من واقع الممارسة الصفية: واقع الممارسة الصفية يفيد أن منظومتنا تعيش مشكل ضعف ناتج التعليم كما ونوعا بموازاة ضعف المردودية الداخلية والخارجية تعلما وأداء لأسباب عدة؛ منها ما هو متعلق بالمداخل النظرية للمنظومة التربوية والتكوينية، ومنها ما يتعلق بالسيرورة، ومنها ما هو متعلق بالتكوين الأكاديمي والمهني الأساس، ومنها ما تعلق بالسياسة التعليمية، ومنها ما يرتبط بالوضعية القانونية والمالية والاعتبارية لأطر التربية والتكوين، ومنها ما هو ذاتي وما هو موضوعي. وضمن هذه الأسباب ما يرتبط بالتفكير وكيفيته، وما يرجع في أصله إلى المسألة الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية أو العقائدية بمفهوم الإيديولوجيا أو الدينية أو النفسية أو جميعها وزيادة. فعديد الأسباب لا تستوعبها ورقة محدودة المساحة والموضوع. هذا الواقع يطرح عدة مشاكل وإشكاليات تستوجب الدراسة والبحث العلمي والتدقيق، وليس القول الإنشائي العام؛ بل المتخصص للخلوص إلى أجوبة وحلول وتوصيات تفيد في إصلاح أزمة التربية والتكوين والتعليم في مجتمعنا، بما يؤدي إلى جودتها. ومن هذه الأسئلة التي سأطرحها في ورقتي هذه، ما قد تلامس التفكير العاطفي فتثير فيه بعض المشاعر الحزينة أو تخلق ردود أفعال متسرعة بعيدة عن التفكير البارد وعن بعد، وبنظرة ناقدة للذات والموضوع والمنهج معا. أو تخلق تعاطفا متشنجا لقضايا وإشكاليات ومشاكل غدت بحكم الشعبوية صناديق مغلقة مقدسة لا يرقى النقد البناء إلى الاقتراب منها، بحكم حرمتها وقدسيتها التي تغلفها بالقضايا المغلقة إلى الأبد. والمقدسات في التربية والتكوين والتعليم عديدة؛ منها ما هو سياسي أو إيديولوجي أو إداري أو ثقافي أو فكري أو اقتصادي أو نفسي أو مصلحجي. تحولها الموروثات الفكرية والمسلكيات الأدائية إلى مسائل شخصية، لا يمكن الاقتراب منها. والكثير منها أزيحت إلى الشخصنة، ما يعقد مشهد طرحها ونقدها. لكن في سبيل رفع ركام الأنقاض عن جسم المنظومة التربوية والتكوينية يحتمل كل شيء، والزمن كفيل بالمراجعة والتصحيح. من التساؤلات: هي التساؤلات مفاتيح الدراسات والبحوث، وسبيل التطوير والتجديد، وأداة الإصلاح. لذا، اعتمدت المنظومات التربوية والتكوينية المتقدمة في تطوير ذاتها منظومة علامات الاستفهام اتجاه ذاتها ومواضيعها، ونحو مكوناتها وأدواتها وأطروحاتها النظرية والعملية، ومشاكلها وقضاياها. فشيدت في جسمها رحم تخليق التطور الذاتي، وحضن الإبداع، وحقل البحث والتجربة والخبرة. مما يسمح لهذه الورقة من بابه أن تطرح التساؤلات التالية بعد التقعيد لها من واقع الممارسة الصفية بصفة خاصة، وبصفة عامة من واقع المنظومة التربوية والتكوينية. يفيد واقع المنظومة التربوية والتكوينية والممارسة الصفية أن سيرورة الأداء التعليمي يشهد توارث ثقافة بيداغوجية تقليدية ومتقادمة عبر سنين طويلة، وعبر أجيال متعاقبة من أطر التربية والتكوين؛ تحمل في طياتها نظريات تربوية ومدرسية متجاوزة، تتحكم في الذاكرة الجمعية والفردية للمنظومة التربوية والتكوينية