديق مصطفى ليزناسني فيتابع الأخبار ويلتقط الأسرار و "يحلم أن يعيش ويسافر، ويتعرف على الدنيا، ثم يتزوج، وينجب أولادا يكبرون ويتوزعون على هذه الأرض. ويعيش في طمأنينة"78.
كانت هذه الحال بالنسبة لما يزيد عن 43 ألف أسرة مغربية تعيش في الجزائر.
أسر من أم مغربية وأب مغربي، أو من أب جزائري وأم مغربية أو أم جزائرية وأب مغربي، فقراء وأغنياء، تجار وأصحاب أموال صناع وحرفيون وفلاحون. أمازيغ وعرب. متعلمون وأميون، نساء ورجال وأطفال وشباب، مسنون، عجزه ورضع ، مرضى، حوامل. ما يزيد عن 300 ألف من المغاربة.
لا شيء كان ينبئ بأن هذه الحياة العادية جدا، والمستقرة كما يجب أن يكون الاستقرار، ستنقلب إلى جحيم وألسنة نار تلتهم الأجساد والأحاسيس والمشاعر وخشب السقوف وأشجار الحدائق وأزهارها.
لا شيء كان ينبئهم بمصير كذلك المصير الذي وجدوا أنفسهم أمامه بلا سابق إنذار ولا سابق إنتظار.
لكنها دائما السياقات الكبرى للتحولات التاريخية التي تخترق العالم فتفك ارتباطات وتحل أحلافا وتقيم جدارات ومعسكرات .. ثم تجري قضاءها ومقاديرها على المستضعفين أفرادا وجماعات عن غير سابق تفكير أو تصميم من هؤلاء.
هكذا وجدت 43 ألف أسرة مغربية - تعيش فوق التراب الجزائري - نفسها تتلقى الضربات الموجعة.. ضربات الغدر والإهانة.. فاستسلمت للموجة العابثة بالأرواح والأرزاق والكرامة الإنسانية. استسلمت للموجة العاتية وهي تدفعها بجنون الحقد والانتقام إلى الارتطام بصخرة واقع لم تكن مهيأة له بالمرة .. واقع لم يكن متوقعا.
لم تكن أي واحدة من تلك الأسر ال 43 ألفا ولا كان أي واحد من أولئك المغاربة 300 ألف منذورا لكي يصير بطلا لحدث نظائره في التاريخ تعد على رؤوس الأصابع.
أبطال ليس لهم من البطولة غير بطولة الضحية التي ترضخ للأمر الواقع راضية بقدرها، لأن جلادها لم تبق له أية صفة تجمعه بالإنسان، وأفقده حقده الأعمى كل شعور أو إحساس بالأخوة .. وبالعروبة.. وبالإنسانية25.
مصير أو قدر فرضته النزوات الشخصية والعناد حين يصبح العناد والنزوات سيدان يمليان على أصحاب القرار الاختيارات السياسية مهما كانت مكلفة وباهضة الثمن .. باهضة الثمن بالنسبة لضحاياهم. فقد شاء الحاكمون في "المرادية" أن ينتقموا من كل المغاربة الموجودين في الجزائر، وينغصوا عليهم فرحة استرجاع الصحراء من يد الإسبان، وفرحة العيد11 .. لقد استكثروا على المغاربة أن يفرحوا لفرح وطنهم وأن يحتفلوا بسنة نبيهم، فقرروا بلا سابق إنذار طردهم. ذلك الطرد المهين.
مصير هؤلاء المغاربة يرسم أكثر من علامة تعجب واستغراب واستفهام فوق رأس كل من ساهم في القرار أو نفذه أو تواطأ بسكوته أو صمته من المسؤولين في الجزائر، كما أنه يزيل كل لبس أو إبهام حول نواياهم تجاه المغاربة( نحن في1975) .. فالعلاقة بين القطرين واحدة من أغرب وأعقد علاقات الجوار. إذ كل شيء يجمع القطرين الشقيقين، الأرض والسماء والتاريخ واللغات والماء والدماء ... وكل شيء يفرقهما. فمع الاستقلال اختار المغرب اللبيرالية وقرر المتنفذون في الجزائر الاشتراكية. وأعطى المغرب الأولوية للري والفلاحة وفرضت الجزائر التصنيع من أجل إنشاء بروليتاريا على مقاس العالم الثالث، واختار المغرب التعدد وأصرت الجزائر على أنه لا صوت يعلو فوق الحزب الواحد ومال المغرب للغرب ومالت الجزائر للشرق واختار المغرب قيم الانفتاح والتسامح والاختلاف وانتهجت الجزائر أسلوب التشدد والرأي الواحد.
