أثار إعلان وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب تبنيها مشروعا جديدا لتوحيد خطبة الجمعة بالبلاد سمته "خطة تسديد التبليغ من أجل حياة طيبة" جدلا واسعا بين الأوساط الدينية بالمغرب . حيث أثار هذا القرار جدلا بين المهتمين بالشأن الديني بالمغرب وتساؤلات بين أوساط عموم المصلين المغاربة الذي عكسته بعض منصات التواصل الاجتماعي. ووفقا لقرار الوزارة الجديد، فإن الخطبة ستأتي مطبوعة، وستقرأ في جميع مساجد المغرب بنفس النص ونفس الموضوع ونفس الأفكار، ولا تحتاج لخطيب ولا إمام، بل تحتاج لشخص يستطيع القراءة.لكن هذا القرار ، وعلى الرغم من الجدل والجدال اللذان أثارهما ، فهو يندرج في إطار استراتيجية دينية بعيدة المدى ابتدأت بتوحيد الخطاب الديني لتصل إلى توحيد خطبة الجمعة –إعادة هيكلة الحقل الديني وتوحيد الخطاب الديني انشغل الملك محمد السادس منذ توليه الحكم بإعادة بسط سيطرة الدولة على الحقل الديني بالمغرب . فبعدما حرص الملك الحسن الثاني على إعادة إحياء المجالس العلمية ومراقبة المساجد ، وخلق شعب للفكر الإسلامي داخل الجامعات لمواجهة التيارات الفكرية العلمانية وإدماج بعض التنظيمات الإسلامية في المشهد السياسي مع حصار باقي التنظيمات الأخرى الاكثر تشددا ، انصب اهتمام خلفه على بلورة استراتيجية تروم إعادة هيكلة الحقل الديني بالمملكة. فلمواجهة الأخطار التي أصبحت تمثلها الحركات الدينية المتطرفة سواء على الصعيد الخارجي من خلال انخراط النظام بعد أحداث 11 شتنبر 2001 في حرب الولاياتالمتحدة ضد الإرهاب الأصولي الذي تزعمته خلايا وتنظيمات القاعدة أو الداخلي من خلال الهزة النفسية والسياسية التي أحدثتها انفجارات 16 ماي 2003 بالدار البيضاء ، تمت بلورة سياسة أمنية تقوم على توجيه ضربات استباقية لكل أوكار التطرف الديني، والتنسيق الاستخباراتي الدولي ، والعمل على الحد من البناء العشوائي ومدن الصفيح . لكن إلى جانب هذه السياسة الامنية عمد النظام إلى بلورة سياسة دينية تروم بالأساس إلى احتواء كل الانفلاتات الفكرية والإيديولوجية لهذا التطرف . فنتيجة لسياسة سلفه في فسح المجال أمام الفكر الوهابي لمقاومة التشيع الإيراني الذي تقوى بعد نجاح الثورة الخمينية ، وظهور أئمة ووعاظ ذوي توجهات فكرية ودينية تناقض ثوابت الخطاب الديني الرسمي ، بالإضافة إلى الأفكار المتطرفة التي أصبحت تروج بين شباب الجاليات المغربية بالخارج ، بدا للملك ، أنه لضمان احتكاره مكونات الحقل الديني وتقوية صلاحياته كأمير للمؤمنين ، فإنه من الضروري ، العمل على إعادة توحيد الخطاب الديني خاصة بعد إصدار فتاوى تتعارض مع التوجه الديني والرسمي للدولة . وقد ظهر ذلك بالخصوص من خلال تركيز مهمة الإفتاء في المجلس الأعلى للعلماء . فقد قام هذا الأخير ، بتوجيهات من العاهل المغربي كأمير للمؤمنين ، بإنشاء هيئة علمية للإفتاء تابعة للمجلس وتضم 15 عضوا مهمتهم الإفتاء في قضايا دينية معينة أو الرد على فتاوى صادرة عن جهات دينية سواء كانت خارجية ( كفتوى الشيخ يوسف القرضاوي حول قروض الربا ، أو الضجة الإعلامية والصحفية التي أثيرت حول فتوى المغراوي التي أباحت تزويج بنت تسع سنوات قياسا بتزوج النبي بعائشة وهي لم تصل بعد سن البلوغ ). و لعل ردود المجلس العلمي بهذا الصدد كانت تمهيدا للرسالة الملكية التي ألقاها الملك أمام ثلة من أعضاء المجالس العلمية بالمملكة بمسجد محمد السادس بتطوان في 27 شتنبر 2008 والتي تضمنت رسم الخطوط العريضة لتوحيد الخطاب الديني واحتواء أية انفلاتات فيه . إذ أكد الملك إلى "أننا لعازمون على المضي قدما ، للارتقاء بالشأن الديني ...