من قبيل رؤى وأفكار ومقولات في بنية ووظيفة العملية التعليمية التعلمية سالبة لإرادة الفعل والكينونة لدى السياسي والمبرمج والمقرر والمدبر التربوي، فضلا عن رؤية مهنية خطية توحد سحنة الممارس البيداغوجي في قالب معين ضمن سلسة مهنية متشابهة الحلقات والدوائر. تكاد لا تجد فيها إلا القليل من التمايزات والتفردات نتيجة التكوين الأساس النمطي والثقافة البيداغوجية المشبعة بالنمطية والتقليد والتوحد المتعدد الكمي. والخروج عن هذه النمطية وهذا التقليد وهذه الخطية يوجب الشجب بأغلظ الألفاظ، والوصف بالخروج عن العادة، وعن الإجماع المهني، والانفراد عن الجماعة المهنية، ما يقوض تجاوز التراثيات من الأدبيات التربوية والتكوينية، ويؤدي إلى الانضباط للخطاب المدرسي وسياقه، ومن ثمة عدم كسر خطية الرؤية المهنية للمنظومة والممارسة الصفية، وعدم تهشيم سحنة الإطار التربوي بما فيه الممارس البيداغوجي. وخلاف ذلك نشاز وخروج عن السلم الموسيقي ونغماته المعتادة. هذه الثقافة البيداغوجية بمضمونها وحمولتها التقليدية قادت إلى بناء هرم من الامتيازات والمصالح والمنافع، وأحاطتها بهالة من القدسية والحرمة كأن تلمس عن قرب في واقع الممارسة الصفية عظم دور الدعم وتعظيمه إلى حد بعيد، أصبح معه الدعم مضمون الفعل التعليمي التعلمي بدل الفعل المدرسي تخطيطا وإعدادا وأداء ضمن أطر نظرية وتطبيقية حديثة تتساوق مع المعطى الواقعي للمتعلم/ة وحيثيات مستلزمات ومطالب ومتطلبات الممارسة الصفية الميدانية. فإن لامس النقد هذا الدعم بعلامات استفهام عديدة؛ واجهك الخطاب التربوي الرسمي بمجموعة من الدفوعات غير المنطقية وغير الموضوعية وغير العقلانية؛ من قبيل: المبرمج والمهندس والمخطط التربوي يدري ما يفعل، وكيف يفعل. ونجد أن النقد قاصر على بلوغ درجة فهم ووعي ماهية الدعم ووظيفته ودوره الحاسم في المعالجة التربوية، وتجويد الناتج التعليمي ... وما إلى ذلك من الأدبيات التربوية. ويبادر بعض أطر التربية والتكوين أن الدعم من حق المتعلم، وهو حق مشروع للإطار التربوي والتكويني يحسن به دخله وأجره، وما الضير في ذلك، وإنما ملامسة النقد للدعم تقع في دائرة الحسد ... وإلى ما يتساوق معه من قاموس الاستهلاك اللغوي الشعبوي. أو كأن تجد الارتخاء في أداء الواجب المهني والرسالي على مستويات مختلفة يبرر نفسه بحجج واهية كضعف الأجرة أو كثرة المهام أو كثرة الإعداد والوثائق ... أو كأن تجد تمثلات وتصورات مسبقة عن المتعلم/ة أو عن الممارس البيداغوجي أو عن أي أطر أخرى؛ بدعوى أنها ممارسة عامة، وهي في حقيقتها ممارسة شخصية أسقطت وانسحبت بالشعبوية إلى التعميم والقياس عليها. وهنا يحضرني موقف وقع مع إحدى أطر المراقبة التربوية في نهاية السنة الدراسية الماضية حين زارت إحدى المؤسسات التعليمية في بداية شهر يونيو، وأردفتها بأخرى؛ فألفت الدراسة متوقفة، وحين تساءلت عن الظاهرة واستنكرتها، لأن أبناء الأمة في هذه النازلة هم الضحية. اتحد الجمع عليها، من زارته ومن لم تزره، وقام ضدها بالاحتجاج والشجب واسمين إياها