بعد الجدال الحاد الذي خلّفه انتشار خطاب التكفير في الأوساط المغربية، خاصة وسط حالات من التيار السلفي، واستمرار تداول "الخطاب التكفيري" في الشبكات الاجتماعي ما أثار حفيظة العديد من الهيئات والتوجهات السياسية والمدنية والثقافية بالمغرب، يبدو أن تجريم التكفير سيأخذ طريقه بين النصوص القانونية. في خطوة قانونية تحث على اعتبار "تكفير الأشخاص والهيئات" نوعا من القذف الذي يعاقب عليه القانون، أمسك فريق حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب بزمام المبادرة وقدم مقترح قانون يقضي بتغيير وتتميم أحكام الفصل 422 من مجموعة القانون الجنائي "تداركا للفراغ التشريعي والتنظيمي"، في قضايا التطرف ذات صلة بالتكفير. وبالرغم من جهود الدولة في محاربة الإرهاب، فإن تداول "الخطاب التكفيري" ما زال مستمرا في الشبكات الاجتماعي؛ وهو يثير حفيظة العديد من الهيئات والتوجهات السياسية والمدنية والثقافية بالمغرب، التي سارعت إلى اعتباره تهديدا ل"كل المكاسب التي حققها المغرب في مجال التعددية واحترام الاختلاف وتعزيز قيم التسامح"، على أن ذلك الخطاب يعبر عن أصوات "ظلامية" مدججة ب"الحقد والكراهية ونزعات التطرف"، وفق بلاغات سابقة صادرة عن اتحاد كتاب المغرب وجمعية بيت الحكمة. تجربة تونسية قبل ثلاث سنوات، انطلق في الجارة المغاربية تونس جدال سياسي ونضال مدني، وصل إلى سفك الدماء والاغتيال في بعض الأحيان، أقر إثره المجلس التأسيسي التونسي منع التكفير ونبذ العنف في مشروع الدستور الجديد، بعد مصادقة غالبية أعضائه، بعد أزيد من 10 أشهر من دعوة الرئيس التونسي السابق، منصف المرزوقي إلى سن قانون يجرم التكفير٬ لكونه أسلوباً يهدد السلم في البلاد. وعاشت تونس واقعا تناسلت فيه اتهامات بالتكفير لصحافيين ومثقفين تونسيين من قبل سلفين متطرفين، دفعت الرئيس منصف المرزوقي إلى إصدار بيان رئاسي في فبراير من العام 2013، يدعو فيه المجلس الوطني التأسيسي إلى الإسراع في سنّ قانون يجرم التكفير ويجعل من يستعمله عرضة للمتابعة القانونية؛ وذلك بعد أن نشرت بعض الصحف التونسية تصريحات نارية لقيادي إسلامي تونسي اتهم فيها جامعية تونسية، تدعى إقبال الغربي، التي عيّنت مديرة لإذاعة "الزيتونة" الدينية ب"الكفر". التيار السلفي في الواجهة كثيرة هي الأصوات، ذات التوجه السلفي، التي جاهرت بمواقف تكفيرية وذات حمولة من التطرف اللفظي على منابر المساجد وندوات دينية وأيضا على منصات التواصل الاجتماعي. وتبقى حالة الناشط السلفي عبد الحميد أبو النعيم، الأبرز، الذي وصف شخصيات يسارية ونشطاء حقوقيين بالكفر والردة، ووصف نساء حزب "الوردة" بالبغايا، على إثر المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الإرث وإعادة النظر في تعدد الزوجات. أبو النعيم، المعروف بخطابه المتطرف والتكفيري، تم استدعاؤه في أكثر من مرة من لدن ولاية الأمن بالدار البيضاء ومثل أمام القضاء متابعا بتهمة السب والقذف في حق القناة الثانية وشخصيات وهيئات سياسية وفكرية مغربية بنعوت الشتم والردة والتكفير، بلغ به الحد إلى وصف المؤسسة الإعلامية هسبريس ب"الصهيونية"، حيث استحل دماء صحافييها، بعد وصفهم ب"المرتدين والفسقة". تجريم التكفير واعتبر الفريق البرلماني لحزب الأصالة والمعاصرة، ضمن الوثيقة التي تقدم بها لتعديل القانون الجنائي، تتوفر هسبريس على نسخة منها، أن مبرر خطوته تأتي جراء ارتفاع ظاهرة الجهاد بالخارج في مفاصل المجتمع المغربي، على أنها ظاهرة دخيلة وخطيرة على أمن المغاربة "تدعو إليها عصابات إرهابية تحت غطاء الدين والعروبة"، مشددا على أن الأصوات المتشددة "لا تؤمن بالديمقراطية والتعددية والحداثة". سياسيو حزب "الجرار" اعتبروا تلك الأصوات المتطرفة تقوم بتكفير "كل من يحمل رأيا مخالفا لقناعاته ضدا على ما جاء في الدستور بأن المملكة قد اختارت بشكل لا رجعة فيه بأنها دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون وتوقير مؤسساتها الحديثة المرتكزة على التعددية والحكامة الجيدة وإرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية". محمد أشرورو، رئيس فريق "البام" بمجلس النواب، قال، في تصريح لهسبريس، إن الخطوة تأتي لتدارك الفراغ التشريعي والتنظيمي في قضية التكفير، موضحا أن المقترح يأتي للتأكيد على ضرورة معاقبة كل الجرائم ذات الصلة بالتكفير "في حق كل من ثبت تورطه حتى لو كان مغربيا خارج التراب الوطني أو مقيما بالمغرب"، مضيفا أن التعديل الثاني يهم مادة في الفصل 424 من القانون الجنائي بضم تكفير الهيئات والأفراد بجميع الوسائل من الصفات التي تعد يعاقب عليها القانون.