هل لا زال بإمكاننا الحديث عن الإنسانية في خضم المذبحة الجارية في غزة والضفة الغربية؟ غير بعيد عن المسجد الأقصى وكنيسة المهد، أشلاء بشرية متناثرة، ورؤوس أطفال امتلأت برصاص القناصة، رجال يقهرون، وصغار مرتعبون، ونساء في عذاب شديد، بين الترحيل والتجويع والحصار، ولا أمل يلوح في الخلاص. اللهم إلا الخلاص الأخير، والراحة الأبدية من الأوجاع، وجع القهر والظلم، ووجع الفقد، وقلة ذات اليد، ووجع الخذلان، ووجع الوجع... يشهد العالم اليوم حروبا وصراعات دموية لم يشهد لها مثيل، تثير تساؤلات حول أسبابها وعلاقتها بمقاصد ومفاهيم الأديان. من بينها ما تتحدث عنه النبوءات الدينية عن ظهور "الدابة" في الديانات المسيحية واليهودية والإسلامية، وتحليله في سياق الأحداث الراهنة. وعند المسيحيين يظهر في سفر الرؤيا حيوان ذو سبعة رؤوس وعشرة قرون يدعى "الدابة"، يفسره البعض على أنه رمز للشر والاضطهاد، بينما يراه آخرون رمزا للأنظمة الديكتاتورية. وفي الديانة اليهودية: يشير "غوليم" في بعض النصوص اليهودية إلى مخلوق ضخم يخلقه الإنسان ليخدمه، لكنه قد ينقلب عليه. ويربط بعض المفسرين هذا المفهوم بالمخاطر الكامنة في التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي. وفي الإسلام: تشير "الدابة" في أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى حيوان ضخم يخرج من الأرض في آخر الزمان، حاملا علامات الساعة الكبرى قبل أن تشرق الشمس من مغربها ويحل يوم الساعة، ويربطها بعض المفسرين بالفتن والحروب التي تسبق يوم القيامة. تثير التطورات المتسارعة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي مخاوف من إمكانية انفلاتها عن سيطرة الإنسان، شأنها شأن أسلحة الدمار الشامل التي يتباهى بها بوتين وحكام الولاياتالمتحدةالأمريكية ووزراء اليمين المتطرف الصهيوني.. لكل ذلك فالدابة في الأديان السماوية ليست بالضرورة كما يمكن أن نتخيلها بأطراف دابة ضخمة أو مخيفة، بل قد تكون في صورة بشر يرتدون بدلات رسمية، يخفون وراء ابتسامتهم الباردة أبشع أنواع الشر، يتوفرون على زر أحمر يطلق دمارا شاملا وينذر بالفناء. وتبقى أحداث عالمنا اليوم تثير تساؤلات عميقة حول طبيعة الشر، والقدرة على مواجهته..