تعدّ ذكرى المولد النبوي الشريف إحدى المناسبات الدينية التي يحتفل بها المسلمون في جميع أنحاء العالم، إذ يتزامن هذا اليوم مع 12 ربيع الأول من كل عام هجري، والذي يعتبر يوم ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. إلا أن هذه المناسبة تحيط بها تساؤلات عديدة من حيث مشروعية الاحتفال بها، وكيفية اغتنامها لتعزيز روح الإسلام وتقوية الارتباط به. في هذا السياق، أوضح لحسن سكنفل، رئيس المجلس العلمي للصخيرات تمارة، أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي له أصول شرعية، وأنه يعتبر سنة حسنة، مضيفا أنها قد تكون واجبة في بعض الحالات. وأضاف سكنفل في حوار مع جريدة "العمق"، "البعض قد يعترض على الاحتفال بالمولد بكون إظهار محبة الرسول صلى الله عليه وسلم والتعلق به يجب أن يكون في كل وقت وحين وليس فقط بمناسبة المولد، فنقول بأن المسلم يحتفي برسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام بنطق الشهادتين وسماع الآذان ... والنبي حاضر عند المسلم في كل وقت وحين". وفيما يلي نص الحوار كاملاً: ما هو الحكم الشرعي للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف؟ الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم سنة حسنة الأصل فيها الإباحة وقد تكون واجبة بالنظر إلى أحوال الناس في تعلقهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ومحبتهم له أو انصرافهم عن ذلك، وقد كان هذا هو الدافع للعلماء في استحداث هذا الاحتفال ومنهم أبو العباس العزفي السبتي الذي لاحظ أن المسلمين يشاركون النصارى في احتفالاتهم بمولد النبي عيسى عليه السلام فأراد أن يصرفهم عن ذلك باستحداث الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف وبدأ ذلك مع الأطفال حيث كان يجمعهم ويهدي لهم الحلويات بهذه المناسبة وسنة بعد سنة بدأ الناس يشاركون في هذا الاحتفال بسرد قصة المولد الشريف وإقامة مجالس العلم بالمساجد والزوايا والمدارس العتيقة حتى أصبح الأمر احتفالا شعبيا ورسميا ينظمه السلاطين ويشرفون عليه ويشارك فيه العلماء وعامة الناس في الحواري والأزقة والمساجد والزوايا مظهرين الفرحة بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وتعلقهم بالجناب الشريف. هناك من يعتبر أن الاحتفال بالمولد بدعة حسنة، بناءً على محبة النبي صلى الله عليه وسلم والتذكير بسيرته. ما رأيكم في هذا الطرح؟ ثانيا، البدعة لها جانب لغوي وجانب شرعي والذي يهمنا هنا هو الجانب الشرعي لأن المقصود بالبدعة هو ما يبتدعه الناس ويستحدثونه، والدين قد اكتمل فلا مجال للزيادة فيه أو النقصان، لأن كل بدعة ظلالة وكل ظلالة في الناس. إلا أن هذا المعنى ينصرف إلى ما يستحدثه الناس مما ليس له علاقة بالدين، أي لا نجد له أصلا لا في الكتاب ولا في السنة ولا في السيرة. أما ما له صلة بالدين بأن كان له أصل في الشرع فهو سنة حسنة ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتعزيره و مدحه له أصل في الشرع ، قال تعالى وهو يتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم :"الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التواة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولائك هم المفلحون" الآية 157 الأعراف ، ويقول سبحانه مادحا نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم : " وإنك على خلق عظيم" الآية 4 القلم . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وبيدي لواء الحمد ولا فخر" رواه الترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه . وقد مدحه حسان بن ثابت و كعب بن زهير ومدحه الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون ومن تبعهم وعلماء الأمة وصلحاؤها. وعلى هذا فالاحتفال بذكرى مولده عليه الصلاة والسلام له أصل في الشرع وهو سنة حسنة حيث يجتمع الناس في مجالسهم بالمساجد والزوايا والمدارس العتيقة لإحياء هذه الذكرى، وفي الحديث : " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا" أخرجه مسلم في صحيحه . ويمكن تجاوزا إطلاق البدعة الحسنة على هذا الاحتفال لأن له أصلا في الشرع. ما هو الرد الشرعي على من يعارضون الاحتفال بالمولد النبوي باعتباره غير موجود في عهد النبي والصحابة؟ ما قلته في جوابي على السؤال الثاني فيه رد على من يقول بعدم جواز الاحتفال، وهذه الدعوى تتكرر في كل وقت. وقد أشار الإمام البصيري رحمه الله تعالى ورضي عنه في بردته إلى أمثال هؤلاء غفر الله لنا ولهم، فهم إخواننا على كل حال، يقول رحمه الله : دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت فيه مدحا واحتكم وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف وانسب إلى قدره ما شئت من عظم فإن فضل رسول الله ليس له حد فيعرب عنه ناطق بفم ثم يقول رحمه الله: وكيف يدرك في الدنيا حقيقته قوم نيام تسلوا عنه بالحلم فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم. هل هناك ممارسات أو طقوس تصاحب الاحتفال بالمولد النبوي يمكن اعتبارها مخالفة للشريعة؟ الإحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف كما سنه علماء الأمة وصلحاؤها يكون بقراءة القرآن الكريم ومدارسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله العطرة والتعريف بحقوقه عليه الصلاة والسلام وتلاوة الأمداح التي قالها الشعراء في حقه كهمزية الإمام البصيري وبردته الشريفة وغيرها من الكلام الطيب الذي يدعوا إلى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والسير على نهجه وذكر مقامه عند ربه ومكانته بين الخلق، وعلى هذا سارت الأمة كلها في مساجدها وزواياها وحتى الاحتفالات الرسمية التي كان يترأسها أمير المؤمنين في بلدنا لا تخرج عن هذا الإطار، فهذا هو الأصل في هذا الاحتفال وفي كيفيته. كيف يمكن للمسلمين الاستفادة من هذه المناسبة بشكل يعزز الروح الإسلامية ويعكس حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم؟ لقد اهتدى علماء الأمة وصلحاؤها إلى الطريقة المثلى لجعل هذه المناسبة مناسبة لتقوية الصلة بالرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كان دأبنا في بلدنا هذا كما في كثير من البلدان الإسلامية أن تبتدئ الاحتفالات مع بداية شهر صفر بدراسة السيرة النبوية والشمائل المحمدية وتلاوة أبيات من قصيدتي الهمزية والبردة مع شرحها، ويبلغ الاحتفال ذروته في الأسبوع الثاني من شهر ربيع الأول وخصوصا ليلة المولد أي ليلة 12 من ربيع الأول وفي بعض الزوايا ليلة 7 من مولده فتمتلئ المساجد والزوايا بروادها ويكون الذكر والمديح والصلاة على النبي ثم الإطعام ويستمر الأمر بعد ذلك إلى نهاية شهر ربيع الثاني لمدارسة السيرة والشمائل، وكل هذا يقوي صلة المسلمين برسول الله صلى الله عليه وسلم وخصوصا الأطفال والشباب الذين يحضرون هذه المجالس وهذه هي الغاية الكبرى والمقصد الأسنى من الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم. نسأل الله أن ينفعنا بذلك كله. وقد يعترض البعض على الاحتفال بالمولد بكون إظهار محبة الرسول صلى الله عليه وسلم والتعلق به يجب أن يكون في كل وقت وحين وليس فقط بمناسبة المولد، فنقول بأن المسلم يحتفي برسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام بنطق الشهادتين وسماع الآذان والسلام عليه في التشهد والصلاة عليه في المناسبات بعد الصلاة وعند ختم الدعاء وفي الأعراس والعقائق وعند المصائب وبداية العمل فالنبي حاضر عند المسلم في كل وقت وحين.