أثار تصريح أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، بتهديده ب"فضح" المواطنين الذين لن يشاركوا في عملية الإحصاء، الكثير من الجدل، خاصة في ظل استعمال الحليمي لمصطلح "الفضح" الذي يشير إلى عملية "التشهير". واعتبر الحليمي أن من لن يشارك في الإحصاء سيخرج مما أسماها "المجموعة الوطنية" التي تُشكِّل "المغاربة"، مشيرا إلى أن المشاركة في الإحصاء ليست فقط واجبا وطنيا، أو لتفادي العقوبات، بل شهادة على الانتماء للوطن. جاء تصريح الحليمي خلال ندوة صحفية عقدها، أول أمس الجمعة بمقر المندوبية السامية للتخطيط بالرباط، وأعلن خلالها عن انطلاق الإحصاء العام للسكان والسكنى في المغرب، من الفترة الممتدة من 1 إلى 30 شتنبر 2024. وقال الحليمي إن "المشاركة في الإحصاء ليست فقط واجبا وطنيا أو لأن القانون يعاقِب من لم يشارك، بل هي شهادة من الأسرة على إعلان انتمائها للمجموعة البشرية التي هي المغاربة"، مردفا "من أراد أن يخرج من المجموعة الوطنية فليخرج (...) وسنضطر إلى فضح من لم يشارك" وفق تعبيره. ماذا يقول "قانون الإحصاء"؟ تصريحات الحليمي أعادت إلى الواجهة القانون المنظم للإحصاء، ويتعلق الأمر بالقانون رقم 001.71 المرتبط بإحصاء السكان والسكنى في المملكة، والذي يعود إلى سنة 1971 في عهد الوزير الأول الراحل أحمد العراقي الذي وقعه بالعطف. القانون الذي يضم 4 فصول فقط والواقع على أقل من صفحة ونصف، ينص في فصله الثالث على أن "كل من رفض الامتثال لإجراءات الإحصاء أو أدلى عمدا بتصريحات غير صحيحة، يعاقب طبقا لمقتضيات الفصل 609 (الفقرة 11) من القانون الجنائي". وإذا توجهنا للفقرة 11 من الفصل 609 من القانون الجنائي، نجدها تنص على أنه "يعاقب بغرامة من عشرة إلى مائة وعشرين درهما من ارتكب إحدى المخالفات الآتية... 11- من خالف مرسوما أو قرارا صدر من السلطة الإدارية بصورة قانونية، إذا كان هذا المرسوم أو القرار لم ينص على عقوبات خاصة لمن يخالف أحكامه...". من خلال هذا الفصل الذي يحيل إليه قانون الإحصاء، فإن عقوبة عدم المشاركة في الإحصاء عبارة عن غرامة مالية شبه رمزية، تتراوح ما بين 10 و120 درهما فقط، دون أن تتضمن العقوبة "فضح" رافضي الإحصاء، كما ذهب إلى ذلك الحليمي، وهو ما يفسر الجدل السياسي والقانوني الذي أثارته تصريحات الحليمي. وبالعودة إلى قانون الإحصاء المذكور، فإن فصله الأول يقول "يجرى إحصاء السكان والسكنى بالمملكة في التواريخ وطبق الشروط التي يحددها الوزير الأول باقتراح من وزير الداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالتخطيط". وينص الفصل الثاني على أن "كل من ساهم بأي وجه من الوجوه في تحضير أو تنفيذ أو استغلال الإحصاء يلزم بكتمان السر المهني وإلا تعرض للعقوبات المقررة في هذا الصدد". كما ينص الفصل الثاني، أيضا، على أن "المعلومات الفردية المدرجة في الأجوبة عن أسئلة الإحصاء والمتصلة بالحياة الشخصية والعائلية وبصفة عامة العمل والسلوك الخاص، لا يجوز تبليغها من طرف المودعة لديهم. ولا يمكن بأي حال من الأحوال استعمال هذه المعلومات لأجل متابعات قضائية أو مراقبة جبائية أو زجر اقتصادي". فيما يشير الفصل الرابع من نفس القانون، على إلغاء الظهير الشريف رقم 1.69.160 الصادر في 20 جمادى الأولى 1389 (4 غشت 1969) بإحصاء السكان والسكنى في المملكة". أصحاب الفيلات وكان الحليمي قد وَّجه تهديداته بشكل أساسي إلى من أسماهم "أصحاب الفيلات" الذين يضعون الكلاب على أبوابها لمنع دخول موظفي الإحصاء. وقال في هذا الصدد: "عليه أن يزيل الكلاب ويفتح الباب له (موظف الإحصاء) ويخبره بالمعطيات. ولا أحد سيحسده أو يأخذ منه شيئا، بالعكس سيضع نفسه خارج المجموعة الوطنية، وسنضطر إلى فضح من لم يشارك ومن اعتبر أن الغنى يعفيه من المشاركة". وتابع قوله: "من أراد أن يخرج من المجموعة الوطنية فليخرج، وليأخذ هؤلاء العبرة ممن يفتحون أبوابهم من علية القوم، ليس بالغنى بل بالشرف والمسؤوليات الوطنية" حسب قوله. وشدد المندوب السامي على أن الإحصاء ليس خاصا بالفقراء بل لعموم المغاربة قصد معرفة وضعيتهم كما سيعلنون عنها ويعبرون عنها وفق ضمائرهم، وفق تعبيره. وأضاف: "لن نطالبهم بالدليل، حتى البطاقة الوطنية لا نطالب بها، عكس باقي العمليات الاجتماعية التي تتم بالبطاقة الوطنية، والمعطيات ستبقى عندنا كأرقام ولا أحد يمكن أن يعرفها، وسنخرجها على شكل مؤشرات".