الأطر الصحية بالرباط تجدد العهد على دعم فلسطين وتنظم وقفة تضامنية بمستشفى مولاي يوسف    مؤشر الحرية الاقتصادية 2025.. غياب النزاهة الحكومية وتصلب سوق الشغل يُفرملان نمو الاقتصاد المغربي    المغرب يطلق مبادرة إنسانية جديدة لدعم الأطفال الفلسطينيين في غزة والقدس    آلاف المغاربة يهتفون بإسقاط التطبيع ويستنكرون إبادة غزة في مسيرة وطنية بالرباط    مصدر ينفي تعرض موقع وزارة للاختراق    واشنطن بوست الأميركية: مقاتلو البوليساريو تلقوا تدريبات إيرانية ويقعون اليوم في قبضة السلطات السورية    القرعة تضع "الأشبال" بمجموعة قوية    مقابل 3 آلاف أورو للشخص.. تفكيك شبكة نقلت مئات المغاربة جوا لرومانيا ثم برا لإسبانيا    وفاة أستاذة أرفود متأثرة بإصابتها بعد الاعتداء الشنيع من طرف أحد طلابها    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    سلطنة عمان تدعم الوحدة الترابية للمملكة وسيادتها على كافة ترابها    أخبار الساحة    الوداد والرجاء يقتسمان نقط الديربي، والمقاطعة تفقده الحماس والإثارة    رشيد المرابطي يحطم الرقم القياسي لماراطون الرمال وعزيزة العمراني تفقد لقبها    في ورقة لمركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي .. مرسوم دعم المقاولات الصغيرة خطوة تعيقها معضلات التوزيع والبيروقراطية وهذه توصياته    لمحاولتهم اختطاف معارض لنظام تبون وشنقريحة .. فضيحة: فرنسا توجه الاتهام إلى ثلاثة جزائريين من بينهم موظف في قنصلية جزائرية    قطاع مكافحة سوء التغذية يحذر من «كارثة»    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين.. نزول أمطار بمنطقة طنجة    في قبضة القصيدة الأولى: ذاكرة النص الأول بعيون متجددة    بينبين مستاء من تغييب وزارة الثقافة له خلال معرض الكتاب بباريس    الصين تدعو الولايات المتحدة الى "إلغاء كامل" للرسوم الجمركية المتبادلة    الدرك الملكي يشن حملة أمنية واسعة عبر التمشيط بالتنقيط الإلكتروني    عبد الوهاب الدكالى يعود بجمهور الرباط إلى الزمن الجميل    مكتب الصرف يحقق في تهريب العملة من طرف منعشين عقاريين    غارة اسرائيلية دمرت بشكل شبه كلي المستشفى الأهلى "المعمداني" في غزة    طبيب: السل يقتل 9 أشخاص يوميا بالمغرب والحسيمة من المناطق الأكثر تضررا    اندلاع النيران في سيارة على الطريق الساحلية رقم 16 نواحي سيدي فتوح    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    درهم واحد قد يغير السوق : المغرب يشدد القيود على واردات الألواح الخشبية    الجزائر تستعين ب"ميليشيات رقمية" دولية لاستهداف مواقع حكومية مغربية    ريمونتادا للدفاع الجديدي في 7 مباريات وعمل جيد للطاقم التقني واللاعبين    محاميد الغزلان ترقص على إيقاعات الصحراء في اليوم الثالث من مهرجان الرحل    من خيوط الذاكرة إلى دفاتر اليونسكو .. القفطان المغربي يعيد نسج هويته العالمية    'واشنطن بوست': إيران دربت مسلحين من البوليساريو وسوريا تعتقل المئات منهم    المغرب وسلطنة عمان يؤكدان عزمهما على تطوير تعاونهما في شتى المجالات    الدورة السابعة للجنة المشتركة المغربية–العمانية تُتوّج بتوقيع مذكرات تفاهم في مجالات متعددة    الرباط تنتفض من جديد.. آلاف المغاربة في مسيرة حاشدة نصرة لغزة ورفضاً للتطبيع    دراسة: الجينات تلعب دورا مهما في استمتاع الإنسان بالموسيقى    تيفلت.. توقيف شخصين انتهكا حرمة مسجد في حالة تخدير    كرة القدم.. أكاديمية محمد السادس تفوز بمونديال سان بيير لأقل من 15 سنة بنانت    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم داخل القاعة – سيدات (المغرب 2025)..