الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها : تسليم السلط بين محمد البشير الراشدي ومحمد بنعليلو    الأرجنتين تعيد فتح قضية وفاة "مارادونا" وتعتقل "شاهد زور"    فيفا يكشف قيمة جائزة مونديال الأندية    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس 27 مارس    ماذا نحتاج لنكون سعداء؟    سماء المغرب على موعد مع ظاهرة فلكية نادرة يوم السبت    الرباط وموسكو.. تاريخ مشترك يُبعث من جديد عبر "نادي لحظة الحقيقة"    إعلان حالة الطوارئ في سلوفاكيا بسبب تفشي الحمى القلاعية    الذهب يستقر مع تزايد القلق من تداعيات الرسوم الجمركية الأمريكية    فوضى بمحطة قطار.. شخص مضطرب يثير الرعب ويخرب تجهيزات السكك الحديدية    المندوبية السامية للتخطيط تحذر من كلفة ضعف التمكين الاقتصادي للقرويات    مسلسل رحمة في مرمى الانتقاد بسبب مشاهده الحميمية    المغرب يتصدى بحزم لمناورات الجزائر التضليلية بمجلس الأمن الدولي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    وزير الخارجية الإسباني يشيد بمستوى العلاقات الثنائية مع المغرب    قطاع غزة يسجل 39 قتيلا في يوم    جزيرة "مان" البريطانية تقنن مفارقة الحياة بمساعدة الغير    رسالة مفتوحة إلى الوالي التازي: هذه أبرز الاختلالات المرورية بشوارع طنجة التي تتطلب تدخلاً فورياً    22 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع الماضي    اتهامات بسوء المعاملة داخل السجن المركزي بالقنيطرة: الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان تطالب بفتح تحقيق عاجل    "البلاصا الجديدة" بطنجة.. سوقٌ يحمل في طياته أسرارًا من زمن الحرب الأهلية الإسبانية ومصيره اليوم الهدم لإحداث مشروع مندمج    "سيعودون في توابيت".. "حماس" تحذر إسرائيل من محاولة استعادة الأسرى بالقوة    الشاعر نور الدين الدامون في ذمة الله    تجميد المواد الغذائية .. بين الراحة المنشودة واستحضار الجودة    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تودع شكاية لفائدة طفلة أُصيبت بالسيدا عقب عملية جراحية    تصعيد عسكري إسرائيلي على عدة جبهات وتحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية    المغرب المتضرر من الجفاف يمدد دعم استيراد القمح حتى نهاية العام    تطورات ملف الصحراء المغربية.. سيناريوهات الحسم مع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    الخطوط الملكية المغربية وChina Southern Airlines توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز الربط الجوي ما بين إفريقيا والصين    وليد الركراكي : المهارات الفنية صنعت الفارق أمام تنزانيا    زيدان يشيد بدور المركز الجهوي للاستثمار في تحفيز التنمية بجهة فاس – مكناس    اعتقال المتسبب في أعمال تخريبية بمحطة القطار الرباط المدينة    المغرب في المرتبة 64 عالميا في سرعة الإنترنت    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    المغرب يقود جهود إعادة دمج دول الساحل وإفريقيا الوسطى في الاتحاد الإفريقي    دراسة توضح تأثير استخدام شات جي بي تي على الشعور بالوحدة    كأس العالم 2026: الأرجنتين تسحق البرازيل برباعية وتصبح أول المتأهلين للنهائيات عن أمريكا الجنوبية    بنعلي تُبرز تجربة المغرب ببريطانيا    الركراكي: نتطلع إلى إسعاد المغاربة    المنتخب المغربي يهزم تانزانيا … بدون إقناع … !    تنقيط أداء لاعبي المنتخب الوطني المغربي بعد الفوز المثير على تنزانيا    تصفيات المونديال.. فلسطين تهزم العراق وتعزز آمال الأردن    شكوى حقوقية حول إصابة طفلة بفيروس الإيدز إثر عملية أذن في مستشفى جامعي    الدورة الثلاثون للمعرض الدولي للنشر والكتاب فضاء لمواصلة السعي الواعي إلى النهوض بالكتاب والقراءة (بنسعيد)    عندما يعزف الشيطان: فصول الجابي !    يا رب أنا جيتلك.. جديد سميرة سعيد    الكوميدي "بهلول" يطلب دعم الفنانين لتسديد شيك بدون رصيد    واشنطن تتباحث مع كييف في الرياض    تركيا.. القبض على 41 متهماً ب"شتم أردوغان وعائلته"    "تراث المغرب".. سلسلة وثائقية لتثمين الموروث الثقافي للمملكة    أوراق من برلين .. رسالة فرانز كافكا: جروح قديمة ما زالت تنزف    اكتشاف جديد يحدد الأجزاء المسؤولة عن تذكر الكلمات في الدماغ    نهاية سوق پلاصا جديدة بطنجة    كسوف جزئي للشمس مرتقب بالمغرب يوم السبت القادم    عمرو خالد يحث المسلمين على عدم فقدان الأمل في وعد الفتح الرباني    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    المجلس العلمي يحدد قيمة زكاة الفطر بالمغرب    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفلا قرآنيا لتكريم الفائزين بالمسابقة القرآنية المحلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا إقصاء جمعيات حماية المال العام؟!
