قبل أسبوع، أسفرت نتائج الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها التي جرت بإسبانيا عن فوز الحزب العمالي الاشتراكي الإسباني (يسار) وصعود مثير لحزب « فوكس » اليميني المتطرف الذي أصبح القوة السياسية الثالثة في البلاد إلى جانب التقهقر الكبير لحزب « سويدادانوس » الذي يمثل وسط اليمين. وكانت أكبر مفاجأة أفرزتها نتائج هذا الاقتراع هو الصعود المثير لحزب « فوكس » اليميني المتطرف الذي حصل على نسبة أصوات بلغت 15,09 في المائة ليظفر ب 52 مقعدا بمجلس النواب مسجلا بذلك زيادة قدرت ب 28 مقعدا مقارنة مع نتائجه في الانتخابات المبكرة ليوم 28 أبريل الماضي حين دخل لأول مرة في تاريخه إلى البرلمان الإسباني ب 24 مقعدا. العمال في ضواحي المدن والأرياف (فوكس) هو أحدث الأحزاب الإسبانية عهدا، برئاسة سانتياجو أباسكال، سعى دوما للوصول إلى العمال في ضواحي المدن والأرياف، في محاولة للخروج من الظل في بلد تأخر -ضمن المعايير الأوروبية- في احتضان اليمين المتطرف. وخسر آخر برلماني يميني مقعده في البرلمان عام 1982، وأحال الأكاديميون غيابهم، منذ ذلك الوقت، إلى الذكريات المؤلمة التي خلفتها الديكتاتورية اليمينية بعهدها الطويل، بالإضافة إلى بروز الحزب الشعبي المحافظ الذي سدّ الفراغ ما بين الوسط واليمين. بالمقابل، يرى البعض في حصول (فوكس) على المقاعد البرلمانية انحسارا للحواجز الشعبية، لا سيما وأن الحزب الذي لم يتجاوز عمره السنوات الأربع، في طريقه للدخول إلى مجلس النواب في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها عام 2020. الحكم الإسلامي واستعمار أمريكا ولطالما سخر الإعلام الإسباني من كل ما يتعلق بالحزب الحديث، وتحديدا دفاع الأخير وتمسكه بكل ما هو إسباني، بدءا بمصارعة الثيران، وليس انتهاء بالحنين إلى فترة إسقاط الحكم الإسلامي في القرن الخامس عشر من قبل مملكة قشتالة، والحنين أيضا لفترة استعمار القارة الأمريكية. كما يتبنى الحزب خطابا عنصريا للغاية ضد المهاجرين وخاصة المهاجرين من جنسية مغربية، الذين يشكلون أكبر جالية في الأندلس. وفي حديثه في مورسيا إلى قاعة تضم حوالي 1500 شخصا من أنصار حزب (فوكس)، حث أباسكال « الدول العربية الغنية » على أخذ المهاجرين المسلمين « الذين يفكرون بنفس عقليتها ويرغبون بفرض الشريعة الإسلامية ». وقال أباسكال لوكالة أسوشيتد برس: « أعتقد أن الوضع على ما يرام عندما يشكل المسلمون ما نسبته واحد في المئة من السكان، لكن المسلمين يشكلون حوالي 50 في المئة في الدول الأوروبية ». صعود اليمين المتطرف ومثل الكثير من الزعماء الشعبويين الآخرين، يقترح أباسكال إضعاف الاتحاد الأوروبي، حيث يتم التحكم بالهجرة « وفقا للمصالح الاقتصادية الوطنية والقرب الثقافي ». من جهة أخرى، يجد (فوكس) صعوبة في التواصل مع نظرائه الأوروبيين من أحزاب اليمين المتطرف، لا سيما بسبب تعاطف بعض تلك الأحزاب مع فكرة انفصال إقليم كتالونيا، وهو الأمر الذي يعارضه (فوكس) بشدة. لكن ذلك لا يزعج رئيس الحزب كثيرا، إذ يعتبر أن هذا الرأي يشبه مزاج الناخبين قابل للتغيير، وأن « فوكس يواصل التقدم لأنه معني بالمشاكل الإسبانية » وأن ارتباطه مرتبط بتراجع الآخرين أيضا ». ولا تكمن أهمية نتائج انتخابات إقليم الأندلس في دلالاتها وتبعاتها المحلية، بقدر ما تكمن في سياقاتها الأوروبية والغربية عموما، حيث تشهد أغلب الدول الأوروبية صعودا كبيرا لقوى اليمين المتطرف. فرنساوهولندا وألمانيا والنمسا.. وخلال الفترة الأخيرة حققت هذه القوى نتائج انتخابية غير مسبوقة، بالتوازي مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، واستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016. ففي وقت سابق هذا العام، شهدت إيطاليا تشكيل حكومة ائتلافية بين حزب « الرابطة » اليميني المتطرف وحركة « خمس نجوم » (المناهضة للمؤسسات)، بعد تصدرهما نتائج الانتخابات التشريعية الإيطالية. وفي هولندا، حل حزب « الحرية »، برئاسة خيرت فيلدرز، في المركز الثاني في الانتخابات، وبات ثاني أكبر قوة في البرلمان لحصوله على 20 مقعدا. كما وصلت اليمينية المتطرفة مارين لوبان في فرنسا للجولة الرئاسية الثانية العام الماضي، قبل أن تشهد أوروبا صدمة أخرى في الانتخابات التشريعية الألمانية، مع صعود تاريخي لحزب « البديل » ودخوله البوندستاغ (البرلمان الألماني) إثر تحقيق 12.6 في المئة من الأصوات. حزب « الحرية » النمساوي حصد هو الآخر 26% من الأصوات، ونجح في الوصول إلى الحكم ضمن ائتلاف مع حزب المحافظين.