رغم كل الرسائل التي حملتها نتائج انتخابات الثامن من شتنبر2021. بقي حزب العدالة والتنمية وفِيًّا لخطابه السياسي الذي لا يحمل وُدّاً واضحا للطبقة المتوسطة في المجتمع المغربي. فلم يتردد هذا الحزب والمركزية النقابية المحسوبة عليه في اعتبار الزيادة في أجور الأساتذة الباحثين والأطباء العاملين في القطاع العمومي "رشوة". وهو بذلك يَلْمِز الطبقةَ المتوسطة بالاستعداد للمقايضة بإرادتها الحرة في المحطة الانتخابية المقبلة. ويعترض ضمنيا على استفادتها من زيادة خاصةٍ في الأجور. وبهذا السلوك السياسي يبدو للوهلة الأولى أن "البيجيدي" مُصرّ على تعميق الهوة بينه وبين طبقة اجتماعية فاعلة ومؤثرة في حركة المجتمع المغربي. فمن الناحية العملية فالحزب يضم أعدادا معتبرة من الجامعيين والأطباء والمهندسين والأطر العليا والمتوسطة داخل الإدارات العمومية. وعلى مستوى السلوك السياسي فعلاقة الحزب بالطبقة المتوسطة علاقة خصومة ومعاكسة. فكيف اذن يمكن فهم هذه المفارقة؟ فإذا أضفنا لكل ذلك المواقفَ التي عبرت عنها قيادة الحزب تجاه فئة الفنانين والإعلاميين قبيل انتخابات 2021 فإن الموضوع يبدو أشد غموضا والتباساً. لكن إذا استحضرنا سلوك قيادة الحزب الحالية تجاه الطبقة المحافظة من خلال مرافعاتها السابقة بخصوص مواضيع الهوية. ومن خلال تبنيها الحالي لخطاب سياسي قوي ومباشر في الاتجاه نفسه باستثمار مواضيع إصلاح مدونة الأسرة. ومناهضة تيار المثلية. والاحتجاج ضد التطبيع في علاقته مع حرب "إسرائيل" على غزة. فإذا استحضرنا كل هذا يمكن أن نهتدي لبعض عناصر الجواب عن المفارقة المذكورة. فربما حسب تقديري تسعى القيادة الحزبية الحالية إلى استرجاع موقعها الأصلي. وقاعدتها الصلبة التي حملتها إلى الواجهة في مرحلة البدايات. وهي الطبقة المحافظة. وفي هذه الحالة يمكن فهم الخطاب السياسي للحزب بكونه خطابا يصدر عن رؤية للمجتمع المغربي تقوم على تحديد مورفولوجيته ثقافيا. وليس اجتماعيا. فالأعضاء المنتمون للحزب والعاطفون عليه يقيِّمون خطابه من جانب الربح والخسارة ثقافيا. أو "هوياتيا". وليس اجتماعيا. أتصور أن الحزب. أو قيادته على الأقل قد أنجزت قراءة لنتائج الانتخابات الماضية. وخلصت إلى كونه قد بدأ يفقد أشد قلاعه تحصينا "المحافظين" بسبب قرارات ومواقف تعود للقيادة الحزبية السابقة. من قبيل التوقيع على الاتفاق الثلاثي. والتناوب اللغوي في القانون الإطار 17/51. وتقنين الاستعمالات الطبية لنبتة القنب الهندي. ولكل ذلك استعاد الحزب خطابه القديم لاستعادة مناصريه المفقودين استعدادا للنِّزالات القادمة. تبقى القراءة التي قدمناها مجرد محاولة لفهم الخطاب السياسي لأحد أهم الأحزاب المغربية الذي دبًّر الشأن العام لولايتين حكوميتين متتاليتين. ولكنها قراءة قابلة للمناقشة والمشاكسة. وهو ما يدعونا لطرح الأسئلة التالية: هل يعتبر تعويل العدالة والتنمية على الطبقة المحافظة اختيارا صائبا؟ هل سينجح العدالة والتنمية في استعادة ثقة المحافظين؟ هل ما حققه العدالة والتنمية من نتائج انتخابية غير مسبوقة يعود فيه الفضل فقط للمحافظين؟ لا استبعد أن يستعيد البيجيدي ثقة قطاعات عريضة من المحافظين على اختلاف تنوعاتهم. ولكني لا أستبعد كذلك مقاومة الطبقة المتوسطة لعودة الحزب إلى دواليب الحكم بالنظر لما كرسه لديها من شكوك وتخوفات على مصالحها المادية والمعنوية. فقد تكون نزالات العدالة والتنمية لخصومه السياسيين شرسة وقوية. وقد يحقق فيها مكاسب تُبعده عن ذيل الترتيب. ولكن من الصعب جدا أن يعود لفتراته الذهبية. لأن السياق العام في المحطتين الزاهرتين مختلف تماما عن السياق الحالي. فالنتائج الباهرة لا يعود الفضل فيها للمحافظين ولا للأعضاء فقط. ولكن يعود كذلك حتى للمختلفين أيديولوجيا وسياسيا مع الحزب. وفي مقدمتهم الطبقة المتوسطة من جامعيين وإعلاميين وفنانين ومثقفين يساريين ولبراليين كذلك. ولذلك كانت النتائج يومها مفاجئة للمناضلين والمناضلات الفاعلين داخل الحزب. وإننا إذ نقدم. ونطرح تلكم الأسئلة. نفعل كل ذلك في غياب أوراق تحدد بوضوح الأطروحة السياسية. وموجهات الخطاب السياسي لهذا الحزب. اللهم إلا عناوين وشعارات يوجد على رأس قائمتها عنوان "المرجعية الإسلامية". وهو شعار عام فضفاض شكل محل اختلاف وخلاف في الفهم والتأويل حتى بين قياديي الحزب أنفسهم.