بالتصيد والضغط وما جاور هذه السمات. وهو أمر متوارث عبر الشعبوية التعليمية. وهذه الثقافة البيداغوجية المتوارثة بصيغتها الماضوية تدفع إلى الركون للماضي وحيثياته التاريخية المنغلق على ما هو مألوف ومعتاد من تفاصيل الرؤية والإعداد والأداء. الأمر الذي يؤدي إلى سكون الفعل التعليمي وثباته في قوالب فكرية محددة، وتبريد الدرس المدرسي؛ في صيغ معينة؛ حيث يقود السيرورة التعليمية إلى تحصيل نفس الناتج التعليمي والمردودية الداخلية والخارجية عبر السنين. وإن كانت في كثير من الأحيان ومع مرور الوقت تتجلى بنسخ رديئة وسيئة الشكل والمداد والأوراق تبعا للتغيرات التي تحصل في تلك الثقافة البيداغوجية التقليدية التي تنتهي صلاحيتها يوما بعد يوم، بما فيها ثقافة الممارس البيداغوجي ذات العوامل والمتغيرات العديدة كمعطى تنشئته الاجتماعية وتكوينه الأكاديمي والمهني والنفسي، ومنظومة قيمه وقناعاته ومواقفه الشخصية من المسألة التعليمية التعلمية؛ الذي أصبح اليوم بفعل اختلالات المنظومة التربوية والتكوينية يؤول إلى الضعف، وهو مؤشر ذو دلالة إحصائية عما يروج في المجتمع ككل. فهو لا ينفك أن يكون مظهرا من مظاهر المجتمع. وهو لا يلام في ذلك إلا إذا ركن إلى هذا التقليد دون أن يفعل إرادة تغيير الذات بالتكوين الذاتي. ومن هذه الثقافة التقليدية وهذه النمطية والخطية ننطلق إلى التساؤل حول مدى دورها في مقاومة التغيير والتطور، بما تمنحه من سكون واعتياد وركون للعادة واستسلام للقائم المستمر بروتين اليومي، يريح الممارس البيداغوجي من عناء التفكير والإبداع والتجريب ومتطلباته المتنوعة، وعناء التخطيط والإعداد للممارسة اليومية حسب معطيات وحيثيات واقع الفعل التعليمي العملي. وهو ما إذا فعل؛ يتطلب جهدا إضافيا ووقتا كذلك. وهل الممارس البيداغوجي وغيره حاضر لتقديم ضريبة التفكير والنقد والإبداع والتغيير والتطوير؟ وهل السياسوي حاضر هو الآخر لإسناد هذا التطوير والتغيير بالمال والإرادة السياسية التي تقتنص الفرصة، وتمنحها ظروف النجاح؟ يفيد واقع المنظومة التربوية والتكوينية والممارسة الصفية وجود مجموعات الضغط والمقاومة الداخلية لأي تغيير وتجديد وإصلاح؛ لما ترى فيه تهديدا لمصالحها وامتيازاتها، ودفعا لكل ما من شأنه أن يمس بها ويشكل في نظرها خطرا عليها! خاصة إذا كانت هذه المصالح والامتيازات مالية واعتبارية، أي متعلقة بالاقتصاد والوضع الاعتباري في المنظومة التربوية والتكوينية على مستويات متنوعة كالمستوى الإداري أو التربوي أو الفكري. الأمر الذي تجد معه هذه المقاومة تشتغل بأساليب صريحة ومضمرة من أجل التخلص من ذلك التغيير والتجديد. فلكل إصلاح مهما كان جادا ومسؤولا قسط من مجموعات الضغط والمقاومة تستخف بجدواه وتشكك في فاعليته ومفاعله، من حيث تركز على قضايا هامشية تشد انتباه أكبر عدد من أفراد المجتمع المدرسي والمجتمع العام، وتبث الإشاعات والكلام العام البعيد عن الحقيقة والموضوعية والعقلانية، وتعمل بشكل نشيط على ربط العلاقات المتنوعة مع صانعي السياسات