باعتباره في صلب الإصلاحات الوطنية الحيوية التي نقودها ، وفي مقدمتها ، توفير الأمن الروحي والحفاظ على الهوية الدينية الإسلامية المغربية ، المتميزة بلزوم السنة والجماعة والوسطية والاعتدال والانفتاح والدعوة إلى سبيل الله ، بالحكمة والموعظة الحسنة وما يرتبط بها من مبادئ الإسلام السمحة ." كما كلف العاهل المغربي بصفته أميرا للمؤمنين المجالس العلمية بأمانة الإفتاء في النوازل الطارئة و أن تنكب على هذه المهمة الملحة والعسيرة بروح جماعية يمكن الوصول بها إلى إجماع في الرأي بعد العرض على المجلس العلمي الأعلى . . وفي نفس السياق أيضا ، دعا الملك ، في رسالته السالفة الذكر، إلى تفعيل خطة ميثاق العلماء من خلال تأهيل أئمة المساجد سواء في البوادي أو المدن ، وفق برنامج يشرف عليه المجلس الأعلى للعلماء بتنسيق مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، "لتوعية عامة الناس وتوجيههم ومحاربة وتفنيد أضاليل التطرف " –توحيد خطبة الجمعة و ضبط الفضاء التعبدي من الملفت للانتباه أن قرار وزارة الأوقاف وإن كان يندرج ضمن استراتيجية دينية ترمي التحكم في الحقل الديني ، فإن توقيتها يتزامن مع تداعيات حرب غزة التي لم تؤد فقط إلى خروج مظاهرات ومسيرات جابت مختلف فضاءات بعض المدن بالمغرب ، بل طرحت إشكال الدعاء من أعلى منابر المساجد بالمملكة في خطب الجمعة لنصر الإخوة المسلمين بغزة في حربهم مع قوات الاحتلال الإسرائيلي خاصة وأن المغرب قد أبرم اتفاقية ابراهام التي تنص على استئناف العلاقات مع اسرائل . وبالتالي ، فمنذ بداية الحرب بين حركة حماس وإسرائيل يوم 7 أكتوبر، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي عدم تناول خطباء المساجد لاسيما يوم الجمعة لما يحدث في غزة، رغم سقوط مئات الضحايا من قتلى ومصابين، وسط ادعاءات عن وجود تعليمات من وزارة الأوقاف"تمنع حتى الدعاء لأهل غزة". مما دفع بوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق إلى الرد في تدخل في اجتماع للجنة الخارجية والشؤون الإسلامية والدفاع بمجلس المستشارين إلى التأكيد " بأن خطباء المساجد يحق لهم الدعاء لأهل غزة وكذا استنكار ما يحدث هناك من حرب، لكن في الوقت ذاته فإن الدعوة لحمل السلاح غير مقبولة. نافيا ما يروج عبر مواقع التواصل الاجتماعية في المغرب، عن منع الدعاء لغزة ونصرتها بسبب الحرب مع إسرائيل، مؤكدا عدم إصدار الوزارة لأي تعليمات أو قرارات في هذا الاتجاه.لكن أشار في نفس الوقت بأنه إذا كان من حق "الخطيب الدعاء لأهل غزة، وهذا واجب ديني، ومن حقه أن يستنكر ما جرى في الحدود، لكن من غير المقبول أن يدعو إلى حمل السلاح" . داعيا الخطباء إلى اعتماد "رقابة ذاتية" وعدم الخلط بين عملهم وسياسة الدولة، مبرزا أن موقف هذه الأخيرة يعبر عنه في بلاغات ومواقف رسمية تساند الفلسطينيين وحقهم في دولة مستقلة، قبل أن يختتم بالقول "المسلمون لا يحتاجون لخطباء بل للحكومات" وبالتالي ، فإن قرار الوزارة بشأن توحيد خطبة الجمعة يأتي في سياق تفادي تحويل منابر المساجد إلى دعاية سياسية قد تؤثر على تحكم السلطة في ضبط المجال التعبدي بالمملكة. فللتذكير، فقد سبق للملك الراحل الحسن الثاني ،في محاولة ضبطه لمجال التعبد بالمساجد ،انتهاج مقاربة تقوم بالأساس على تكوين قياد للإشراف على الشؤون الدينية و التحركات داخل المسجد من خلال المراقبة المستمرة لأعوان السلطة لما يجري داخل مسجد ، و إغلاق المساجد فور الانتهاء من أداء الصلوات الخمس .