أصبحت القارة الافريقية، في السنين الأخيرة، بفعل عدد من العوامل السياسية (مسلسل الانفتاح الديمقراطي وظهور طبقة متوسطة جديدة) والاقتصادية (تحسن أسعار المواد الأولية وتحسن مناخ الأعمال)، تعرف نموا اقتصاديا قويا جعلها في قلب المعترك الاقتصادي الدولي وأرضية للتسابق بني الدول الأوربية وأمريكا والصيني. المغرب، وبحكم موقعه في مفترق طرق الأسواق العالمية، وفي علاقاته مع دول القارة ينطلق من منظور استراتيجي متجدد ومتكامل حدده جلالة الملك في أكثر من مناسبة، مبني من جهة على تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية جنوب-جنوب، عبر اعتماد افريقيا على مقوماتها وقدراتها الذاتية، والسعي من جهة اخرى إلى ترسيخ علاقاته التاريخية مع بلدان القارة عبر مبادرات تشمل الحقل الديني والإنساني والتنموي. في إطار التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي الذي يشكل رافعة مهمة في استراتيجية المغرب بإفريقيا، عقد المغرب ومنذ الستينات من القرن الماضي أكثر من 500 اتفاق للتعاون مع دول إفريقيا. كام سمحت زيارات جلالة الملك لعدد من دول القارة بوضع الإطار القانوني الملائم لتطوير علاقات الاستثمار والأعمال بني المغرب ومختلف شركائه الإفريقيين، ومن تنويع مجالات التعاون. تستند الاستراتيجية المغربية في إفريقيا على تعاون مالي متطور ومستمر يرتكز على تدخلات الوكالة المغربية للتعاون الدولي، وعلى تعزيز الانفتاح التجاري (أبرم المغرب 14 اتفاقية من نوع الدولة الأكثر رعاية و 6 اتفاقيات تجارية وجمركية) بالإضافة لتشجيع الاستثمارات من وإلى إفريقيا (18 اتفاقا ثنائيا لحماية وتشجيع الاستثمار و 9 اتفاقيات تفادي الازدواج الضريبي). ويتجلى كذلك هذا التعاون من خلال إلغاء ديون الدول الإفريقية الأقل نموا. ماذا عن النتائج؟ بلغة الأرقام، انتقل حجم المبادلات التجارية بني المغرب وإفريقيا من 10 إلى 37 مليار درهم خلال الفترة ما بني 2004 و 2014، ووصلت الصادرات المغربية نحو افريقيا جنوب الصحراء 11.7 مليار درهم سنة 2013، مقابل 2.2 مليار درهم سنة 2003. كما مكنت استراتيجية المغرب، مدعومة في ذلك بالانتشار الواسع و المستمر للقطاع البنكي المحلي في السوق الإفريقية، بالإضافة إلى دعم برامج التنمية البشرية من أن يصبح، خلال بضع سنوات، ثاني أكبر مستثمر إفريقي في القارة بعد جنوب إفريقيا. وتشمل هذه الاستثمارات قطاعات متنوعة ذات قيمة مضافة كبيرة (البنوك، البناء والأشغال العمومية، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات…). ومع ذلك، فإن وزن المغرب التجاري يظل ضعيفا في هذه القارة حيث أن حصته في السوق الافريقية جنوب الصحراء لا تتعدى 0.3%، وباستطاعته أن يلعب أدوارا مهمة في حالة اعتماده التعاون الثلاثي، حيث سيمكنه من وضع خبرة المقاولات المغربية رهن إشارة مشاريع التنمية بالقارة. وأظهر التحليل الاستراتيجي للمبادلات التجارية حسب القطاعات الاقتصادية فرص نمو كبيرة للصادرات اتجاه دول القارة، لكن تحقيق هذه الطفرة يظل رهينا بتأهيل البنى التحتية التجارية وتحسني المناخ القانوني المنظم للعلاقات التجارية والاستثمارات مع دول القارة.