في حوار له مع موقع "أفريقيا بريس"، قال القيادي في جماعة "العدل والإحسان" حسن بناجح إن "تعريف الدولة هو إحدى القضايا والتحديات التي طرحت على الحركة الإسلامية عموما مع الربيع العربي، وكان لا بد لها من البحث عن إجابات مقنعة وبلورة مقترحات سياسية قابلة للتطبيق". وهذا كلام صحيح إذا ما نظرنا إلى تأخر وعي الإسلاميين بواقع الدولة ومفهومها وتاريخيتها، إلا أنه قد يصبح بدون جدوى إذا افتقر إلى التفسير الاجتماعي والتاريخي للدولة كمفهوم محدد في المكان والزمن، كظاهرة تاريخية لا يمكن فصلها عن بنى المجتمع إلا ذهنيا. إنها لا تخرج في تحققها التاريخي عن واقعين، فإما انعكاس سياسي لعلاقات إنتاجية معينة، وإما فاعلية اقتصادية-سياسية في بنية الإنتاج نفسها (انظر "نظرية الدولة" لنيكولاس بولانتزاس). هل انطلقت "الجماعة" في "وثيقتها السياسية" من هذه البنية التحليلية؟ لو كان كذلك لما كان كل تركيزها على نموذج دستوري سياسي ليبرالي يتسامى على شرطه التاريخي، لما استحالت في "الوثيقة" دعوة تغض الطرف عن ضرورتها السوسيو-سياسية. إن ما اعتبره بناجح "حديثا مفصّلا" (في ذات الحوار) ليس تفصيلا في "التفسير وتكييف المفهوم في شرط تاريخي خاص"، بل هو تفصيل في نموذج سياسي ودستوري غائي، يرسم للمغرب صورة لا في مستقبله القريب ولا المتوسط ولا البعيد، بل في ذهنية تستوحي النموذج السياسي الليبرالي من غير انتباه ل"خصوصية سياسية" هي أقدم من الليبرالية نفسها. وهنا يطرح سؤال مهم ولا بد منه على الجماعة: هل بذلت جهدا علميا في تمييز "الدستورانية المغربية" ما دامت تدعو إلى واقع دستوري جديد؟! يجب على الجماعة أن تجيب على هذا السؤال بتفصيل قبل التفصيل في نموذج "الدولة المدنية مقابل عسكرة وبولسة الدولة" ونموذج "الدولة المؤسساتية الدستورية الحرة بعيدا عن الدولة الشمولية والثيوقراطية كما عرفها الغرب وعاشها تجربة وعانى من تواطؤ الإكليروس الكنسي وسلطة الإقطاع" (ذات الحوار). إذا كانت الدولة الثيوقراطية في الغرب مرتبطة بالإقطاع وجب التساؤل: أين هو إقطاع المغرب؟! وإذا كانت الكنيسة الإكليروسية هي التجلي الديني لسلطة الإقطاع وجب التساؤل أيضا: أين كنيسة المغرب؟! لقد حاول "اليسار" تبيئة هذا التحليل في الشرط المغربي، فأضاع التحليل، وأضاع قبله الأداة التحليلية بتعطيلها والعدول عنها بتحليل جاهز. هذا الفصل اللاتاريخي بين الديني والسياسي، بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية، بين سلطة المرشد ومطلوب السياسة؛ لا يشكل مصدر حرج لدولة لا إقطاعية ولا كنسية ولا إكليروسية فحسب، بل يحرج الجماعة نفسها ويفكك ثنائيتها "الشيخ/الجماعة". إنه دعوة ضد الجماعة من حيث لا تدري، إفقار لوجودها في المجتمع المغربي وهي تحسب أنها أحسنت صنعا. قد تتحجج الجماعة باختلاف "مرجعية الشيخ" عن "مرجعية السلطة"، غير أن نجاعة كل منهما لا تتحدد إلا تاريخيا. إن التحيز للأولى على حساب الثانية قد يفي بغرض "الجماعة" في تاريخها الخاص، في حين قد لا يسعف في "تقدم التاريخ العام"، أي تاريخ الدولة في "ضرورتها السياسية والاجتماعية". يتجلى القصور النظري أيضا في الشعار الذي ترفعه الجماعة في "وثيقتها": "دولة المجتمع لا مجتمع الدولة"؛ وهي بذلك لا تدري أن الدولة هي دائما "دولة مجتمع"، وأن المجتمع هو دائما "مجتمع دولة"؛ أو بلغة أكثر دقة: "لكل دولة سيطرة على المجتمع، ولكل مجتمع غاية هي الدولة". بين "الدولة الاجتماعية" و"الدولة السياسية" (بتعبير هيجل) علاقة مستمرة، ولا تنفصل الأولى عن الثانية إلا لتنتج "دولة سياسية" جديدة وفقا للمضمون الاجتماعي الجديد. بكل وضوح يجب أن تخاطَب "العدل والإحسان" ما دامت تسعى إلى تطوير نفسها والبحث عن أفق عملي لممارستها الإيديولوجية؛ إنها مطالبة بمراجعة نظرية تصحح من خلالها علاقتها ب"نظرية الدولة" في عموميتها من جهة، وبتحققها في شرط تاريخي خاص هو الشرط المغربي من جهة ثانية. الاعتماد على "الدستورانية الغربية" في تحديد المطلب السياسي، يدفع الجماعة إلى ممارسة إيديولوجيا جديدة قد تتحول إلى إيديولوجيا مضعّفة بفعل التوفيق بين "أدلوجة الليبرالية" و"طوبى الخلافة".