وفي المحصلة : نجح المغرب بفضل تضحيات أبنائه في أن يتغير ويتبدل ويتحول ويتقدم . لقد تغير العالم وتغير المغرب. ولكن السلطات العليا في الجزائر بقيت منفصلة على عصرها، متصلبة في موقفها لا تريد لصورة الجار أن تتغير في عينيها، لقد جمدت الصورة وحنطت التاريخ وتوقفت به عند لحظة تعلم هي وحدها سر اختيارها...... وتوقيتها، وأصبحت هذه الحال عائقا نفسيا يستحيل معه أن تقبل إلى جوارها بمغرب متحرر وناجح ومنفتح على العصر، لقد جعلت من إعاقاتها النفسية وهي كثيرة، عوائق فعلية في وجه تكامل القطرين. وهكذا فبعد شهر واحد فقط على تحرير المغرب لأقاليمه الجنوبية وفي 18 دجنبر من سنة 1975 أقدمت السلطات الجزائرية على طرد ما يزيد على 43 ألف أسرة مغربية تعيش بشكل قانوني داخل التراب الجزائري، ولأن الانتقام كان أعمى وأهوج فقد انتظرت عيد الأضحى لتشرع في التهجير، لقد ضحت بهذه الأسر على مذبح حقد أسود وبلا معنى، ساخرة من دم لا يمكنه أن يصير ماء ومن ملح وطعام مشترك، ومنتهجة في ذلك أسلوبا قل نظيره في التاريخ، ولعله واحدة من التطبيقات العملية لدروس المعلم الروسي الكبير في حروب التهجير والترحيل ضد القوميات والأقليات والمختلفين.
لقد مرت الآن 37 سنة على هذا الحدث المفصلي في تاريخ العلاقة بين القطرين، والتراجيدي في انعكاساته وآثاره الاجتماعية والنفسية على الأسر التي اصطلت بناره الهوجاء.
مات خلق كثير منذ ذاك .. وولد خلق كثير.
فهل طوى النسيان هذه الواقعة الأليمة، وضمد جراح ضحاياها15.
بعد 37 سنة على هذه المأساة، يصدر الكاتب الملتزم والمتألق معمر بختاوي روايته / الوثيقة / الشهادة / "المطرودون"
وليس ما كُتب في هذا التقديم غير قبسات من عوالم وأجواء هذا العمل الإبداعي القيم في ذاته وغايته . ف "المطرودون" رواية / شهادة تخيلية/شاهدة على المأساة. ولهذا الإصدار ولا شك وفي هذا الوقت بالذات، علاقة بواجب الاعتراف بتضحيات جيل بكامله، وبواجب حفظ الذاكرة27.
إنها بالمعنى السالف وثيقة أدبية وشهادة إدانة يعلنها المؤلف على الملأ.
على ظهر الغلاف يشهر المؤلف صورته وسيرته وروايته مؤكدا على أنها : "تحكي قصة ثلاثة وأربعين ألف أسرة مغربية طردت من الجزائر إلى وطنها الأم. في ظروف أشبه بكابوس مرعب من طرف الحكومة الجزائرية، على إثر قيام المغرب، بمسيرة إلى صحرائه الجنوبية.
أسر مزق أوصالها هذا الطرد، وانفصلت عراها، توجه نصف العائلات إلى ما وراء الحدود .. وبقي نصفها هناك يعاني التمزق والضياع حتى يومنا هذا.
رحلت هذه الأسر بعدما اعتقدت بأنها في أرضها، جردوها من ممتلكاتها، وقالوا لها عودي من حيث أتيت".
43 ألف أسرة، ما يزيد عن 300 ألف مغربي، هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون لمأساة الطرد التي تحكي عنها الرواية، تماما مثلما أن 350 ألف مواطن مغربي هم الأبطال الفعليون للمسيرة التي حررت الصحراء، المغرب كان يحرر والجزائر كانت تهجر وتلك هي مفارقة التباس الحق بالباطل، مفارقة تربص الجار بالدار.
