المشهد السياسي المغربي لم يعد حقلا مستقطبا للكفاءات بقدر ما أصبح مسرحا يغري بالمتابعة والفرجة لكثرة فضائحه السياسية والاخلاقية، فبعد تدخل القضاء لفرملة ماكينة الفساد المالي والأخلاقي، التي كادت تأتي على الأخضر واليابس "في ظل فشل الأخضر الذي أصبح اصفرار بفعل الجفاف"، ماكينة منظمة ومهيكلة أكثر من الأحزاب والنقابات التي تنشط فيها، ماكينة عابرة ومتمددة استطاعت تسلق المناصب بسهولة داخل دولة تجر تاريخا من قرون. بقدرة قادر أصبح لنا فريق برلماني داخل المؤسسات السجنية عبر ربوع المملكة، ليتم تعرية الفساد المالي والإداري الذي ينخر جسم أحزاب تدعي ظلما وعدوانا الدفاع عن مصلحة المواطن والوطن. وهناك من حول الأحزاب إلى محلات تجارية، تباع فيها التزكيات والدراسات والوساطات، المجلس الأعلى للحسابات وتفعيلا لدوره الدستوري، أسقط ورقة الثوث على بعض القيادات الحزبية التي جعلت من احزابها مقاولات عائلية ذات نفع خاص، حيث توزع الدراسات والمناصب على الأقارب والأحباب، ولولا رقابة المجلس الأعلى للحسابات لباعو مقرات الاحزاب، ولوجدنا مكاتبها تباع في محلات الخوردة، أو فوتت لأحد أبنائهم. أما الديمقراطية الداخلية للأحزاب فأصبحت مجرد كلام يراد به باطل، القيادة للمقربين والقرار للفاسدين وأصحاب المال المشبوه، لم تعد الأحزاب منتجة للنخب ومستقطبة للكفاءات، في ظل وجود فاسدين يتحكمون في كل صغيرة وكبيرة، ينتجون بلطجية في زمن توقف إنتاج الفكر. أحزاب تذهب لمؤتمراتها بالتوافق على زعيم الحزب جاعلة محطات مؤتمراتها مجرد مسرحيات تمارس فيها أبشع الجرائم في حق الديمقراطية، حيث يتم دفنها في صناديق زجاجية شفافة، أو يتم ذبحها وصلبها بالتصفاق أو رفع الأيادي، حيث تحمل جثة هامدة إلى مقبرة الشهداء على أكتاف قاتليها مصحوبة بزغاريتت "النكافات" السياسية. حين يتوقف الفكر عن الإنتاج يحضر العنف، مما حول عدد من الأحزاب إلى ثكنات عسكرية من زمن الديكتاتوريات، حيث الزعيم لا يغادر القيادة إلا بتدخل من عزرائيل، ومن يتجرأ ويجادل الزعيم أو حاشية الزعيم مآله لطمات ولكمات على خده من قبل حراس المعبد تعيده لجادة الصواب. بعد اللطمات القضائية المتواصلة على مفاصل الأحزاب، وبعد اللطمات المالية للمجلس الأعلى للحسابات جاءت اللطمة الاستقلالية بنيران صديقة لتخدش ما تبقى من حياء في وجوه الأحزاب السياسية، لطمة تعادلية في وجه التعددية، فبعد كل هذه اللطمات بأي وجه ستواجه الاحزاب زبنائها في خريف 2026؟