تعيش مدينة الخميسات على واقعة تقشعر لها الأبدان،وتُدمي لها العين،بسبب الذين ألقوا تحية الوداع وانتهوا بالخسارة….إنهم أبناء المنطقة التي لا تتسع لهم ولا تحتاج إليهم، وقد يكون ازديادهم الجغرافي بها كان عن طريق الخطأ،وهو السر الذي جعلهم يُقررون ما أقدموا عليه من قرار ميؤوس منه، بالفعل يبقون شباب الخسارة هكذا يتم تسميتهم أو هكذا يظنون،شباب قد يشكل ثقل على المنطقة ودفعهم الى الهجرة بحثاً عن لقمة عيش أمام غياب كبير للشغل وأمام فراغ قاتل…… وإنه بالرغم من هذه الخسارة القاسية، ومن هذا الفراغ الثقيل جداً،ستمضي ايام وستُطوى هذه الصفحة كأن شيء لم يكن،وكأنها سحابة ثم انقشعت،لأنهم هم الذين اختاروا سفرهم الأخير،بعد أن اقتنعوا بالواقع الميؤوس منه، واختاروا ما اختاروه، بعد تفكير عميق، ثم انتهى القول،لكن في الحقيقة،ستبقى هذه المغادرة في جلال الذاكرة،وسيسجل التاريخ بختم الكلمة ومشقة الموقف، وخطر التحدي،وصدق من قال لا يعرف الشوق إلا من يكابده. بُكاء حزين أمام مبنى صامت على هؤلاء الذين لم يعد لهم مكان إقامة في أي مكان،وقد كان المتنبي صادقا حينما اختصر الأزمنة باحتضان العاطفة لتحولات الأيام… الصمت الجليل يسكن المدينة، فعلا مدينة منسيّة….لا أحد قد يقف معها، ويُفكر في مستقبلها،شبابٌ ضائع، وأسر تائهة….شارعّ واحد ووحيد،والعربات التي تأتي من البوادي لا تزال تملأ شوراعها…هذه هي مدينة الخميسات لمن لا يعرف عنها شيئا….هزلت…. إقليم فقط بالإسم، وهو الإقليم الذي كُتب عليه أن يتأخر مديداً،إقليم يحتاج لتنمية أبدية…..إقلييم يحتل طريق إستراتيجية وفق الخريطة الجغرافية،إقليم تابعة له مناطق سياحية،ولا أحد وضع خطة مُحكمة ومستجيبة لاستغلال هذه المناطق لخلق فرص الشغل وتفعيل مبادرات تنموية….للأسف نهاية الشباب كهذه تشبه أفولاً في عز الظهيرة، ليلاً في وضح النهار… كانت المغادرة كافية على أن تميط اللثام عن هذه الحقائق المثيرة،أمٌ قد تكون حُرمت حتى من تحية الوداع، والبكاء على الابن الضائع في مقتبل العمر وقد يمنح لبلده الكثير،لكن المسؤولين عن بلده،ومنطقته لا يحسون أصلا بوجوده. كانت «الخميسات» قليلة القضايا والأحداث،لكن عبر توالي الكوارث أصبحت معروفة بأنها من المدن المهمشة،فبالأمس يُحكى عن نجاح العدالة والتنمية فتحالفت مع الذي أرادوا إزالته بطريقة ديمقراطية،وبعدها بقيت إرادتهم الشعبية مبتورة أو مُهملة، وبعد أيام مضت اعتلت منصة الكلام المتضارب، والجديد الطازج،قضية الفنانة نجاة اعتابو،إعلاميا ومحليا وقد عرّت عن الواقع الميؤوس منه،وبالتالي هذه الأحداث التي تعاقبت كانت جميلة جداً لأن الزلزال السياسي لئن ضرب الحكومة فلا تزال العديد من المدن والمناطق تنتظره بفارغ الصبر،ليضرب من جديد المسؤولين الكسالى الذين يعتقدون العملية الانتخابية مجرد غنيمة ،وكعكة في ظرفية يتم الاشتغال عنها في كل محطة من محطاتها….. لقد غادرنا الضحايا،وسيطويهم الزمن في الأيام القادمة، وسيحس الأسر بأن الأقدار هي من كانت وراء ذلك،لكن في الواقع وفي الحقيقة أين هي المراقبة في المكان الذي حدث فيه الحادث،وكيف تم السماح لهؤلاء بالمغادرة وحياتهم في خطر،ثم ألا يستدعي الأمر فتح تحقيق شامل حول هذه القضية؟ ويا ليت هذا التحقيق أن لا يتأخر،لكن كل شيء من هذه الفاجعة سيُدفع إلى الخاتمة، وستموت هذه الفاجعة هي الأخرى واقفة كالأشجار،كأن كل شيء قد انتهى وأن هم الذين إختاروا المغامرة بأرواحهم، والاقدام على المخاطرة، إن هذه الحادثة المؤلمة ستصبح مجرد تخريف… سياسة الأحزاب البئيسة والغير الأخلاقية دمرت كل شيء…البراءة اغتالها أهلها،والمصداقية تراجعت إلى حدود النهاية،فأصبح الإقليمي أو المحلي غريب جداً،حقيقته مكتظة بالتوحش…. فماذا بقي ل «شباب» في هذا الإقليم؟ ما كان ممكناً أن يبقى، وقد شارفت المعرفة العلمية على النهايات،فبعد طريق البحث العلمي والتكوين المهني يتم العدل عن كل هذه الخطوات لينقلب الشخص باحثا عن لقمة عيش بلا مذاق،وسبب كل هذا التحديات الجامعية الميؤوس منها،تلك المنظومة التربوية التي لطالما أُصلحت تصبح في عمقها فاسدة أكثر مما تم اصلاحها،وهذا هو الزمن الممسوس بعدمية قاتلة،وسيتحرك الضمير في المسؤولين الصادقين،والذين لا صدق لهم تأتي الموت بغتتة ولا تؤخر أحداً.