مترددا، متوجسا، متهيبا أقترب، لا أريد أن أزعج راحتك حيث أنت الآن. أخشى أن أقترب من دمك أو من رمادك سيان، أريد أن أعزي أبويك المفجوعين وأخشى أن أغمس قلمي في حبر المواساة البعديَّة البليدة، أن أبدو مثل صاحب الهاتف « الذكي » الذي لم يحرك يديه إلا كي يحظى بسبق تصوير احتراق جسدك الغض. أسائل نفسي: ما الذي كان بإمكاني أن أقوم به من « بطولات » لو كنت على مقربة من المحرقة؟ هل أقول كلنا مسؤولون ؟ ربما عليَّ أن أقول ما يمليه الألمُ الممض هنا والآن، دون أن أتقمص دور الحكيم الراجح العقل بعد أن يكون القدر – أو الصدفة، لا فرق – قد دمر كل شيء وأصدر حكمه الذي لا يقبل الاستئناف من أحد… نعم، مسؤولون. وهذه لائحة مسؤولياتنا ومسؤولينا – الجهة التي تسمح ببناء العمارات السكنية دون مخارج للنجاة، وتسمح بوضع القضبان الحديدية التي تغلق النوافذ المعدّة أصلا لتبقى مفتوحة للطوارئ، – الجهة التي تنظم الإنقاذ والوقاية المدنية ولا تحيِّنُ تداريب نسائها ورجالها من أجل التأقلم مع أوضاع العمارات القائمة في حالة التدخل السريع، ولا توفر مطافئ القرب، – الجهة التي لا تقيم ما يكفي من الحدائق والملاعب والمكتبات لتستقبل أوقات فراغ أطفالنا حيث يحكم عليهم أن يبقوا رهائن دائمين داخل علب الإسمنت المسماة مساكن اقتصادية، – الآباء والأمهات الذين لا ينتبهون للأخطار المحدقة بأطفالهم القاصرين داخل المنازل أو لا يقضون ما يكفي من الوقت إلى جانبهم، – مروجو ومقتنو الأدوات الإلكترونية البخسة الثمن والفائقة الأخطار، – مستعملو الهواتف « الذكية » في اقتناص صور المآسي عوض التدخل لإنقاذ الضحايا، – مروجو الفيديوهات الشوهاء عن مآسينا والتي تُتَداول باستخفاف واستهتار قلَّ نظيره، هذا غيض من فيض العوامل والمسؤوليات، نماذج الأطفال الذين يعيشون نفس ظروف « هبة » موجودون بالآلاف بيننا… وعلينا جميعا التحرك اليوم قبل الغد كل بحسب مجال مسؤوليته، وفي المقدمة من الجميع مؤسسات الدولة المعنية، في الواقع يلزمنا الكثير كي نستحق « هبات » السماء التي لا تعد ولا تحصى