300 ألف مغربي مهجر، يتكلم باسمهم سعيد بنهدي المولود بالتراب الجزائري من أم هربت السلاح للمجاهدين وأب مات اختناقا في مناجم الفحم الفرنسية29 ليزدهر الاقتصاد الجزائري وأخوال دفعوا دماءهم وأرواحهم فداء للجزائر.
يتكلم سعيد بنهدي بلسان السارد وينظر إلى الأحداث بعين الشاهد فيروي ما عاشه ورآه بقلب يعتصره الألم وعين تتدفق بالدموع. هو، و300 ألف مغربي كانوا يحيون حياة عادية، كل واحد منصرف إلى ما هو فيه من شأن.. خاص.. فجأة، أصبح / أصبحوا غرباء، مطاردين في وطن ساهم الآباء في بنائه، وحملت الأمهات السلاح خفية من أجل تحريره :
"قدمت أسرتي خمسة شهداء، قضوا نحبهم على أرض الجزائر"85
تقول سيدة مغربية.
دم خمسة شهداء لم يشفع لها في البقاء.. لم يشفع لها في إكمال رحلة العمر إلى جوار قبور أهلها على الأقل.
"بوه .. بوه .. على ولدي اللي مات من أجلكم يا الكلاب الغدارين .. يا المجرمين.. يا نكارين الخير .."71
تقول امرأة مسنة، وقد رموا بها في الشاحنة كبضاعة فاسدة.
ولا شك أن نار الغل والغيض كانت تستعر في صدور أهل "المرادية" حين كانت أخبار المسيرة تتواتر مرفوعة إلى الأعلى بالحناجر التي كانت تلهب الحماس على الدوام مغنية "العيون عيني .. والساقية الحمرا ليا .. والواد وادي ..* "
لقد تحول المغاربة فجأة إلى رهائن في أيدي السلطات الجزائرية، وإذ استحال عليها إعاقة المسيرة فقد حولت غضبها إلى انتقام أسود من الإخوة الضيوف / الذين لم يكونوا يملكون حيلة لصد انتقام الغدر، انتقام الجبناء.
كل القرارات تصدر باسم سلطات عليا، وكل الجبناء والتافهين الذين تحولوا إلى آلات تزرع الرعب بالليل والنهار في القرى. والمدن والأحياء والبيوت، كانوا يختفون وراء عبارة واحدة، إنها أوامر السلطات العليا، .. بأمر من السلطات العليا اضطهد المغاربة، واغتصبت بناتهم وأمهاتهم وصودرت أموالهم وبيوتهم وأمتعتهم ومدخراتهم. باسم السلطات العليا، قطعت أرحامهم وأوصالهم وأواصرهم واجتثوا من الجذور ... باسم سلطات عليا لا أحد يسميها أو يفصح عمن يختفي وراءها44 والجميع يعرف من تكون ...
فهل يمكن بعد كل ما حصل أن يتسع القلب للصفح ؟.
يقول سعيد بنهدي قبل أن يشرع في الحكي.
- "كم يكفي من الوقت لأستفيق من هذا الحلم الكابوس ؟
- وكم يكفي من الدموع لغسل هذا العار ؟
- وكم يكفي من المحبة لتطهير النفوس ؟
- وكم يكفي من الوقت لنسيان الجراح ؟"15 .
ثم يفتح الأبواب والنوافذ على مصارعها لتدخل الحكاية / المأساة كل البيوت، فينقلنا إلى الأجواء الحية التي عاشها رفقة والدته زليخة وأخيه الأصغر حميد، ورفقة صديقه الأعزب مصطفى ليزناسني، و الجارين عمي عبد السلام والخالة سعيدة وابنتهما عروس المستقبل "يوم كان له مستقبل" ... ... جميل،
جميلة تحضر بين ثنايا الحكاية وفي كل طياتها ... كحلم جميل.
وكما هُو الشأن بالنسبة للأحلام .. يستيقظ سعيد فيطير الحلم من بين عينيه ويديه، وتداهمه كوابيسُ ضباع وغربان وأفاع وعقارب، ونحيب ونعيق ونباح وعواء حيواناتِ وآلاتِ الدهس والرفس والركل والكسر تدوس الأحلام والذكريات وتعض بأنيابها على أصابع وقلوب الأطفال والرضع والعجائز والمرضى..