الناخب الوطني يوجه الدعوة ل 14 لاعبة للمنتخب الوطني المغربي    تحسن ملحوظ في نسب امتلاء سدود المغرب مقارنة بالعام الماضي        المغرب يستقبل 4 ملايين سائح في الربع الأول من 2025    مسرحية ديموغرافية بإخراج جزائري: البوليساريو يخدع الأمم المتحدة    مستقبل الصحافة في ظل التحول الرقمي ضمن فعاليات معرض GITEX Africa Morocco 2025    اجتماع هام بالرباط لدعم وتطوير البنية التحتية الرياضية بوزان    الدوزي يمنع من دخول أمريكا بسبب زيارة سابقة له للعراق    أمسية فنية استثنائية للفنان عبد الوهاب الدكالي بمسرح محمد الخامس    التكنولوجيا تفيد في تجنب اختبار الأدوية على الحيوانات    غموض يكتنف انتشار شائعات حول مرض السل بسبب الحليب غير المبستر    عبد الصمد المنصوري يحصل على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا    الذئب الرهيب يعود من عالم الانقراض: العلم يوقظ أشباح الماضي    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    









الورطة…
نشر في طنجة الأدبية يوم 20 - 04 - 2018

لايحب «سي عبد القادر» أن يبتعد كثيرا عن سكناه في نزهاته الصيفية. بعد تقاعده من مؤسسة السكة الحديد أصابه التعب وتسلل إليه الوهن. فقد القدرة على المشي لمسافات دون عكازه. يومياته صارت ضاجة بالروتين وحزمة الذكريات البعيدة. يكتفي بزيارات متقطعة إلى «با المعطي» بائع البطيخ الأصفر الذي يظهر في الشارع المحاذي لسكنه بداية شهر يونيو من كل سنة. يجلس بمحاذات سيارته القديمة من نوع «فورد» زرقاء اللون المحملة بالفاكهة الصيفية. يتبادل معه أحاديث مقتضبة ويشاركه تدخين غليون «سبسي » مستمتعا بالطعم المخدر ل«لكيف والطابا». تغمره فرحة، واحساس غامر بأن الدنيا لازالت بخير ومنتوجات الصيف لاتخطؤها العين في شوارع المدينة. «سي عبد القادر» لايتكلم كثيرا مع «با المعطي» أثناء عمله. يكتفي بتسلم الغليون بأدب وامتنان. يخاطبه « شكرا لك .. الله ايتوب عليك أبا المعطي». وسط سحابة الدخان، ونكهة الكيف والطابا القويين كان يفضل أن يتابع حركاته المتناسقة وملامح زبنائه بعين ثاقبة متلصصة. بشغف يحب أن يسبر غور آحاسيسهم الدفينة المرسومة على ملامحهم وهم يتحلقون أمام البضاعة. كانوا يستسلمون لطريقته في اختيار الفاكهة المكدسة أمامه. لكلامه السريع الذي يشبه لازمة لاتمل . لخفة يديه وهما تحتضنان كرات البطيخ من أحجام مختلفة ككرات لعبة الريكبي، قبل أن يقربها من أرنبة أنفه ليشمها بعمق يطبطب عليها براحة يده بلطف ثم يصيخ السمع ل «صدى» صوت قادم من داخل الفاكهة. تثيره كثيرا هذه الحركة. تذكره بخبرة، ولمسة مفتقدة في أسواق « السوبر ماركت» بالمدينة . كان يردد، وقد لفح لسانه الطعم الحاد للنبتة المحترقة في مقدمة الغليون « أن تتحسس المواد لتتأكد من أنها طازجة، فالمسألة لاتختلف عن تنسم النكهة المثيرة للكيف وهو يحترق ..».
لكن شريط يومياته الروتينية سيتوقف دون سابق إنذار في ذلك اليوم. في البداية فوجأ باختفاء البائع بغتة بعد نداء طارئ. ثم وهذا ما حز في نفسه أنه لم يعب حصته من الغليون الذي أشعله «با المعطي» قبل أن يختفي في الزحام . فراغ اللحظة، وحرمانه من فرصة التقاط أنفاس، دفعه إلى البحث عن وسيلة لاختبار قدراته في البيع واختيار بطيخة لأحد الزبناء وتقليد حركات البائع . كانت الزبونة شابة، أذهلته طلعتها الصيفية، وتنورتها القصيرة، وابتسامتها الرقيقة. الشابة ذات الشعر الأسود، لم تساومه في الثمن. اكتفت بابتسامة ماكرة . قالت « اختر لي بطيخة طازجة.. عفاك ». فكر سي عبد القادر. «أه من البطيخ الأصفر عندما تطلبه منك شابة حلوة». أبعد عنه طيف الفكرة، أما عودة المعطي فكانت تسكنه بقوة.