نشر في العمق المغربي يوم 17 - 09 - 2024

ليس هناك من شك في أن الفساد آفة التنمية، وهو إلى جانب كونه خرقا سافرا لمبدأ النزاهة والشفافية في التعامل الإداري والاقتصادي والاجتماعي، يعد سببا في ضياع حقوق الأفراد والمجتمع، وواحدا من أكبر التحديات التي تواجه بلادنا وتهدد استقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. إذ رغم كل الترسانة القانونية والاستراتيجيات الوطنية والكم الهائل من الخطب الملكية السامية وتقارير المنظمات الدولية والجمعيات الحقوقية، الداعية إلى ضرورة تضافر جهود جميع فعاليات المجتمع لمكافحته، مازال المغرب عاجزا عن التصدي لأباطرته واقتلاع جذوره، إما لانعدام الإرادة السياسية الحقيقية أو ضعف القوانين المعتمدة أو عدم فعالية تفعيلها أو انحرافها عن غاياتها الكبرى.
لكن عبد اللطيف وهبي وزير العدل والأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة له رأي مغاير، إذ سبق له قبل حوالي سنتين اتهام جمعيات حماية المال العام بالنصب والابتزاز في إحدى جلسات مجلس المستشارين، وتوعدها آنذاك بالمنع من رفع شكايات ضد المنتخبين والشخصيات العمومية بخصوص نهب واختلاس المال العام، عبر إجراء تعديل في قانون المسطرة الجنائية، ينص على أن وزير الداخلية هو من له صلاحية وضع شكايات لدى النيابة العامة في هذا الشأن وليس الجمعيات، مدعيا أن "هناك من ليست له جمعية ولم يعقد جمعا عاما، ويقول إنه رئيس لجمعية حماية المال العام"
وبالفعل صادق مجلس الحكومة الذي انعقد يوم الخميس 29 غشت 2024 برئاسة عزيز أخنوش، على مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية رقم 01.22 المتعلق بالمسطرة الجنائية. وهو القانون الذي تضمن عدة تعديلات وإضافات خلفت استياء عميقا في صفوف المهتمين بالشأن الحقوقي، الذين يرفضون بقوة إقصاء جمعيات حماية المال العام من التبليغ عن الفساد وتقديم الشكايات لدى القضاء ضد المفسدين وناهبي المال العام من المنتخبين والشخصيات العمومية.
فتنفيذا لما كان وزير العدل قد توعد به فعاليات المجتمع المدني، وعبر عنه من انزعاج حول ما وصفه بالتوظيف السيء لبعض الشكايات وتوظيفها في تصفية الحسابات السياسية ضد عدد من المنتخبين وغيرهم من المسؤولين، جاء في المادة الثالثة من قانون المسطرة الجنائية الجديد التي أثارت الكثير من الجدل، أنه "لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية، أو المفتشية العامة للإدارة الترابية، أو المفتشيات العامة للوزارات، أو من الإدارات المعنية، أو بناء على الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك"
وفي إطار التفاعل مع مصادقة الحكومة على مشروع قانون المسطرة الجنائية وخاصة المادة الثالثة منه، اعتبرت الجمعية المغربية لحماية المال العام أن هذه المادة لا تشكل فقط ردة "حقوقية ودستورية"، بل كذلك تجريدا للمجتمع أفرادا وجماعات من كل الوسائل والإمكانات القانونية والمسطرية والحقوقية، التي من شأنها الإسهام بفعالية في التصدي للفساد ولصوص المال العام، والتبليغ عن المفسدين في قضايا النهب والتجاوزات المالية سواء كانوا منتخبين أو شخصيات عمومية.
فبالإضافة إلى الاستنكار والتنديد بهذا الإقصاء الممنهج، والإعلان عن تنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان تحت شعار "لا للتضييق على المجتمع المدني، لا للفساد ونهب المال العام" في 21 شتنبر 2024، يعتزم المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية المال العام إطلاق مشاورات مع هيئات ديمقراطية وحقوقية وفعاليات مدنية، للتفكير في تشكيل وتأسيس إطار يجمع طاقات مختلفة لمناهضة آفة الفساد، رافضا ما ورد في المادة السالفة الذكر من منع للحق في الولوج إلى القضاء قصد التبليغ عن الفساد المالي، وكذا ما تضمنته المادة السابعة بذات القانون من تقييد حق الجمعيات في التنصيب كطرف مدني، واشتراط ضرورة الحصول على إذن بالتقاضي من وزير العدل، وفق ضوابط تحدد بنص تنظيمي.
لذا تتواصل هذه الجمعيات مع فرق برلمانية، بهدف العمل سويا على تعديل المواد التي تحرمها من الانبراء للفساد والمفسدين. وفي ذات السياق وجهت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد، شكاية لملك البلاد محمد السادس ضد وزير العدل وهبي، إثر ما أقدم عليه من تعديلات على قانون المسطرة الجنائية، التي تستثني إحدى مواده جمعيات المجتمع المدني من ملاحقة ناهبي المال العام وتفريغ مفهوم الحكامة الرشيدة من عمقها الحقيقي الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة. وتساءل الكثيرون عن دواعي تنزيل هذه التعديلات في هذا الظرف، الذي تعرض فيه ملفات عديد المنتخبين رؤساء جماعات وبرلمانيين ومستشارين على أنظار القضاء في قضايا نهب المال العام والرشوة والتزوير وما إلى ذلك من فساد.
إن الفساد أكبر وأعمق من أن تحد من انتشاره والقضاء عليه مواد قانونية توضع على المقاس، بل إن مكافحته تقتضي توفر إرادة سياسية قوية، وتضافر جهود جميع مكونات المجتمع المغربي دون إقصاء أو استثناء. وعليه بات من الضرورة بمكان مراجعة المواد التي تحول دون تقديم الجمعيات شكايات ضد المتورطين في ملفات التلاعب بالصفقات العمومية وتبديد المال العام وغيره من التجاوزات، بدل تمرير قوانين توفر الحماية والحصانة لهم، وتقوض التزامات المغرب الدولية في مجال محاربة الفساد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.