إن الحقيقة الصادمة، والمرة، التي يتحاشى الفاعل السياسي المغربي منذ استحقاقات 07 أكتوبر الإعتراف بها، والوقوف عندها بالدرجة الأولى، هي الإنتصار الكبير لحزب المقاطعين والعازفين الزاهدين في ثمار أسمى تجليات العملية الديموقراطية، في مقابل فشل الأحزاب السياسية في القيام بإحدى أهم وظائفها ألا وهي التأطير السياسي ومصالحة المواطن مع الفعل السياسي ومحاربة الحياد السلبي وإعادة الثقة للمواطن في نزاهة وجدوى العملية الانتخابية. وبالتالي فمن غير المعقول إدعاء أي حزب سياسي للفوز التام والكامل، فالكل يتحمل مسؤولية هذا الفشل الجماعي، وعوض الإنكباب على سبل استثمار عدد المقاعد المحصل عليها، والتباهي بالنتائج المحققة، فالأولى الإعتراف بخطورة الوضع، والأزمة التي تتهدد التجربة الديموقراطية الوطنية. لأن استمرار الأمر بهذا الشكل سيجعلنا نعيش في المستقبل وضعا شاذا حيث ستقرر الأقلية القليلة في مصير الأغلبية الكثيرة، ولن تكون للأحزاب السياسية أية شرعية شعبية، وسنعيش مشهدا سياسيا سرياليا. ومنه، فإن الأحزاب السياسية المغربية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الوقوف مع الذات، والقيام بنوع من النقد الذاتي الموضوعي، وطرح سؤال جوهري حول مدى قيامها بمهامها الموكولة إليها في الإستقطاب والتأطير، والبحث عن أجوبة حقيقية لإشكال عزوف المواطن المغربي عن المشاركة السياسية، وهجره للعمل الحزبي، وهل يكمن السبب في ضعف قدرة الأحزاب على الإقناع؟ أم أن النخب التقليدية التي تتحكم في قرارات الأحزاب أصبحت عاجزة عن ممارسة دورها على أكمل وجه؟ هل يكمن المشكل في البرامج؟ في الآليات؟ في التواصل؟ أم في كل هذا؟ كما يحق للمواطن المغربي الغيور على مصلحة الوطن أن يتساءل أيضا : هل يعقل أن يبقى الوضع على ما هو عليه؟ كيف يمكن للأقلية القليلة أن تصنع وتقرر مستقبل الأغلبية؟ وانطلاقا من هذه التساؤلات يتوجب على الفاعل السياسي دق ناقوس الخطر ومحاولة عقد نوع من المصالحة الظرفية والإئتلاف النفعي المصلحي المرحلي بغاية التنسيق والتعاون لتحقيق هدف موحد لصالح الوطن ألا وهو تسييس المجتمع المغربي وإذابة حائط الجليد الفاصل بين المواطن المغربي وبين العمل الحزبي والعمل السياسي، هذا هو المشروع المجتمعي والبرنامج الموحد الإستعجالي الذي يجب اليوم على الأحزاب السياسية أن تنزله على أرض الواقع، وما دون ذلك فهو محض وهم وسراب وسريالية.