يُتوقع أن يسجل الاقتصاد العالمي مزيدا من التباطؤ العام المقبل، كما أعلن صندوق النقد الدولي في مراجعة لتوقعاته فيما تعاني الدول من تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا وارتفاع كلفة المعيشة وتراجع الاقتصاد. ومني الاقتصاد العالمي بانتكاسات عدة، إذ تسببت الحرب في أوكرانيا بارتفاع أسعار السلع الغذائية والطاقة وجاءت في أعقاب تفشي جائحة كوفيد، بينما يهدد ارتفاع الأسعار ومعدلات الفائدة بتبعات في مختلف أنحاء العالم. وكتب المستشار الاقتصادي لصندوق النقد الدولي بيار أوليفييه غورينشا في مدونة ترافقت مع صدور تقرير "التوقعات الاقتصادية العالمية" الأخير للصندوق أن " الصدمات هذا العام ستنكأ الجراح الاقتصادية التي التأمت جزئيا في مرحلة ما بعد الوباء". ونبه إلى أن أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي ماض نحو ركود في العام الحالي أو المقبل، وبأن أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم، الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، "ستستمر في التعثر". وقال غورينشا إن "الأسوأ لم يأت بعد، وكثير من الناس سيعانون في العام 2023". وتابع قائلاً: والآن وقد بات الاقتصاد العالمي قريبا من مواجهة موجة عاصفة، حان الوقت لقيام صناع السياسات في الأسواق الصاعدة بسد الثغرات، وعلى صناع السياسات التحلي بالصمود في ظل تكاثف الغيوم على الاقتصاد العالمي إيذانا بالعاصفة". وتظل مخاطر التطورات السلبية تلوح عاليا في الآفاق، بينما ازدادت صعوبة المفاضلة بين السياسات اللازمة لمواجهة أزمة تكلفة المعيشة. وفيما يلي بعض المخاطر: أصبحت احتمالات الخطأ في معايرة السياسات النقدية وسياسات المالية العامة والقطاع المالي كبيرة للغاية في ظل حالة عدم اليقين السائدة ومواطن الهشاشة المتنامية. ومن الممكن تدهور الأوضاع المالية العالمية وارتفاع قيمة الدولار مجددا حال وقوع اضطرابات في الأسواق المالية، مما سيدفع المستثمرين إلى الاستثمار في الأصول الآمنة. وسيؤدي ذلك بدوره إلى زيادة هائلة في الضغوط التضخمية ومواطن الهشاشة المالية في باقي أنحاء العالم، ولا سيما في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ويمكن أن تكون الموجة التضخمية أطول أجلا من المتوقع كما حدث في السابق، لا سيما إذا استمرت حالة الضيق الشديدة في أسواق العمل. وأخيرا، لا تزال الحرب في أوكرانيا على أشدها، ويمكن أن تؤدي مواصلة التصعيد إلى تفاقم أزمة الطاقة. خفض توقعات النمو وخفض الصندوق في تقريره توقعاته للناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2023 إلى 2,3 بالمئة، أي أقل ب 0,2 نقطة مئوية مقارنة بتوقعاته في تموز/يوليو. وأبقى على توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي عند 3,2 بالمئة خلال 2022. ورأى أن مشهد النمو العالمي هو "الأضعف" منذ 2011، باستثناء ما كان عليه خلال الأزمة المالية العالمية وأسوأ فترات الجائحة، بحسب الصندوق. وهذا يعكس تباطؤا بالنسبة لأكبر الاقتصادات، ومن ضمنه انكماش الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في النصف الأول من 2022، وتدابير إغلاق في الصين مرتبطة بالحد من الجائحة تضاف إلى أزمة في سوق العقارات. وسجلت أسهم وول ستريت تراجعا لدى بدء المداولات على وقع صدور تقرير الصندوق، فيما قال بنك انكلترا إنه بصدد توسيع نطاق المشتريات اليومية للسندات الحكومية البريطانية أو سندات القروض بفائدة ثابتة حتى يوم الجمعة سعيا لتهدئة الأسواق بعد ارتفاع عائدات السندات وهبوط الجنيه الاسترليني. ومن العوامل الرئيسية التي تقف وراء التباطؤ، تحول في السياسات إذ تسعى بنوك مركزية إلى خفض التضخم المتصاعد، فيما ترخي أسعار الفائدة المرتفعة بثقلها على الطلب المحلي. والضغط الذي يمثله ارتفاع الأسعار هو أكبر تهديد مباشر للازدهار، على ما يقول غورينشاس في التقرير، مضيفا أن مصارف مركزية "تصب كل تركيزها على ارساء استقرار الأسعار". ويتوقع أن يرتفع التضخم ليبلغ 9,5 بالمئة هذا العام، قبل أن يتراجع إلى 4,1 بالمئة بحلول 2024. لكنه حذر من أن سوء تقدير استمرار التضخم قد يضر باستقرار الاقتصاد الكلي في المستقبل "من خلال تقويض صدقية البنوك المركزية التي تحققت بشق الأنفس". وفيما التحديات الحالية لا تعني أن حدوث تباطؤ كبير أمر لا مفر منه، فقد حذر الصندوق أيضا من أن الكثير من البلدان منخفضة الدخل إما تعاني من ضائقة ديون أو قريبة من ذلك. ومن الضروري إحراز تقدم نحو إعادة هيكلة الديون للفئات الأكثر تضررا لتجنب أزمة ديون سيادية. وقال غورينشا "قد ينفد الوقت قريبا". تباطؤ الاقتصاد الأمريكي خفض صندوق النقد الدولي توقعاته أيضا لأكبر اقتصادين في العالم، الولاياتالمتحدةوالصين. وسيبلغ نمو الاقتصاد الأمريكي بحسب التوقعات 1,6 بالمئة هذا العام، أي أقل بمقدار 0,7 نقطة عن توقعات تموز/يوليو، وذلك بسبب انكماش غير متوقع هذا العام. وقال صندوق النقد إن "تراجع الدخل الحقيقي المتاح يستمر في الإضرار بطلب المستهلك، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة يؤثر بشكل كبير على الإنفاق". ويعمل الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) على رفع معدلات الفائدة للسيطرة على التضخم المتصاعد الذي يتسبب في تباطؤ النشاط الاقتصادي. وقال البنك المركزي إنه من المرجح الإعلان عن قرارات أخرى برفع الفائدة. وتوقع الصندوق مزيدا من التباطؤ في منطقة اليورو العام المقبل، وأن يسجل النمو في الصين أدنى مستوياته في غضون عقود، باستثناء ما سجله في أوائل فترة الجائحة. ويتوقع أن يسجل الاقتصاد الصيني نموا بنسبة 3,2 بالمئة هذا العام، أي أقل بقليل مقارنة بالتوقعات السابقة. وحذر الصندوق من أن تدهور قطاع العقارات قد ينعكس على قطاع المصارف المحلي ويرخي بثقله على النمو.