حبات البطيخ مكدسة بطريقة هندسية على شكل هرم في خلفية السيارة من نوع فورد «موديل» ثمانيني. بدا له مشهدها كجبل. كان تحديا حقيقيا. احتار أي حبة سيختار. يدرك جيدا أن «با المعطي» له دراية بالبطيخة الناضجة. لكنه تساءل في أعماقه. كيف سيهتدي إليها هل من لونها. وزنها، رائحتها..؟ ارتسمت الخيبة على محياه. وأظهر ضيقا خفيا. رمق الشابة وهي تداعب خصلات شعرها الأسود بغنج. حاول أن يقرأ جواب ما على شفتيها المغريتين. بدأت معالم التبرم تظهر عليها. امتعاض خفي رسم على جبينها. في تلك الأثناء قرر المغامرة، و اختيار البطيخة. كان في قرارة نفسه يتمنى أن يظهر «با المعطي»، لينتشله من ورطة لم يجد لها من عنوان سوى العجز عن أداء مهمة قد تبدو عادية جدا. مقابل تردده ، وانتظاره، وقف زبناء آخرون بالقرب من الشابة، رجل في عقده الخامس، ثم شاب كان يضع نظرات شمسية.. في الحقيقة كان يكفيه أن يعلن غياب صاحب البضاعة، لكن شروعه في ملامسة الحبات الصفراء المكدسة بعناية، وتجاذبه لأطراف الحديث مع الشابة، أوقعه في ورطة أن يبيع للجميع حبات الفاكهة. معرفته بعالم الفواكه جد محدودة، كان من الممكن أن يظهر براعته، ومعرفته الدقيقة بمكنون المواد الصلبة. صلابة القضبان الحديدية. الأسلاك النحاسية الموصلة للتيار الكهربائي. رافعة العربات والمقطورات.. خبرته في ذلك لاتقارن وتمتد لثلاثة عقود، شهادات التقدير من إدارته ثم اعتراف زملائه بذكائه في العمل كانت تزيد من حماسته. لكن هيهات فإزاء خبرات الماضي، وسنوات الكدح، لم يكن أمامه سوى التخلي عن «سلاحه»، والاكتفاء بلعب دور دونكيشوطي . لم يستسلم لمشاعر التردد. مد يديه إلى الفاكهة. حاول أن يصل إلى البطيخ الموجود في أعلى الهرم. أمسك إحداها بثقة منتاهية. شمها كما يفعل «بالمعطي». طبطب براحته عليها بلطف. قال « ليست هذه.. ولا هذه أيضا» لكنه وفيما كان يختلس النظر إلى الزبناء ومنهم الشابة. أطلق زفرة عميقة، ابتسم لكن بنرفزة، أعاد البطيخة إلى مكانها.. بحث عن أخرى.. قبل أن يمد يداه لالتقاطها، لمح الزبناء وهم يتراجعون إلى الوراء الواحد تلو الآخر بمن فيهم الشابة. تركوه وحيدا.. «تساءل باستغراب « لماذا انصرفوا، لمذا تراجعوا إلى الخلف ..». فاجأه ثلاثة أشخاص بزي موحد. يضعون أيضا قبعات موحدة. هو البوليس .. ترك البطيخة الصفراء في مكانها، أصابه الارتباك والتردد بينما كانت أيديهم، تفتش عن شئ ما بين البطيخ وسط الهرم. اعتقد في البداية أنهم يبحثون عن بطيخة ناضجة. أعاد عقارب ساعته إلى الوراء. استسلم لأوامر الثلاثة. فتشوا الحمولة. كان تفتيشهم دقيقا. لم يستغرق الأمر وقتا طويلا. اكتشف الورطة متأخرا . «بالمعطي» .. صاحب سيارة من نوع فورد زرقاء اللون، لم يكن بائعا للبطيخ الأصفر فقط، لم يعد. انتظره لساعات .. في مكانه على ناصية الشارع.. قبل أن يجد نفسه في بهو الكوميسرية ينتطره جلسة الاستنطاق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.