أثار قرار وزارة الآثار المصرية بشأن خطة تهدف إلى تفكيك ونقل 55 منبرا من مساجد أثرية تعود إلى العصر المملوكي في القاهرة الإسلامية، جدلا واسعا بين الوزارة التي دافعت عن قرارها مؤكدة أنه يهدف إلى حمايتها من السرقة من ناحية، ومعارضين يرون أن القرار يدمر الآثار الإسلامية النادرة ويدعون إلى وقف تنفيذه. ويشير قرار الوزارة رقم 110 الصادرة في 20 فبراير/شباط 2018 إلى أن المنابر ليست معنية وحدها بالقرار، بل يشمل 60 قطعة أثرية أخرى موزعة بين مشكاوات ومقاعد أثرية لمقرئي القرآن وثُريات، بهدف حمايتها من السرقة. وكانت جريدة الأهرام المصرية أول من تناول القرار، الأمر الذي فجر سجالا بين الأثريين ووزارة الآثار المصرية. وكان خالد العناني، وزير الآثار، قد اجتمع بمسؤولين بالوزارة لاستعراض قرار اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية، التي أصدرت القرار في هذا الشأن، والتي سبق واعتمدت جدولا زمنيا اقترحه قطاع الآثار الإسلامية والقبطية لتوثيق وتسجيل المقتنيات الأثرية بالمساجد، ونقل مجموعة منها حفاظا عليها من السرقة، بحسب بيان وزارة الآثار. وقال مصطفي وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار: “عملية التسجيل الأثري للمنابر والمقتنيات الأثرية بالمساجد بسجلات قيد الآثار تجرى لأول مرة في تاريخ الآثار الإسلامية والقبطية وذلك في سبيل الحفاظ عليها ومنع العبث بها أو سرقتها”. وأشار البيان إلى حدوث سرقة منبر كامل من مسجد قايتباي الرماح بحي القلعة في القاهرة، منذ أكثر من تسع سنوات، فضلا عن تعدد سرقات حشوات المنابر. لذا جاء قرار تسجيل المنابر سديدا لحمايتها، بحسب وزيري. وكانت الوزارة قد أكدت خلال الاجتماع على عدم نقل أي منبر إلا بعد توثيقه توثيقا علميا، وتسجيله في سجلات قيد الآثار، وعرضه علي اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية لتحديد الحاجة إلى نقله من عدمه، “على ألا يتم نقل أي منبر أثري إلا في حالة الضرورة القصوى التي تهدد أمن وسلامة المنبر فقط”. وأشار البيان إلى التأكيد أيضا على “عرض حالة كل منبر على حدة على اللجنة الدائمة، التي تقرر البقاء في مكانه أو نقله في حالة الضرورة، على أن يكون العمل في حالة النقل تحت إشراف الإدارة المركزية للصيانة والترميم”. وبدأت تنفيذ القرار بتفكيك منبر مسجد القاضي أبوبكر بن مزهر، أحد أندر منابر المساجد المملوكية فى القاهرة التاريخية، وهو مصنوع من خشب الماهوجني والأبنوس ومرصع بالعاج، كما يحتوي على عبارة تشير إلى اسم صانعه. وأشار محمد عبد العزيز، المشرف على القاهرة التاريخية بوزارة الآثار، إلى أن المسجد في حالة معمارية سيئة وهو مغلق منذ أكثر من خمس سنوات ولا تُقام به أية شعائر دينية. وجاء قرار نقل المنبر “خوفا عليه من التلف أو السرقة لسوء الحالة التي كان عليها، وتفاديا لتأثير الرطوبة والحرارة السلبي على أخشابه، ذلك بالإضافة إلى تعرض جزء من حشوات باب المسجد للسرقة خلال شهر أبريل/نيسان الجاري”. في حين يرى معارضون للقرار، مثل الحملة المجتمعية للرقابة على التراث والآثار، أنه بمثابة تدمير للمقتنيات الأثرية التي لا تقدر بثمن أو قيمة، ويتهمون وزارة الآثار بالإهمال واتخاذها قرارات منفردة دون دراسة علمية. “تجريد الأثر من ملابسه” وأثار فك ونقل المنبر إلى مخازن متحف الفن الإسلامى بالقلعة بدلا من مخازن متحف الحضارة بمنطقة الفسطاط، تساؤلات عديدة، نظرا لأن المخزن، حسبما أشارت الصفحة الرسمية للحملة المجتمعية