في حين انتهجت السلطة في عهد الملك محمد السادس مقاربة أخرى تعتمد تقليص النشاط الدعوي للمعارضة الأصولية من خلال ملء فضاء المسجد و التحكم في مجاله . وقد تجسدت هذه المقاربة من خلال المذكرات الأربع التي أصدرتها وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية ، خاصة المذكرة رقم 16 التي تنص على فتح المساجد ابتداء من صلاة الصبح وساعة بعد صلاة العشاء، وتبقى مفتوحة بين ذلك على الدوام ، و العمل على وضع سبورة في كل مسجد وتنظيم دروس لمحو الأمية في المساجد تتولى وزارة الأوقاف انتقاء الأشخاص المكلفين بهذه المهمة .في حين نصت المذكرة رقم 18 على فتح المساجد للنساء الواعظات واستدعاء العالمات والنساء المؤهلات سواء في الجمعيات النسوية وغيرها ، وتسهيل مهامهن سواء في القيام بالوعظ والإرشاد أو دروس محو الأمية . . وفي سياق التحكم في هذا المجال التعبدي ، وطبقا لما ورد في الرسالة السالفة الذكر ، أعلن المجلس الأعلى للعلماء في 28 يونيو 2024البدء بتطبيق خطة تبليغ دينية جديدة تسمى "خطة تسديد التبليغ". حيث ورد في بيان للمجلس نشر على حساباته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي: أن"خطة التبليغ مشروع تسعى من خلاله مؤسسة العلماء إلى النهوض بأمانات العلماء في واجب تبليغ الدين من أجل تحقيق مقومات الحياة الطيبة في المعيش اليومي للناس، بحيث يكون لإيمانهم وعباداتهم ثمرات تنعكس على نفوسهم بالتزكية وصلاح الباطن، وعلى سلوكهم بالاستقامة وصلاح الظاهر".ليتم بعد ذلك تطبيق هذا القرار مع خطبتي جمعة 28 يونيو، وخطبة 5 يوليوز 2024.. وقد تفاعلت وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الالكترونية بالإضافة إلى بعض المنابر الصحفية مع هذا القرار الجديد للمجلس العلمي الأعلى، بشأن مسألة "خطبة الجمعة الموحدة" حيث أثار جدلا واسعا خاصة في الأوساط الدينية والإعلامية .حيث تم التساؤل حول مدى مشروعية توحيد خطبة الجمعة دينيا: فقد صرح لحسن بن إبراهيم السكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لتمارة، بأنه "يجوز أن تكون الخطبة موحدة متى دعت الحاجة إلى ذلك، وقد حدث هذا مرارا وتكرارا، فكانت الوزارة تراسل الخطباء عن طريق المندوبيات إما لإلقاء خطبة موحدة مكتوبة، مثلا خطبة حول الحفاظ على الماء، أو حول احترام قانون السير، أو حول الاحتراز من الأوبئة والأمراض كما حدث إبان ظهور وباء كوفيد (كورونا)". مضيفا بأن "الوزارة تبعث بعنوان الموضوع، وتترك للخطباء حرية التحرير، وعليه فليس هناك ما يمنع شرعا من توحيد خطبة الجمعة كلما دعت الضرورة إلى ذلك". معددا محاسن توحيد الخطبة، إذ يرى بأن"لهذا الأمر فوائد، وهي عدم التطويل والابتعاد عن كثرة الاستطرادات، ووحدة الموضوع، والابتعاد عن المواضيع التي تثير الفتنة وتؤدي إلى الفرقة، والابتعاد عن التشهير والقذف والاتهامات التي تمس ذمم الناس، ومساعدة الخطباء غير القادرين على تحرير الخطبة والالتزام بضوابط نجاحها على تجاوز هذا الأمر مع التدرب على ذلك أي على تحرير الخطبة بالشروط المرعية".