يعد تعزيز روابط التضامن والتعاون بكل أبعادهما مع القارة الافريقية التي تشكل محورا رئيسيا من السياسة الخارجية المغربية كما حددها صاحب الجلالة الملك محمد السادس تعبيرا متجددا على الطابع الإفريقي للمغرب الذي يندرج في سياق استمرارية تاريخية عمادها العديد من المبادلات المثمرة على مستويات عدة. وتشكل الزيارات المتعددة التي قام بها جلالة الملك إلى مختلف الدول الافريقية دليلا على الإرادة الملكية لترسيخ وتعميق جذور "الشجرة المغربية" بشكل أكبر في القارة التي ينتمي إليه بفعل الروابط المنسوجة عبر قرون من التاريخ.
وتبرز هذه الزيارات أيضا الإهتمام الخاص الذي يوليه جلالة الملك منذ تربعه على العرش لتعزيز التعاون جنوب-جنوب بإحاطة افريقيا بعناية خاصة على اعتبار أن القارة تشكل امتدادا طبيعيا وجغرافيا-سياسيا للمغرب.
وتتجدد هذه الشراكة الاستثنائية، التي بنيت قديما من خلال المبادلات الثقافية والدينية، عبر الزمن وباتت تقوم حاليا، من أجل ضمان ديمومتها، على تعاون اقتصادي رابح-رابح وكذا على التنمية البشرية وتقاسم التجارب.
وعلى مر العصور، شكل التعاون الاقتصادي والتجاري على الدوام رافعة عمل بالغة الاهمية لاستراتيجية المغرب إزاء افريقيا جنوب الصحراء.
وقد أبرم المغرب، ثاني مستثمر افريقي بإفريقيا حاليا، منذ ستينيات القرن الماضي عشية حصول عدد كبير من الدول الافريقية على استقلالها، سلسلة من اتفاقيات التعاون الثنائية البالغة الأهمية مع هذه الدول عبر رسم إطار قانوني مناسب.
وسواء حملت طابعا كلاسيكيا أو تفضيليا، فإن هذه الاتفاقيات تهدف إلى تعزيز وتوطيد حصص السوق المكتسبة وتنويع المبادلات التجارية .
وقد تم إحداث لجان مختلطة او إعادة تنشيط بعض الاخر منها وخاصة خلال الزيارات الملكية الأخيرة لافريقيا. كما ان كثافة الجهود المبذولة، حيث يتم إدراج القطاع الخاص بشكل متزايد، جعل افريقيا منطقة مهمة لاستقبال المستثمرين المغاربة.
وفي 2014، تم التوقيع على عشرات الاتفاقيات خلال الجولة الملكية التي شملت مالي وكوت ديفوار وغينيا والغابون همت مجالات اقتصادية وسياسية وحتى دينية.ويستفيد أئمة من غينياومالي والكوت ديفوار حاليا من تكوين ديني بالرباط.
وفي يناير 2015، أبرمت اتفاقات تعاون مع أبيدجان بمناسبة زيارة الرئيس الحسن وتارا الى المغرب، كما تم التوقيع على اتفاقيات تعاون خلال زيارة جلالة الملك الأخيرة للسنغال وغينيا بيساو والكوت ديفوار والغابون.
وعلى المستوى الاقتصادي، هم أزيد من نصف الاستثمارات الخارجية المباشرة للمغرب افريقيا خلال السنوات الخمس الاخيرة بحجم بلغ 1,5 مليار أورو بحسب المكتب المغربي للمبادلات، وكانت الرباط نشيطة جدا على هذا المستوى لا سيما في قطاعات العقار والبنوك والاتصالات.
وحينما بدأ وباء إيبولا يضرب في غرب افريقيا خلال العام الماضي، كان المغرب من خلال الخطوط الملكية المغربية البلد الوحيد الذي أبقى على مختلف رحلاته الجوية مع ثلاث دول تضررت من هذا الوباء (غينيا وليبيريا وسيراليون).
وعلى مستوى التعاون الجامعي، ضاعف المغرب لثلاث مرات في خمس سنوات عدد الطلبة الأجانب على أراضيه، إذ تحتضن المملكة 7500 طالب، 68 في المئة منهم أفارقة من 40 دولة بالقارة،ويستفيد 85 في المئة من هؤلاء الطلبة من منحة تمنحها الوكالة المغربية للتعاون الدولي.
من جهة أخرى، وبالنظر الى أهمية ما يقوم به المغرب في فضائه الإفريقي والذي جعل من التعاون جنوب-جنوب آلية استراتيجية لضمان تنمية اجتماعية واقتصادية مستدامة ومتنامية وإنتاجية لفائدة القارة ،فقد تم اختيار المغرب لإحتضان القمة العالمية الخامسة لريادة الاعمال في 2014.
و تظل المملكة، الوفية لمبادئ التضامن التي فعلت علاقاتها مع الدول الإفريقية الشقيقة والمنهمكة في بناء علاقات التعاون المتبادل والمفيد، مصممة على الإنخراط بشكل لا يمكن التراجع عنه في المساهمة الملموسة في نهضة القارة اقتصاديا واجتماعيا.
ويؤكد المغرب هذا الإلتزام من خلال تعزيز علاقاته السياسية وإرساء شراكات متنوعة ومثمرة، ويظل وفيا في هذا للروابط التاريخية العميقة التي نسجها مع الدول الإفريقية الشقيقة والصديقة.