ينقلنا بنهدي لنعيش اللحظات السوداء لهذا الطرد الأسود، يصف (الما قبل) و(الما بعد) التهجير، و(الما بينهما) من حمم البركان الأعمى التي اندلقت على الرؤوس.
يصف قافلة الذل وهي تسوقهم إلى الحدود كمتلاشيات ما عاد الإخوة المفترضون / الأعداء الفعليون يرغبون فيها11.
هؤلاء الذين اتخذوا القرار، ليسوا أبناء الأمير عبد القادر ولا هم رفاق ولا إخوة جميلة بوحريد80 .. هؤلاء من فصيلة أخرى .. أما الذين حرروا الجزائر فلم يعد لهم مكان في الجزائر.. أو لهم فقط الحسرات التي تقطع الأكباد وبقايا الذكريات .. لهم ركن قصي من رقعة الوطن ليس أكبر من رقعة "ضامة" يتحلقون حولها ليعضوا على أصابع الندم30.
- "اتفو .. على الوقت"
يقول السي الخضر
- أيام العز راحت مع أصحابها .. وبقيت أيام الخنز"31
يرد عليه السارجان عيسى ..
- "اتفو على الجميع"... يتابع السي الخضر
- كل هذا من أجل ماذا ؟ أنا نادم على المشاركة في تلك الحرب التي تسمى تحريرا .. تحرير ماذا ؟ .. ولأجل من .. ماذا ربحنا من تلك الحرب غير الموت .. وأطراف من خشب .. وأجسام مثقوبة بالرصاص."32
السي الخضر الذي خاض حربين .. الأولى إلى جانب فرنسا والثانية ضد فرنسا .. يحاكم حرب التحرير، أو لعله يحاكم جبهة التحرير، بشكل واضح وصريح.. من أجل ماذا حارب الجزائريون ؟ .. ويجيب مؤكدا ومستنكرا ومدينا :
- من أجل أن يأتي الجنرالات ويتربعوا على الكراسي الوثيرة بكروشهم ومؤخراتهم العريضة"33.
سعيد بنهدي .. يسمع ويرى ..
سعيد بنهدي يقدم شهادته..فيتكلم بلسان المغاربة والجزائريين، بلسان المغاربة الجزائريين عن مشاهد العار والخسة والحقارة.
يقول سعيد بنهدي :
"بدأ البوليس والدرك والجيش بترحيل الناس عبر أفواج، وفي حراسة مشددة، ومن لم ينصع للأوامر ضرب بعنف وقسوة"33
يقول سعيد بنهدي :
"علا صوت النسوه .. وتمسكن بكل شيء .. بالأرض بالصخور.. بجذوع الأشجار .. ولكن الأيدي كانت تهوي تحت ضربات رجال الشرطة والجيش .. المتعطشين للركل والرفس بأحذيتهم الغليظة"33.
يقول سعيد بنهدي :
"انتشر رجال الشرطة عبر بيوت القرية ... داهموا البيوت" 34... "سنعد حتى ثلاثة ونكسر الأبواب" ... كانوا يقولون.
يقول سعيد بنهدي :
"توجه الرجل الطويل إلى الحجرة التي توجد فيها المرأتان ..
خذ الأم واترك لي الفتاة ..."35... قال.
يقول سعيد بنهدي :
"في جميع المدن والقرى كان رجال الشرطة يجوبون الأحياء والأزقة ليلا ونهارا، ليزرعوا الرعب في الغرباء .. وكانوا يخرجونهم من بيوتهم كما يخرج الأنام من قبورهم يوم الحشر .. أو كما تساق الأنعام من الإسطبلات للذبح"52..
يقول سعيد بنهدي :
"صرخت الفتاة، والتصقت بالحائط كورقة إعلان، رفعت ركبتها تدافع عن نفسها، فأمسكها وأسقطها أرضا ............ خارت قواها ..... استسلمت للوحش الأدمي ..35"
يقول سعيد بنهدي :
"كان رجال الشرطة والدرك يتحركون بجنون، ويبحثون في كل مكان، يقتحمون الدكاكين، والمحلات التي يمتلكها المغاربة، ويأخذون منهم المفاتيح .. يقفلون الأبواب ويدفعون أصحابها إلى الخارج39.