للرقابة على الآثار والتراث، “غير مؤهل لاستقبال قطع أثرية خشبية على هذه الدرجة العالية من الأهمية”. وقالت نرمين خفاجي، أثرية بوزارة الآثار، لبي بي سي إن القرار يفتقد إلى الشفافية ولا يأخذ في الاعتبار رأي الخبراء المعارضين داخل الوزارة نفسها، لاسيما وأن أي منبر داخل مسجد أثري هو جزء أصيل للأثر لايمكن انتزاعه بأي شكل. وأضافت :”تُتخذ مثل هذه القرارات بعيدا عن إجراء دراسة كافية تهدف إلى تحديد الأولويات بما يكفل التوصل إلى أفضل حلول ممكنة، إنها قرارات عليا تُفرض على الجميع بغض النظر عن دراسة أسباب اعتراض الخبراء داخل الوزارة”.. وقالت خفاجي :”تتعرض الكثير من الآثار الإسلامية والقبطية لحالات سرقة متكررة دون موقف واضح من الوزارة، فضلا عن تداخل الأدوار بينها وبين وزارة الأوقاف أيضا، مما يخلق تعقيدا إضافيا لمواجهة المشكلة، ويجعل التوصل إلى حلول من جانب صناع القرار بالغ الصعوبة، فضلا عن عدم وضوح من تقع عليه المسؤولية لاتخاذ الإجراءات المناسبة ومحاسبته في حالة التقصير”. وترى خفاجي أنه بدلا من إنفاق أموال على عملية تفكيك منابر وتخزينها، يتعين على الوزارة تجهيز الأماكن الأثرية جميعا، بما في ذلك المساجد الأثرية، بكاميرات مراقبة، مع تعيين فرق لحراسة الآثار بدلا من نقل الآثار إلى مخازن بعيدة عن أعين الجميع بحجة حمايتها من السرقة. وقالت سالي سليمان، باحثة في التراث المصري، لبي بي سي إن الأمر أشبه ب “تجريد الأثر من ملابسه”. وأضافت : “ثمة الكثير من التساؤلات حول الأمر، فإلى أين تُنقل المنابر؟ قالوا إنهم سيصنعون نماذج (مجسمات) للمنابر، فما هي الخامات؟ وكم تبلغ تكلفتها؟ وهل لدينا المهارات؟ وهل يوجد ضامن لاستكمال صناعة المجسمات وعدم التعلل بغياب التمويل (كما حدث من قبل)؟” وقالت سليمان إن صنع النموذج يستلزم وجود الأثر في حالته الأصلية، وهو ما يتنافى مع تفكيك المنبر، مشيرة إلى أن عملية النقل والتفكيك تمت بشكل غير احترافي، كما لا يوجد مكان في مصر، سواء متحف أو مخزن، يمكنه استيعاب 55 منبرا سوى مخزن القلعة، وهو مليء بالخفافيش والفئران والثعابين. وأضافت : “المواد المصنوعة منها المنابر مواد عضوية، تحتاج ظروف حفظ معينة، لا يمكن توافرها في المتاحف والمخازن المصرية. كما أن متحف الحضارة الذي يزعمون نقل المنابر إليه وُلد ميتا، ولا يمكنه استيعاب هذا الكم من المنابر والآثار”. في المقابل أكد مصطفى أمين، مساعد وزير الآثار للشؤون الفنية، أن مشروع التوثيق والتسجيل الحالي للآثار “يهدف إلى تسجيل وتوثيق كل المنابر الأثرية لأول مرة، وليس معناه أن جميع المنابر أو حتى معظمها سيتم نقلها، وأن القاعدة هي بقاء المنبر في مكانه الأصلي مع التنسيق مع وزارة الأوقاف لزيادة إجراءات التأمين”. وشهدت مصر العديد من عمليات سرقة الآثار خلال السنوات الأخيرة، لعل أبرزها اقتحام المتحف المصري، الذي يقع قرب ميدان التحرير بالقاهرة، أثناء ثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011. كذلك سرقة 18 قطعة أثرية من المتحف، من بينها تمثال مصنوع من الخشب المذهب للملك توت عنخ أمون تحمله إحدى الآلهة على رأسها، وأجزاء من تمثال آخر للملك توت وهو يصطاد السمك برمح. كما تعرضت المقابر والآثار المصرية لعمليات نهب وسرقة على مدى سنوات. ويقول خبراء إنه من المستحيل معرفة عدد القطع الأثرية التي سرقت، حتى إن بعض القطع الأثرية تسرق قبل أن توثّق أو يكشف عن وجودها، وإن العدد المعلن عنه دوليا لايتجاوز ثلث العدد الحقيقي.