والقرارات، وأصحاب المصلحة الأساسيين في مقاومة التغيير والتطوير والتجديد والإصلاح، وأصحاب المصالح المتقاطعة مع مصالحهم، بما يعطي دفعة قوية لأنشطتهم المخملية والناعمة في أغلبها، لحصار مشروع الإصلاح. ويهمسون في أذني صاحب القرار الأعلى بالأراجيف، ويظلون كذلك حتى ينساق إليهم وينفذ رغباتهم. وهكذا ينسف مشروع الإصلاح، أو يمارسون الضغط والمقاومة من خارج إطار مواقعهم الرسمية بالإيعاز لتوابعهم وزوابعهم وأزلامهم وزبنائهم بممارسة الضغط ضمن عواصف فكرية وهواجس نفسية مفتعلة، بمسوغات شتى داخل أطر جمعيات مدنية أو منظمات سياسية كالنقابات والأحزاب والإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي ... وغيرها من وسائل بناء الرأي العام وتشكيله وفق توجهات واتجاهات معينة تدفعه إليها دفعا. وتكون فيها مجموعات ولوبيات الضغط ومقاومة التغيير المستفيد المستتر تحت البنية السطحية لتلك الأطر المدنية أو السياسية أو الدينية أو الثقافية أو الاجتماعية ... أو قل هي مجموعات ولوبيات المقاومة والضغط البنية العميقة لتلك الأطر. وتسعى هذه اللوبيات والمجموعات إلى تزييف الوعي الفردي والجمعي والوعي العام بالقضايا التعليمية بتغييب عميقها وأساسيها عن التعرية عنها، وبتظهير تلك الظاهرة منها والسطحية والبسيطة كأنها هي الأساسية والمركزية، بمعنى تغييب القضايا والمشاكل الأركان، والإضاءة على القضايا والمشاكل الشرطية والثانوية، مما يقدمها كأنها هي الجوهرية في المنظومة التربوية والتكوينية، نتيجة غياب إعمال التفكير النقدي لدى الأغلبية، الذي يقود إلى حقائق الأمور. فالشروط تشكل المشترك بين الأغلبية وتولد العواطف والمشاعر وتجذب الجمهور؛ خاصة إن كانت شروطا مادية ومالية. وتوظف في سبيل ذلك كل وسائطها ووسائلها، وتشكل حولها هالة ديماغوجية لاستقطاب الأتباع والجمهور الواسع والعريض. وتعمل هذه المجموعات واللوبيات على تعبئة أطر المنظومة والآباء والمتعلمات والمتعلمين والشارع وغيرهم من أعضاء المجتمع التعليمي والمجتمع العام ضد الإصلاح، وتنشئ حركة للوقوف ضده ولو؛ لم يطلع عليه أولئك المنخرطون فيها! فلو سألت أحدهم لماذا أنت ضد هذا المشروع؟ وما هي التفاصيل فيه التي أدت بك إلى اتخاذ هذا الموقف؟ لأجابك بنفي علمه بها، فهو تابع فقط مقابل تشكيل شعبوية من أجل مناهضة التغيير والإصلاح. وهي الشعبوية التي تمارس الضغط الشعبوي على أصحاب القرار لمراجعة قراراتهم إقرارا أو توقيفا أو تعديلا أو إنشاء أو تصحيحا، مما يؤثر في مشروع الإصلاح. كما هذه المجموعات بمقدورها في غياب التفكير النقدي والتفكير المنطقي والموضوعي وبحضور الشعبوية أن تغير سياسات برمتها لا قرارات فقط؛ فهي تعمد إلى اقتراح سياسات وقرارات بديلة، وتسوق حلولا، كثيرا ما تخدمها وإن أزمت الوضعية وعمقت أزمتها ورفعت درجة آلامها، دون أن تقارب المشكلات والقضايا الرئيسة في نظام التربية والتكوين والتعليم بحلول ملموسة وناجعة، أي التعاطي مع محيط الدائرة لا مركزها لذلك؛ نحن دائما نحل مشكلا بمشكل أكبر منه وتسعى