يقول سعيد بنهدي :
"وقف الأطفال متباكين، مندهشين .. تائهين .. حيارى .. ينظرون تارة إلى اليمين وتارة إلى الشمال .. أينحازون إلى آبائهم أم إلى أمهاتهم ؟ ..40"
يقول سعيد بنهدي :
“ بعدما أوقف رجال الشرطة والدرك الجميع في صفين منعوا المغاربة من العودة إلى منازلهم أو أخذ أي شيء .فمنهم من أخرج في ملابس النوم.ومنهم من كان يتهيأ للصلاة . ومنهم من كان على مائدة العشاء.....
قال رئيسهم/ كبيرهم
كما دخلتم هذا البلد فقراء .تخرجون فقراء
وقالت القلوب التي في الصدور
هكذا حكمت الطغمة الطاغية".40
يقول سعيد بنهدي :
"نقلنا إلى مكان مجهول، وحشرنا مع عدد من إخواننا المغاربة دون أكل ولا شرب، في مكان واطئ السقف، قليل التهوية بلا إنارة تقريبا، شبيه بزنازن القرون الوسطى، وآخرون حشروا في سجون مهجورة، كان المستعمر يعذب فيها الثوار أثناء حرب التحرير57"
يقول سعيد بنهدي :
"لم أصدق أني أخرج من هذا البلد كما أخرج إخواننا الفلسطينيون من أرضهم عام النكبة 75"
ويقول :
"كان المطردون يشكلون موكبا جنائزيا .. وخيل إلي أني أساق إلى مشنقة، قضاتها أبالسة .. ومحاموها شياطين مردة 76" .
ويقول .. ويقول .. ولا يتوقف عن القول.
سعيد بنهدي يسمع ويرى ..
سعيد بنهدي شاهد عيان يتكلم بلسان المغاربة في الجزائر، يلعن من أصدر الأوامر بالطرد ويفضح من طبق التعليمات الحمقاء.. وينقلنا لنعيش معه/معهم اللحظات السوداء لهذا الطرد الأسود، يصف (الما قبل) و(الما بعد) التهجير، ويصف رحلة الجحيم في الليل البهيم، الذي خان فيه الجار الدم والملح وكشر عن أنياب الغدر58.
ثلاث لحظات شديدة القوة.. شديدة القسوة، تنفطر لها القلوب وتتفجر الأوردة..
ثلاث لحظات من التعذيب السادي لمواطنين مغاربة عزل ..
مواطنون كانوا يظنون أنفسهم في بلدهم وبين أهليهم لاعتقادهم بأن كل "بلاد العرب أوطاني*».. فإذا بهم مجرد غرباء، رغم توفرهم على كل الوثائق القانونية التي تعطيهم مشروعية الوجود فوق تلك الأرض وداخل تلك البيوت وبتلك الأحياء وتلك المدن والقرى، لقد أصبحوا يعيشون كمهاجرين سريين يخشون ضوء النهار .. يتجنبون الأماكن العامة ويهربون من سيارات الشرطة22، يتكلمون همسا .. أو بغمزات العيون .. هكذا صاروا حين أخذت الإشارات تتواتر عن قرب الترحيل.
ترقب و توتر، قلق الما بين التصديق والتكذيب واليأس والرجاء. شك فيما يقال واستغراب لما قد يحصل .. أحقا يمكن للأخ أن يطرد أخاه53؟ ! أحقا سيغادرون هذه الجدران، وهذه الأشجار وهذه الأحياء والمقاهي والهواء والبحر، يغادرون الأمهات والأبناء، ويغادرون الشهداء وقبور الأجداد23 .. يغادرون الحبيبة .. لأنها من والدين جزائريين ولأنهم مغاربة.
هي لحظة أشبه ما تكون بالومضات الجارحة، لحظات اجتزئت من ذلك الزمن البغيض، الذي أخرج فيه العرب من الأندلس، ورحل الفلسطينيون من حيفا75، وسيقت قوافل المبعدين إلى جحيم الكولاغ. وكانت فيه الغيسطابو تملأ الشاحنات ببني آدم لتقودهم إلى حتفهم مرغمين غير مبالية ببكاء أو جوع أو عجز أو صراخ66.
قد تبدو المقارنة غير موضوعية. خاصة بين تواريخ وأزمنة مختلفة ومتباعدة، في الدلالة والعمق والامتداد .. ولكن تجربة الألم واحدة، وتجربة الاقتلاع من الجذور واحدة، وتجربة العزلة في مواجهة الضواري والوحوش الأدمية واحدة. هي التجربة نفسها رغم اختلاف الزمن والظروف، بالمقدار نفسه، والوقع نفسه .. والألم العظيم أيضا.