وحرية الخطيب في اختيار الموضوع أيضا لها محاسن وفق المتحدث عينه، ومنها: "الانطلاق من حاجة الناس وواقع المجتمع، كون الخطبة تصدر من وجدان الخطيب وروحه فتصل إلى قلوب الناس، لأن ما خرج من القلب يصل إلى القلب. الأصل أن خطيب الجمعة حر في اختيار موضوع خطبته بشرط التزامه بحسن اختيار الموضوع بالانطلاق من حاجة الناس وواقع المجتمع، وتحديد الهدف، وحسن توظيف النصوص الشرعية، ووحدة الموضوع، وعدم التطويل الممل، والاختصار المخل، والابتعاد عن كثرة الاستطرادات التي تشتت انتباه المستمع، وصياغة الخطبة بلغة عربية سليمة، والابتعاد عن الفتوى في الأمور المستجدة المتعلقة بالشأن العام، التي مرجعها إلى الهيئة العلمية للإفتاء التابعة للمجلس العلمي الأعلى، والاعتماد فقط على المصادر والمراجع الأصيلة". في حين انتشرت تدوينات تزكي هذا القرار ، حيث أثنى أحد المدونين على هذا القرار، معتبرا أنه يساعد على إغلاق ما وصفها بالفتن، وغرد"جزى الله خيرا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية على ما تقدمه من توحيد الخطبة لإصلاح المجتمع وتفقيه الناس في دينهم ودنياهم وسد باب الفتنة على كل فتان". كما عبر مدون آخر عن رأيه بشأن إيجابيات القرار، وغرد "بالعكس يا الإخوان، المبادرة طيبة، كم من خطيب لا يؤثر، فهذه الخطب تساعده على الرفع من منسوب الاستجابة، نشكر الوزارة الوصية على هذه الخطة ". أما المغرد كريم فكان له رأي آخر، حيث رأى أن القرار قصد منه تحديد المواضيع التي تريد السلطات أن يتحدث عنها الأئمة، وقال "توحيد الخطب الهدف منه غلق الباب أمام تناول الخطباء الموضوعات الحية والتفاعل مع مستجدات الساحة الثقافية والسياسية، الشيء الذي لا يعجب السلطة".لكن في المقابل انتقدت أوساط دينية أخرى هذا القرار ، حيث كتب محمد حمداوي، القيادي في جماعة "العدل والإحسان"، ورئيس مكتب علاقاتها الخارجية، أن "خطة تسديد التبليغ تستهدف، كما قيل، ترشيد تبليغ أمور الدين في البلد. وقد تزامن ذلك مع توحيد خطبة الجمعة على الصعيد الوطني، وتوقيف أحد الخطباء لأنه لم يلتزم حرفيا بما برمجته الوزارة في خطبتها".متهما السلطات بالرغبة في "تحنيط وتعليب" التبليغ، وجعل الخطباء والوعاظ والعلماء مجرد مذيعي قنوات موظفين لديها ينطقون بما يقدمه المخرج في دهاليز الوزارة، ويخالف صريح الدين والشرع والسنة في الحرية التي أناطها الإسلام بالدعاة من خطباء وعلماء ووعاظ ومؤطرين في اختيار ما يرونه مناسبا لما هو مطروح أمامهم من قضايا مجتمعية تستلزم التوجيه والإرشاد". في حين اعتبر إدريس الكنبوري، باحث في الشأن الديني، قرار توحيد الخطبة "غير موفّق، فتوحيد خطبة الجمعة يكون فقط في القضايا الوطنية الكبرى، وعندما نكون في حاجة إلى سماع خطبة حول قضية محددة وفي زمن محدد موضحا أن "انخراط المغرب في مشروع هيكلة الحقل الديني، وخاصة تكوين الأئمة، ابتغى الحصول على نخبة من الخطباء والأئمة لهم تجاوب مع الناس" .كما دون أحد الخطباء عبر "فايسبوك" منتقدا القرار: "فتوحيد الخطبة يعني تكميم الأفواه، وهو إهانة لمنبر رسول الله، وقتل تام لدور المسجد، وإهانة للخطيب، والإمام، والعالِم". بل لقد ذهبت انتقادات بعض المعارضين لهذا القرار إلى القول "على هذا الأساس يمكن للوزارة الوصية تركيب أجهزة تلفزية بالمساجد الجامعة لبث خطب الجمعة مباشرة من قناة من القنوات الرسمية، وبهذا ستوفر ما تمنحه للخطباء من تعويض، وتأمن أي مفاجأة من المفاجآت التي لا ترغب في حصولها".