بعيدا عن المزايدات السياسية والحسابات الضيقة والخطابات الرنانة العاطفية والشعبوية التي ضيعت على بلدنا زمنا سياسيا وفرصا ثمينة للمضي نحو تنمية حقيقية مندمجة جهوية تعتمد حس الكفاءة والنجاعة والفاعلية ، وجب علينا ان نقف اليوم وقفة تامل ونقد ذاتي نلتمس فيها المسار السياسي الصحيح للمضي نحو العمل الوطني التطوعي من اجل الصالح العام ومن اجل المواطن الذي هو مركز كل تنمية . دستور 2011 متقدم على الواقع السياسي : يعلم الجميع على ان بلدنا مر من سياق استثنائي جسده الحراك الشعبي ومطالبته باصلاحات شاملة في العديد من الميادين وكانت استجابة النظام السياسي المغربي في محلها حيث تبنى اصلاحات دستورية مهمة كانت عنوان المرحلة والتي يجب تنزيلها على ارض الواقع والالتزام بمقتضياتها سواء المتعلقة بعمل السلطات العامة وعلاقتها فيما بينها وعمل الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية او المتعلقة بالحقوق والحريات او المتعلقة بالمجالس الاستشارية … ويبقى روح ورؤية دستور 2011 اهم ما يجب ان يتمثله الفاعل السياسي ويضعه كاطار مرجعي لفعله السياسي المؤسسي منضبطا للمبادئ الاساسية التي جاءت الوثيقة الدستورية على تاكيدها . على عكس ذلك بدت النخبة السياسية كانها خارج روح الدستور وسياقه (اتحفظ على التعميم بخصوص النخبة السياسية ) ، من خلال ممارسات وخطابات سياسية ضيقة ، والتملص من المسؤولية الملقاة على عاتقهم كفاعلين سياسيين مدبرين للشان الوطني او المحلي حيث لم يكونوا في مستوى سياق المرحلة والرؤية الاستراتيجية التي وضعتها المؤسسة الملكية نحو دولة برلمانية جهوية تتحقق فيها التنمية والحكامة الترابية والمجالية . اكد المجلس الاعلى للحسابات في اطار العديد من تقاريرها على اختلالات كثيرة تشوب عمل الجماعات الترابية وبعض المؤسسات العمومية مما يؤكد على ما سلفنا بذكره . كذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كمؤسسة استشارية رفعت العديد من التقارير السنوية الى المؤسسة الملكية مبرزة العديد من المؤشرات السلبية التي سلطت عليها الضوء والمتعلقة بمجالات متعددة . العديد من الممارسات السياسية واللاوطنية جعلت خطابات الملك تتوسل النقد احيانا والتوجيه احيانا اخرى . الخطابات الملكية : نقد للنخبة السياسية وعمل الادارة منذ دستور 2011 لاحظنا عزم جلالة الملك على مواصلة الاصلاح والمضي ببلدنا نحو التقدم والنمو مستكملا الاوراش التي بداها منذ توليه العرش ومدشنا لمرحلة جديدة وعهدا جديد في مغربنا المعاصر ، ويمكن ملاحظة ذلك في تغير لهجة واسلوب الخطاب الذي توسل النقد من اجل الاصلاح والبناء ولفت الانظار على مكامن الخلل واستشراف المستقبل . العديد من الخطابات انتقدت عمل الادارة والمؤسسات المنتخبة ببلادنا لعدم قدرتها على مواكبة الاصلاحات التي دشنها وهذا ما يفسر ما جاء مؤخرا في الخطابين الاخيرين للملك ، وما اثار اهتمامي في هاذين الخطابين هو تاكيده على سلبية العمل السياسي وتركيزه على مسالة العقليات المتجاوزة والتي تجاوزها الزمن والسياق ، وايضا مراهنته اليوم على القطاع الخاص وادواته الناجعة والفعالة مقابل القطاع العام الذي لم يعد قادرا على مواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية بادواته . هذا النقد الواضح كان في سياق يعرف فيه المغرب لاسيما في الريف احتجاجات شعبية مطالبة بتنمية المنطقة ، وبدل ان تتعامل النخبة السياسية والمنتخبة والادارة مع مطالب الاحتجاج تملصت من مسؤولياتها . وقد كشف التقرير الذي اعده المجلس الاعلى للحسابات بطلب من الملك على العديد من الاختلالات التي شابت اعداد وتنفيذ مشروع تنموي طموح الا وهو مشروع الحسيمة المنارة المتوسط والذي لو تم التعبئة له جيدا وتنفيذه لما كانت الاحتجاجات اصلا. وعلى اثر هذا التقرير صدر من الملك اعفاء للوزراء الذين يدبرون القطاعات الشريكة في هذا المشروع ومن الحكومة السابقة معلنا اولى هزات الزلزال السياسي الذي يقودها الملك في اطار ربط المسؤولية بالمحاسبة . المنظور السياسي الجديد : اغاراس اغاراس ، العمل والمعقول منذ التحاق الاخ عزيز اخنوش بقيادة حزب التجمع الوطني للاحرار ، تمظهرت العديد من المؤشرات الايجابية في تعامل القيادة التجمعية مع سياق المرحلة ، وترسيخها في مناضلات ومناضلي الحزب ، وكانت اول المؤشرات اعادة هيكلة الحزب وخلق دينامية في صفوف مناضليه واعمال الديمقراطية الداخلية التمثيلية والتشاركية وتعبئة الحزب على المسير نحو استراتيجية اغاراس اغاراس. وكانت اولى الخطوات تعيين كفاءات وطنية ودولية على راس منسقي الحزب ، ومؤخرا تمت تزكية كفاءات في الانتخابات الجزئية ، فعلى مستوى جهة سوس ماسة فاز كل من الاستاذ الجامعي بليلا والكفاءة الاقتصادية المقاول الولاف بمقعدين من دائرتي تارودانت الشمالية واكادير اداوتنان بالاضافة الى معطى جد ايجابي في عمل الحزب تمثل في تطوع مناضليه عل مستوى الجهة لمساندة المرشحين في حملاتهم . فهذه الدينامية الجديدة من ذاخل الحزب لدليل على ان العمل السياسي المستقبلي سيكون مع كفاءات سياسية واقتصادية قادرة على مواكبة رهانات المرحلة وتجسيد الرؤية الاستراتيجية المستقبلية ، فشعار العمل والمعقول ليس عبثيا بل هو عنوان المرحلة ، فالعمل هو ضرورة المرحلة من اجل حل الاشكاليات المرتبطة بالبطالة والفقر والهشاشة وهذا العمل لن يكون الا مع نخبة قوية منسجمة تضم كفاءات قادرة على تلمس الحلول العملية بدل الخطابات الشعبوية والقادرة على التدبير العقلاني للشان الوطني والمحلي بحس الفاعلية والنجاعة بدل حس المزاجية والصراع السياسي الضيق وذلك كله من اجل بلد قادر على تحقيق التنمية المنشودة . باحث في العلوم السياسية بجامعة ابن زهر اكادير *