لحظات تختزل عشرات السنوات من أحقاد حولت صفحة سماء الأخوة الصافية إلى شظايا راجمات تتساقط على ضحايا لم يعد لهم سقف يحمي الرؤوس ولا أرض تمشي فوقها الأقدام والأحلام.
دوهمت البيوت وأخرج الناس من ديارهم يوم عيد النحر، تركوا الأضحيات معلقة55، وتركوا الدور خالية في بلد ساهموا في تحريره، ذنبهم أنهم شاركوا وطنهم فرحة استرجاع الصحراء فوجد الجار في فرحهم ما ينكأ جراحا قديمة ويوقظ آلاما وإعاقات وأعطاب نفسية لن تلتئم أبد الدهر( نحن دائما في 1975)
فما أقسى أحكام الجغرافيا.
إذ يمكن أن نغير كل شيء إلا الجغرافيا.. لأن الأرض تبقى دائما في مكانها .. ولا يمكن لأي شعب أن يحمل أرضه على ظهره ويرحل مبتعدا عن جار لا يرعى حرمة الجوار والتاريخ المشترك.
تكاد تكون هذه بعض تأملات سعيد بنهدي في الوقائع التي وجد نفسه أسير مجرياتها .. وإن لم يكن يجهر بها، فهي في كل ثنية من ثنايا المشاهد التي يعلن فيها إذانته لفضيحة الطرد. لقد أحسن الكاتب المبدع معمر بختاوي فعلا الاختيار، حين وزع الحكاية على هذه اللحظات الثلاث، إذ أنه بذلك التقط المفاصل الأساسية لهذا الحدث الصادم.
قلق ما قبل التهجير – جحيم التهجير – خيبة المهجرين تلك الخيبة الباردة، التي جعلتهم يتعلقون بكل الوجوه.. ويعلقون الأمل على أي حل .. حسب حظ كل أسرة منهم.
يقول سعيد بنهدي :
"نسينا كما ينسى المتاع الرخيص في بيت مهجور، والمحظوظون منا وجدوا عملا في أدنى السلالم، أو اشتغلوا حراسا ليليين .. والقليل منهم حاز على عمل وسكن وظيفي في المدارس التعليمية أو الشبيبة والرياضة أو التعاون الوطني.. والحاصلون منهم على شهادات تخندقوا مع جيوش العاطلين"87.
سيذوق سعيد مرارة أن يكون الإنسان من لا مكان، بلا هوية ولا أرض، هو الذي كان بأرضين وجنسيتين. فهناك قيل له أنت .. من هناك، وهنا يقال له أنت من هناك وليس هناك هنا .. ولا هنا هناك .، فلا أنت من هنا ولا أنت من هناك .. ففي الجزائر كان مهاجرا من المغرب وهو في المغرب مهاجر من الجزائر.
يقول سعيد :
- "سألني مصطفى ..
- هل كتب على جباهنا أننا مهاجرون ؟
أجبته
- كتب علينا الطرد من بلد .. والتشرد في بلادنا"88
لحظات سوداء ..تتخللها انفراجات صحو، وفجوات ضوء وهواء .. فجوات بين غمام المحنة وغمتها، تطل منها شمس ويطل منها قمر، فعلى الأقل قد تبتسم الشمس وقد يبتسم القمر لهؤلاء المهجرين قصرا بعد أن كشر العسس والحرس على أنيابهم وحرموهم الماء والهواء والسجائر والكلام ... شحنوهم كما تشحن البهائم والقوا بهم على الحدود كالمجذومين..
وإن يكن ..فعلى الأقل قد تبتسم شمس لهم ويبتسم قمر.
" جاء الناس من مدن مختلفة لاستقبال أحبائهم الذين عادوا خائبين مدمرين...يائسين وفي عيونهم اشتياق ولوعة إلى معانقة إخوانهم وأحبتهم الذين لم يروهم منذ زمن طويل.."82
يقول سعيد:
"وجدنا الشاي والخبز الساخن في انتظارنا..."82
فليكن ...ف " ريحة البلاد وكأس شاي مع الأحباب " شمس تدفئ القلوب وقمر يرحب بالعائدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.