انتهى الجدل الذي رافق توحيد خطبة الجمعة، الذي شرعت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في تطبيقه قبل أسبوعين، ضمن "خطة تسديد التبليغ"، إذ اقترح المجلس العلمي الأعلى، أمس الإثنين، جعل الأمر "اختياريا". خطة تسديد التبليغ ومع خروج "خطة تسديد التبليغ"، التي تضمّنت توحيد خطبة الجمعة بجميع مساجد المملكة، أوضحت وزارة الأوقاف، عبر منشور في حسابها الرسمي على "فايسبوك"، أن "السادة الخطباء والوعاظ كانوا ومازالوا يتمتعون بحرية تصحبها مسؤولية في إلقاء خطبهم، ومواعظهم، باعتبارهم محل ثقة وكفاءة في ذلك، عدا بعض الحالات القليلة جدا التي تشذ أحيانا عن هذا الاطراد". وتوحيد هذه الخطبة، وفق المصدر ذاته، "مؤقت وليس دائم، ويروم التحسيس العام بهذا المشروع، وبناء الاستجابة له، والتفاعل الإيجابي معه، ومدارسة مواضيع بعينها في دروس وعظ منتظمة في خط المؤسسة". وطمأنت الوزارة الخطباء بأنهم "سيستمرون في إعداد خطبهم بعد هذه الفترة، وذلك بالاعتماد على كفاءتهم، وهم محل ثقة، مبلغين، ومرشدين للناس"، وفق تعبيرها. ولم تحظ خطوة الوزارة بقبول من جميع الأئمة، فقد خرج العديد منهم عبر منشورات على "فايسبوك" ينتقدون القرار، معتبرين إياه "محاولة لتقييد إبداعهم". وبعد هذا الجدل الذي رافق خطوة "تسديد التبليغ" اقترح المجلس العلمي الأعلى، أمس الإثنين، أن "يشرف الخطباء على خطبة جمعة موالية كل يوم أربعاء على الساعة الثانية بعد الزوال، لمن أراد اعتمادها، وذلك على موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وعلى صفحاتها الاجتماعية، وكذا على صفحات المجالس العلمية الجهوية والمحلية". هل تجوز شرعا؟ ويطرح هذا النقاش في الأصل مدى مشروعية توحيد خطبة الجمعة دينيا. وقال لحسن بن إبراهيم السكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لتمارة، إنه "يجوز أن تكون الخطبة موحدة متى دعت الحاجة إلى ذلك، وقد حدث هذا مرارا وتكرارا، فكانت الوزارة تراسل الخطباء عن طريق المندوبيات إما لإلقاء خطبة موحدة مكتوبة، مثلا خطبة حول الحفاظ على الماء، أو حول احترام قانون السير، أو حول الاحتراز من الأوبئة والأمراض كما حدث إبان ظهور وباء كوفيد (كورونا)". وأضاف السكنفل في حديث مع هسبريس أن "الوزارة تبعث بعنوان الموضوع، وتترك للخطباء حرية التحرير، وعليه فليس هناك ما يمنع شرعا من توحيد خطبة الجمعة كلما دعت الضرورة إلى ذلك". وعدّد المتحدث عينه محاسن توحيد الخطبة، موردا: "لهذا الأمر فوائد، وهي عدم التطويل والابتعاد عن كثرة الاستطرادات، ووحدة الموضوع، والابتعاد عن المواضيع التي تثير الفتنة وتؤدي إلى الفرقة، والابتعاد عن التشهير والقذف والاتهامات التي تمس ذمم الناس، ومساعدة الخطباء غير القادرين على تحرير الخطبة والالتزام بضوابط نجاحها على تجاوز هذا الأمر مع التدرب على ذلك (أي على تحرير الخطبة بالشروط المرعية)". وحرية الخطيب في اختيار الموضوع أيضا لها محاسن وفق المتحدث عينه، ومنها: "الانطلاق من حاجة الناس وواقع المجتمع، كون الخطبة تصدر من وجدان الخطيب وروحه فتصل إلى قلوب الناس، لأن ما خرج من القلب يصل إلى القلب". "الأصل أن خطيب الجمعة حر في اختيار موضوع خطبته بشرط التزامه بحسن اختيار الموضوع بالانطلاق من حاجة الناس وواقع المجتمع، وتحديد الهدف، وحسن توظيف النصوص الشرعية، ووحدة الموضوع، وعدم التطويل الممل، والاختصار المخل، والابتعاد عن كثرة الاستطرادات التي تشتت انتباه المستمع، وصياغة الخطبة بلغة عربية سليمة، والابتعاد عن الفتوى في الأمور المستجدة المتعلقة بالشأن العام، التي مرجعها إلى الهيئة العلمية للإفتاء التابعة للمجلس العلمي الأعلى، والاعتماد فقط على المصادر والمراجع الأصيلة"، يردف السكنفل. الانتقادات ودوّن أحد الخطباء عبر "فايسبوك" منتقدا القرار: "توحيد الخطبة يعني تكميم الأفواه، وهو إهانة لمنبر رسول الله، وقتل تام لدور المسجد، وإهانة للخطيب، والإمام، والعالِم". واعتبر إدريس الكنبوري، باحث في الشأن الديني، قرار توحيد الخطبة "غير موفّق"، وتحويله إلى "مسألة اختيارية" دليل على ذلك. وأضاف الكنبوري لهسبريس أن "قرار المجلس العلمي الأعلى وضع خطبة جمعة موالية أظهر أن هناك عقلاء تبيّن لهم قرار التوحيد غير منطقي وغير عملي"، موضحا أن "انخراط المغرب في مشروع هيكلة الحقل الديني، وخاصة تكوين الأئمة، ابتغى الحصول على نخبة من الخطباء والأئمة لهم تجاوب مع الناس". وفي هذا الصدد استغرب المتحدث عينه "توحيد الخطبة، وجعل الإمام في مقام شخص غير مكوّن يقرأ فقط ما تمت كتابته له"، مضيفا أن "التوحيد غير متناسب وطبيعة المواضيع في كل منطقة بالمغرب". وشدد الباحث ذاته على أن "توحيد خطبة الجمعة يكون فقط في القضايا الوطنية الكبرى، وعندما نكون في حاجة إلى سماع خطبة حول قضية محددة وفي زمن محدد".