يتم اسعمال هذه العبارة في مجال الصحافة وبالضبط في أمريكا اللاتينية للدلالة على نوع من الصحافة التي تقتات على ما تبقى من الاخبار الرديئة، مثلما تقتات النسور على بقايا الجثت المتحللة، بعد أن تربعت الثديات على هرم السلسلة الغدائية، ليس بعيدا عن ذلك، تداول الرأي العام قبل أيام صورة سعيدة شرف وهي تقف خلف عشرات الميكروفونات لكي تدلي بتفاصيل نزالها مع الفنانة دنيا باطما حول قضية" حمزة مون بيبي"، لقد كانت الصورة عصية على الهضم والإستيعاب بالنسبة لرواد الفيسبوك، حيث حمل بعضهم أو جلهم المسؤولية للمنابر الإعلامية التي كانت حاضرة هناك، باعتبارها المسؤولة الأولى على ترويج التفاهة والبحث عن البوز على حساب ما يثير فضول المتتبع. إن ما يهمنا في هذا المقال ليس هو تناول هذه الواقعة بحذ ذاتها ولكن سنعتبرها محطة للإنتباه لخصائص هذا النوع من الإعلام الرقمي الذي صار يقض مضجع الصحافة المهنية، ويستفحل بقوة في الساحة الإعلامية. أولا يجب الإعتراف بأن هذا النمط الإعلامي لايمثل خصوصية مغربية بل هو صيرورة عالمية تنتشر في جل بقاع الأرض حيث لا نحتاج تفصيلا في ذلك. إذن نحن أمام ظاهرة كونية قد ترتقي إلى مستوى التعميم مع مراعاة الإستثناء. إن التوجه الإعلامي الجديد هو نتاج التحول الرقمي الذي يعتمد على نسبة المشاهدات واللايكات وعملة "الأدسنس"، إنها عناصر بمثابة البوصلة التي تحدد خطاطة الخط التحريري وتحدد أيضا طبيعة المحتوى، بمعنى اخر، يمثل "الأدسنس" كمنتوج تقني قاعدة ربحية مهمة بالنسبة للمواقع الإلكترونية، حيث تسعى هذه الأخيرة إلى مضاعفة ربحها عن طريق تقديم محتويات رديئة وكفيلة بجلب جمهور واسع، إن المتغير التكنولوجي هو الفاعل الرئيسي الذي ساهم في إفراغ الصحافة من محتواها الهادف، بعد أن ربط الربح بنسبة المشاهدة، حيث تتواطئ التكنولوجيا مع التخلف الإجتماعي، لكي تصنع لنا مشهدا إعلاميا ناقلا للفرجة والفضيحة، حيث تنتعش " صحافة البوز"غالبا داخل أوساط يغلب عليها ضعف النسيج التعلمي وارتفاع نسبة الأمية لقد ساهمت الصيغة الإلكترونية للصحافة في تكريس المتخصر والموجز والسريع، والبسيط، على حساب المحتوى المعقد والتحليل الرصين، الذي كانت تتميز به الصحافة الورقية، فأمام الصيغة الإلكترونية، أصبح القارئ غير مستعد لقتل الوقت بالقراءة المتأنية، بل يبحث على استهلاك محتوى بسيط وقابل للهضم ويحتوي على عنصر الفرجة وإشباع الفضول. نقطة أخرى مشتركة بالسنبة لهذه المنابر، وهي اعتمادها في أغلب الأحيان لعناوين باللغة الدارجة، صيغة العناوين تكون مخالفة للمحتوى، تعتمد صيغة المبالغة أو التهويل أو التمويه، قصد جذب القارئ، تستعمل الصيغة المعروفة من قبيل" "سارع قبل الحذف"، أو " ها شنو وقع لفلان وفلانة"، دخلو شوفو الكارثة لي وقعات " وغيرها من العناوين الدعائية التي تحرك جحافل الجماهير لاكشتاف المستور، إنها عناوين استجدائية، تعبر على ضعف المحتوى الذي لا يستطيع فرض نفسه بشكل مهني، فليجأ أصحابه إلى التحايل على اللغة، والقفز على اللغة المتداولة في الأدبيات الصحافية، واستعمال مستوى تواصلي أقرب إلى الشعبوية، لغة بسيطة قريبة من الشارع، بعيدة عن قاموس الصحافة تركز هذه المنابر على مواضيع يغلب عليها الطابع الإجتماعي، ثم تسليط الكاميرا على اليومي والمتداول، الإستثمار في الفضائح والخصوصيات، خصوصا تلك التي تتعلق بالجانب الحميمي والجنسي للأفراد، جيث باتت تشكل تيمة الجنس والغريزة حجر الزاوية عند هذه المنابر، باعتبارها تمثل جانبا من الطابوهات، الذي يغري الأفراد بالمتابعة، إنها لا تقدم إخبارا للناس بقدر ما تحاول تقديم فرجة ومسرحا لاشباع فضولهم إن اختيار المواضيع المعالجة من طرف المواقع الإلكترونية ، يأتي تبعا لأسلوب مختلف يعتمد على إضفاء الغرابة على أحداث عادية وتحويلها إلى شيء استثنائي، كأن يأخذ صحفي كاميرا ويطلع المشاهدين على يوميات عادية وبسيطة للمجموعة من الأشخاص، أو إحضار نساء ومطالبتهم بالحديث حول تجارب عاطفية أو الحديث عن جمالهن. في كتابه "كيف تحكي القصة للتلفزيون يشير "محمد البقالي" الصحفي في شبكة الجزيرة إلى أن القصة أو الموضوع في الصحافة والإعلام يأخذ مشروعيته من كونه يحكي (قصص غير عادية لأشخاص عاديين وأحيانا قد تكون قصص عادية لأشخاص غير عاديين كالقصص المتعلقة يحياة الملك او أمير أو لاعب مشهور) لكن في أدبيات الصحافة الإلكترونية قد تجد قصص عادية لأشخاص عاديون جدا، حيث تحول اللاخبر إلى خبر، يداع وينشر، ويحقق نسبة عالية من المشاهدات، إن ما يعطي المشروعية لأي حدث معين هو تركيز الأضواء وتسليط الكاميرا حوله، الشيء الذي يعطي انبطاع للقارئ أن الموضوع يستحق المشاهدة ويغري بالمتابعة أخيرا، لا تطمح هذه المواقع المذكورة إلى صناعة رأسمال أخلاقي مهني، كونه ليس مذرا للربح أو جاذبا للقراء، بل ركزت كل قواها على صناعة جمهور يستهلك الأحداث البسيطة غير المعقدة أو "التافهة" والمثيرة للغرائز، بهذه الطريقة صنعت صحافة "البوز" جمهورا وصنعت له رغباته وتطلعاته الإعلامية، باختصار، إنها صحافة شعبوية تقتات على الجيف