في حين كتب البعض أنه "بعد أن قضى عمره في الدراسة والتفقه في الدين أصبح خطيب الجمعة في بلادي يقرأ من ورقة لم يكتب ما فيها كأنه مقدم برامج تلفزيونية أو تلميذ في المدرسة". بالإضافة إلى هذه الانتقادات ، فهناك بعض الأئمة الذي لم يعجبه هذا القرار مثل إمام مسجد طنجة أحمد أجندوز الذي قال إنه فُصل عن العمل بسبب اعتراضه. حيث ظهر في فيديو ممسكا بوثيقة تشير إلى فصله من عمله بسبب "الزج بالخطبة في حساسيات ضيقة". وفي هذا الصدد أيضا ، انقسم المصلون ومرتادو المساجد بين مصلين مؤيدين لهذا القرار معتبرين أن الخطوة تعكس التوجه الموحد للبلاد في مواجهة القضايا الكبرى ، فتوحيد الخطبة هو أمر ديني قبل أن يكون سياسي أو اقتصادي، حيث سيساعد هذا التوحيد في توجيه المجتمع نحو القيم الإسلامية الصحيحة وتعزيز التماسك الاجتماعي. .وبالتالي ، فإن المجلس العلمي الأعلى هو الجهة المختصة في الأمور الدينية والفقهية، وبالتالي له دراية كاملة بجميع المسائل التي تهم الأمة. في المقابل، اعترض مصلون آخرون على توحيد خطبة، الجمعة لأن كل منطقة في المغرب لها مشاكل وصعوبات مختلفة ومستوى ثقافي مختلف، مما يتطلب أن تكون خطبة الجمعة مرنة وتراعي احتياجات وظروف كل منطقة، ولا يمكن تجاهل القضايا المحلية المهمة لصالح موضوع موحد قد لا يكون له نفس الأهمية في جميع المناطق. حيث يجب أن يكون للأئمة الحرية في اختيار المواضيع التي تتناسب مع واقع المجتمع المحلي لضمان أن تكون الخطبة ملهمة.فعندما يتحدث الخطيب عن مشاكل محددة يعاني منها المجتمع المحلي، يشعر المصلون بأن الخطبة تتناول قضاياهم الشخصية، مما يجعلهم أكثر ارتباطاً وتفاعلاً معها. .فالتنوع في المواضيع يعكس واقع المجتمع واحتياجاته. لذلك يجب أن تكون للخطباء الحرية في التطرق إلى المواضيع التي يرونها مهمة وضرورية لمجتمعاتهم المحلية وشؤونهم الإقليمية والجهوية. وبالتالي ، وللتخفيف من حدة الجدل الذي أثاره قرار"خطة تسديد التبليغ"، القاضي بتوحيد خطبة الجمعة بجميع مساجد المملكة، نشرت وزارة الأوقاف توضيحا بشأن قرار تعميم الخطب بأنه مؤقت وليس دائما، ويراد به قياس رد الفعل العام على هذا المشروع والتفاعل الإيجابي معه ومع مواضيع بعينها.موضحة عبر منشور في حسابها الرسمي على "فايسبوك" بأن "السادة الخطباء والوعاظ كانوا ومازالوا يتمتعون بحرية تصحبها مسؤولية في إلقاء خطبهم، ومواعظهم، باعتبارهم محل ثقة وكفاءة في ذلك، عدا بعض الحالات القليلة جدا التي تشذ أحيانا عن هذا الاطراد". محاولة طمأنة الخطباء بأنهم "سيستمرون في إعداد خطبهم وذلك بالاعتماد على كفاءتهم، وهم محل ثقة، مبلغين، ومرشدين للناس". في حين اقترح المجلس العلمي الأعلى أن "يشرف الخطباء على خطبة جمعة موالية كل يوم أربعاء على الساعة الثانية بعد الزوال، لمن أراد اعتمادها، وذلك على موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وعلى صفحاتها الاجتماعية، وكذا على صفحات المجالس العلمية الجهوية والمحلية". الشيء الذي اعتبر تراجعا من المجلس عن القرار السابق. وعموما ، فيبدو أن هذا القرار كان يتغيا بالأساس ضبط المجال التعبدي في ظرفية سياسية تميزت بالخصوص بتداعيات الحرب الدائرة بغزة وبعد "خروج بعض الخطباء عن المنهج العام ولجوئهم إلى بعض الخطب التي تثير المشكلات، وإثارة تصريحات سياسية بدلا من تناول موضوعات دينية".حيث تم "إيقاف بعض الخطباء لأن لديهم تقارير أمنية، ولعدم حيادتهم، رغم أن الخطباء يجب أن يكونوا مستقلين عن الأمور السياسية التي يجب أن يكون مكانها الندوات وليس المساجد". وبالتالي ، فقد كان الهدف من القرار هو العمل على "تنقية وتصفية الحقل الديني الرسمي انطلاقا من أن المنبر منبر دين وتدين وليس منبر سياسة... "