1 - مدخل إن الظاهرة الإسلامية الحركية ككل الظواهر الإنسانية لا تكتسب قوتها ولا قدسيتها من إسلاميتها أو تاريخيتها أو تراثيتها كما قد يتوهم معتنقوها. لأن االظواهر التي لا تخضع للقراءة والتحليل في مختبر االنقد تعتبر ظاهرة عابرة لا تستحق أن يلتفت إاليها التاريخ، بله أن تكون محل دراسة واهتمام. 2 - الظاهرة الاسلامية والإطار التاريخي ان الحركة الاسلامية في الشرق عموما و في الغرب الإسلامي على وجه الخصوص، شكلت حالة مناخية فكرية تغييرية منذ أواخر عشرينيات القرن الإفرنجي الروماني ( الميلادي ) الماضي وإلى اليوم، لذا حق لها ان تدرس وتكون محل نظر الباحث الحصيف. وبالرغم من انها حظيت بالكثير من المداد الذي سال، والصفحات التي سودت، فان أغلب ذالك كان في الوصف والإشادة أكثر منه في النقد من الداخل والنبش في الاغوار. يوم انطلقت هذه الظاهرة في آسيا في باكستان على يد المودودي، وفي الهند على يد محمد إلياس. وفي نجد والحجاز على يد محمد بن عبد الوهاب. وفي مصر والشرق الاوسط على يد حسن البنا انطلقت كردة فعل تغييرية، رافضةً لا متداد الامبراطورية النصرانية الصليبية القيصرية التي اجتاحت الشرق البعيد / اسيا. والشرق القريب / مصر والشام، لتدق مساميرها في شريط بلاد الهلال الخطيب في خاصرة الدولة العثمانية رمز الخلافة وعنوان دولة الاسلام، بعد أن وضعت حذاءها الغليظ على الشمال الإفريقي بأرجل فرنسية وايطالية واسبانية، وهيجت أرض الحجاز وسكانها البدو الاميين، بدعوة الشاب الصليبي الطائش الأرعن المسمى ( لورانس العرب ) لتمهد للاستيلاء عل خزان النفط العربي والتحكم فيه والالتفاف على الجزيرة العربية ومسالك البحار. في ظل هذا الواقع المضطرب المريب، تحركت الظاهرة الإسلامية موازاة مع حركة الجهاد الشعبي التحرري في الوطن الاسلامي، لتساهم في التغيير. تغيير الواقع الذي سببه موروث عصور التخلف والانحطاط، وكرَّسه بل وحافظ عليه حكام ( السلطنة السلامية ) من ائمة ومشايخ وأمراء ورؤساء. دخلت الحركة الاسلامية هذا المعترك من منطلق الرغبة في التغيير، فوقفت في وجه المد الفكري الاستشراقي والاحتلال الصليبي وطابور الحكام صنائع الاستعمار. واحتدم الوطيس بينها وبين هؤلاء، وتعددت أدوات هذا الخصام واختلفت نظرة فصائل الحركة الاسلامية للحكام بين من كفرهم واوجب الخروج عليهم، وبين من فسقهم وجعلهم في زمرة المغضوب عليهم وثلة الضالين. ودام هذا الصراع عقودا من السنين، وبقدر ما اتسع شعاع هذه الحركة / الظاهرة، بقدر ما مسها من لغوب الحكام الجبارين، لكنها صمدت وشبت متوقدة منتفضة ملتهبة مدافعة مكافحة في عالم الأفكار والتصورات والمفاهيم، مزاحمة ومحاولة اقتحام قصور السلاطين والرؤساء وخلخلة كراسيهم. 3 - ارهاصات التحول في العشاريتين الاخيرتين من القرن الروماني الافرنجي ( الميلادي ) الماضي وبعد رحيل الجيل المؤسس، وتصدر الجيل الثاني من القيادة ، ولدت مقولة ( مراجعة النظريات والاختيارات التصورية الفكرية ) وتعددت الاتجاهات في هذا المضمار وبعضها اصاب الصواب وبعضها تاه وراء الضباب.! إذ تحولت عملية (المراجعة ) إلى حالة ( تراجع ) !؟ من المنابذة إلى الممالأة، ومن البراء إلى الولاء، ومن المنافرة الى المناصرة، ومن شعار التغيير إلى حالة (التغرير) بالبسطاء والجماهير، ان الجيل الجديد الحركي انطلت عليه حيل كثيرة،ولبس عليه ايما تلبيس. انطلت عليه حيلة الحكام المتظاهرين بحب الاسلام والدفاع عنه وحماية حماه. ولبس عليه باستحلائه المناصب والمال،وبهذا بدأت علامات الانحراف تظهر جالية تحت عنوان (المراجعة،) واختيار نهج الوسطية والاعتدال الى ان انجرت وسقطت في فخ المجاراة والمداهنة والتبرير، وخفت نَفَسَ مطالبتها بالتغيير،! وسكتت عن كل كبائر الحكام وما أفرزه حكمهم من فساد واستبداد،بل جنحت الى تحميل المسؤولية للشعوب أو للدوائر الغربية ومؤسسات الاستعمار فيما وراء البحار، كما سقطت بعض الفصائل في شراك الغلو والتطرف والشطط والإرهاب! إن الحركة الاسلامية بالغرب الاسلامي تحولت من شاهد على الأمة بقوة سلطان القرءان، إلى مناصر أو مبرر وفي أحسن الأحوال الى مستنكر في خفوت! أو متكلم بإذن الحاكم السلطان! وغلَّبت في تغيير مواقفها ومواقعها قانون الموازنات العقلية، وابتسرت بعض النصوص ابتسارا، ولم تكمل قراءة النص حينا ولا قراءة السياق احيانا. إن الرسول الحكيم حينما قال ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ...) ( والدين النصيحة... لأئمة المسلمين وعامتهم ) وحينما بدأ في عدِّ السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، بدأ بالإمام العادل ليحدد معالم الطريق في تحديد المسؤولية وتحميلها . وَيَنصْب بذلك ميزانا كي لا تقع الاجيال في اللبس والتلبس،خصوصا وأنه يستشرف المستقبل ويتراءى له أحيانا ما وراء ستار الغيب، لذا كانت أحاديثه المسهبة والمجلجلة التي تكلمت عن الفتن وجور السلطان في آخر الزمان، وجعل (حمزة سيد الشهداء ، ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه، فقتله.) 4 - اسئلة محرجة وصريحة إن الاسئلة المطروحة اليوم على الحركة الاسلامية بكل فصائلها والتي يجب عليها أن تجيب أتباعها عنها قبل أن تجيب الشعوب هي: من المسؤول الاول والحقيقي عن الفساد في البلاد، تخطيطا وحماية وتنظيرا؟؟ من المسؤول عن صناعة الاستبداد حقيقة،؟ الحكام المسلحون المدججون، أم الشعوب المغلوبة العزلاء؟؟ من المسؤول عن التبذير والميزانيات المعصومة والصناديق السوداء.؟ من المسؤول عن الاعلام الذي يسمح له بقول كل شيىء باسم الحرية الا أن يقول شيئا عن الحكام وأبنائهم المصونين؟؟ من المسؤول عن الإذن ببيع الخمور وحماية أسواقها ورعايتها وامتلاك ضيعات أعنابها؟ من المسؤول عن فتح البلدان للجيوش الجرارة من البعثات العسكرية والمخابراتية والسينمائية ( والفنية ) والسياحية، هل الشعوب أم الحكام؟؟ وهل وهل مما يجمد عن كتابته مداد الاقلام؟؟ وهل الشطط والتكفير من بعض الفصائل الإسلامية يساهمان في الحل، أم تزداد بهما النيران استيعارا؟ وهل لهذا الانزلاق جذور في الفكر الاسلامي الرصين؟ 5 - تحذير ان الحركة الاسلامية اليوم أخشى ما يُخشى عليها بعد أن كانت واقفة في وجه المنكر أن تصبح مطبعة أو مصفقة له لا قدر الله.! او صانعة ومنتجة. وأخطر من هذا وذاك أن تصير جزءا من المنكر فتنتقل من حركة تغييرية إلى حركة سكوت، ثم إلى حركة تبرير، ثم إلى حركة تغرير!! أو حركة تدمير: وغدا ونعوذ ونعيذها بالله إلى حركة تزوير؟؟ حينها يلعنها الله ويلعنها اللاعنون.