من الغريب أن يتحول سلفي مغربي إلى صحافي أو إعلامي، فمنذ زمن قريب كانت الصحافة، باعتبارها منتوجا واختراعا قادما من الغرب (الذي في نظره السلفي غرب كافر)، (كانت) في عقائد السلفيين كفرا وأمرا غير جائز لأنه ليس منتوجا إسلاميا ولم يأمر به الدين، مثلما آمنوا بقدرة قادر بالديمقراطية والسياسة والعمل الجمعوي والصور والفيديو والميكروفون.. أمس الاثنين، سينشر ناشط سلفي في صفحة الكترونية تدعى "هوية" أضيف لها زورا اسم "بريس"، خبرا تحريضيا حول وفاة الحقوقي والقيادي الأمازيغي المغربي المعروف أحمد الدغرني، تحت عنوان "وفاة الأمازيغي المتطرف أحمد الدغرني".. وهو الخبر المليء بمنسوب كبير من الحقد والكراهية والتحريض على العنف ضد أعراف وقوانين ومواثيق حقوق الإنسان ومهنة الصحافة، التي نحن متأكدون أن نشطاء "هوية" السلفيين غير مطلعين عليها باعتبارها "كفرا" وغير متفقين معها لأنهم يرونها "قوانين وضعية" من صنع البشر وليست من "صنع الله" وتخالف "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ"، كما يدرسوها في أدبياتهم. الخبر أثار غضب المغاربة المؤمنين بالتعددية والمواطنة داخل هذا الوطن، كما أثار غضب النشطاء الأمازيغيين، ووسط هذه الفورة من الغضب سيقوم ناشط سلفي يشتغل من داخل صفحة "هوية" الالكترونية (ولها حامل ورقي يدعى السبيل) بحذف الخبر التحريضي وينشر بدله "اعتذارا"، ننشره هنا للأمانة، حيث قال فيه: "تم نشر خبر وفاة الناشط الأمازيغي أحمد الدغرني، تضمن ما يسيء له يوم وفاته، وهذا ما لا تقبل به إدارة الموقع، وامتثالا منها لأدبيات العمل الصحفي النزيه، قامت بحذف المادة المسيئة"، وأضاف: "وبما أننا نحترم قراءنا إذا أخطأنا لا نستنكف عن الاعتذار، تقدم إدارة "هوية بريس" اعتذارها عن هذا الخطأ غير المقصود". المثير في هذا الاعتذار الملغوم هو عبارة "الخطأ غير المقصود"، والذي يزيد من غرابته هو صدوره من مكلفين بإدارة ونشر أخبار تحريضية أكثر حقدا وتكفيرا من فضيحة خبر وفاة الراحل الدغرني، فاللائحة طويلة ولم يسلم منها أحد من المغاربة ممن يرون فيهم فاسقين وفاسدين وكفارا دون كفر أو كفرا خارج الملة، وسط صمت للهيئات الرسمية والدستورية الوصية على قطاع الصحافة والإعلام والاتصال بالمغرب مقابل استمرار تغول هذه المنصة السلفية التكفيرية في وقت يقوم فيه المغرب من جهود جبارة لأجل محو الفكر المتطرف واجتثات جذور الإرهاب لينعم المغاربة بمجتمع يعمه الأمن والسلام والاستقرار. الذي دفع نشطاء "هوية" إلى المسارعة بحذف المنشور الفضيحة هو يقظة المغاربة التي بات منسوبها يرتفع يوما بعد يوم، وتدل على أن المتابع المغربي لم ولا ولن يبق قابلا بمثل هذا النوع من الخطاب التحريضي والتكفيري الذي يهدد الأمن القومي الوطني ويزعزع عقائد المغاربة المؤمنة بالتعددية والعيش المشترك، وهو ما يدفعنا إلى الدعوة إلى أن يوازي هذا الوعي الجمعي وعي رسمي حاسم لردع هذه المنصات التحريضية وإخضاعها للقوانين المعمول بها في الصحافة والإعلام وكذا في الحياة المدنية، لأن واقع الصحافة المتوعك في المغرب لا يحتمل مثل هذه المنصات التي يسيرها أناس ملتحون ومجلببون ومقصرون (من تقصير اللباس) ويلبسون زورا زي ‘الصحافي' و'الإعلامي' ويمارس خطاب الدعوة والسب واللعن والتكفير بإسم مهنة مقدسة كانوا في الوقت القريب يكفرونها تكفيرا.