جاهدة لإقناع صناع القرار التربوي بوهم فعالية اقتراحاتها، من خلال المشاركة في المناقشات الدائرة حول الإصلاح وفي اللجان والمشاورات المتعلقة به، التي تفتحها الجهات العليا للمنظومة التربوية والتكوينية. وتحاول عبرها تغيير القرارات السياسية والإدارية والتوجهات البيداغوجية لصالحها لاستيفاء مصالحها. فمن خلال عملها واشتغالها من داخل أو من خارج المنظومة التربوية والتكوينية باعتماد استراتيجيات وأساليب ووسائط وأدوات مختلفة، يمكنها أن تلعب دورا حاسما في تعزيز موقعها ومفعولها في مقاومة التغيير والإصلاح التربوي. ومن مفعول هذه المجموعات واللوبيات، يمكن أن تنبعث علامات استفهام عديدة، أقلها: * ألا تشكل المقاومة الداخلية للوبيات الضغط والعرقلة كوابل لمشاريع الإصلاح؟ * ألم تساهم هذه المقاومة الداخلية في ضعف وتخلف المنظومة التربوية والتكوينية؟ * ألم يحن الوقت أن نفعل التفكير النقدي لتبئير الرؤية في المشاكل والإشكاليات والقضايا الجوهرية الأساس في أزمة التربية والتكوين؟ * ألا يمكن عزل الشعبوية عن الملف التربوي والتكويني، وعن الملف المطلبي المهني لأطر المنظومة التربوية والتكوينية، للتدقيق العقلاني والعلمي للمشاكل والإشكاليات والقضايا والمطالب؟ * ألا يمكن مقاربة أزمة التربية والتكوين من خارج الدلالة السيميولوجية لمجموعات ولوبيات الضغط والمقاومة، التي تشير أولاها إلى وقوع أزمة المنظومة التربوية والتكوينية في دائرة التجاذبات السياسوية والنقابوية والتيارات الإيديولوجية بدل الحوار التربوي والثقافي والفكري؟ يفيد واقع الممارسة الصفية أن المردودية الداخلية والخارجية ضعيفة وهزيلة، بدلالة رتب المنظومة في التقويمات الوطنية والإقليمية والدولية، وبدليل نسبة انخراط المنظومة في البحث العلمي والإنتاج الفكري والتقني والتطبيقي المتطور والمطور. وبدليل مفارقة المردودية الداخلية والخارجية للمنظومة عن متطلبات سوق الشغل ... ما أسس لتمثلات سلبية عن المؤسسة التعليمية العمومية بصفة عامة رغم وجود نماذج منها استثنائية مشرقة وناصحة النجاح والتفوق أدى إلى هجرها والانسحاب منها اتجاه المؤسسة التعليمية الخصوصية. ويزيد هذه المشهدية السلبية تضخيما مشاهد زمر أبناء أطر التربية والتكوين، وهم يتسابقون على الدراسة في مؤسسات التعليم الخصوصي. فينطلق من رماد نار آلام الحسرة على التعليم العمومي سؤال نقدي مؤلم وحارق: * لماذا لا يدرسون أطر التربية والتكوين والتعليم أبناءهم في المؤسسة التعليمية العمومية التي هم جزء منها؟ * ألا يطرح انسحاب أبناء أطر التربية والتكوين والتعليم نحو التعليم الخصوصي شكا مبررا في ناتج التعليم عند المتعلم؟ * ألا يطرح انسحاب أبناء أطر التربية والتكوين والتعليم نحو التعليم الخصوصي شكا مبررا في جودة المنظومة؟ * ألا يشكل ذلك مبررا منطقيا لشرائح المجتمع أن تولي وجوه أبنائها وبناتها شطر المؤسسة التعليمية الخصوصية؟ * ألا يؤدي هذا الأمر إلى تفريغ المؤسسة التعليمية العمومية من مواردها ومدخلاتها، وبالتالي إلى إغلاقها؟ * ألا يعد هذا المشكل الجوهري والاستراتيجي بداية رفع اليد عن التعليم العمومي مع انخراطنا الواعي أو غير الواعي فيه؟ * إلى أي حد سنبقى حبيسي التفكير الآني دون التفكير الاستراتيجي؟ هو النظر العقلاني والموضوعي في مسيرة ومسار مجموع مشاريع الإصلاح منذ 1965 إلى 2015، يفيد حركية عرقوبية، تفقد الأمل في الإصلاح، ويحيلنا على الفكرة الأساس الناظمة لكل هذه المشاريع، وهي وجود سؤال الجودة في عمق المنظومة. بما هي أم المشاكل الأخرى؛ ذلك أنه إن لم تحل مشكلة الجودة، وإن حلت المشاكل العرضية، يظل سؤال جودة النتائج والمردودية الداخلية والخارجية مطروحا. وبالتالي تبقى مسألة الثقة في المنظومة التربوية والتكوين بمنطوق المؤسسة التعليمية العمومية قائمة وملحة على آباء وأمهات وأولياء المتعلمات والمتعلمين، ومحفزة على وجود حلول لها إما بالدعم الأسري أو المؤسساتي أو الخارجي أو الذاتي، أو الالتحاق بالتعليم الخصوصي ما توفرت ميزانيته لدى الأسرة. ومشاريع الإصلاح دائما تولد لدى المجتمع أسئلة عديدة، من قبيل: *إلى متى ستنتهي هذه السلسلة من مشاريع الإصلاح بالقطع النهائي مع فكرة الإصلاح والترقيع بالابتكار والإبداع والتجدد، والإنشاء وفق الراهن والمتوقع المستقبلي من متطلبات العصر؟ *ما الضمانات التي تطمئن الأسر على انتهاء الاحتقان والإخفاق بتلبية مطالب الإصلاح؟ وتؤدي إلى جودة التربية والتكوين والتعليم العمومي؟ وتفعيل الأطر التربوية والتكوينية تحت يقف أداء الواجب المهني والرسالة التربوية على الوجه المطلوب والمحدد، واستيفاء الحقوق حسب المنصوص عليها قانونيا وتشريعيا؟ ما الكفاءة المهنية الدالة على جودة الممارسة الصفية، المساهمة في خلق الثقة في المؤسسة التعليمية العمومية من جديد؟ * ألا يوقع مسار هذه المشاريع المنظومة التربوية والتكوينية تحت سقف التسيب والارتجال والتخبط والعشوائية والانتقائية، من خلال إصدار القرار والتراجع عنه، وإصدار الأمر وإلغائه، وإصدار المذكرات والتوجيهات والعدول عنها في ذات السيرورة؟ * إلى أي حد سيبقى إصلاح الإصلاح، وإصلاح إصلاح الإصلاح يستهلك الطاقة والجهد والزمن والمال دون أن يحدث إصلاحا، وإنما ينتج الثقافة المصلحجية في النسق التربوي والتكويني والتعليمي؟ نحو الوعي: هذه مجرد علامات استفهام تقع على الواقع لتسائله عن آفاق المؤسسة التعليمية العمومية بالدرجة الأولى، وتحاول أن تخلق مساحة للحوار الاستراتيجي حول مآل قطاع حيوي، لا تنفك الأمم الراقية والمتقدمة أن تموضعه موضع الدماغ والقلب من جسدها المجتمعي والوطني، لعلها تحاصر به علل الجسم وتقضي على سرطاناته القاتلة. وما أكثرها حين يهن الجسم وتخور قواه، تتكالب عليه لأجل الانتعاش والاسترزاق عليه. ورافعة الحوار الاستراتيجي الوعي الفردي والجمعي للسياسة أولا، ثم للقضايا والمشاكل والإشكاليات الحقيقية والمركزية والجوهرية، بمنظور بعيد المدى، يضع الغايات والأهداف والسيرورات والاستراتيجيات، ويقصد النتائج المستهدفة مباشرة ملغيا كل الهوامش والديدان الزائدة، بعزيمة جادة وقوية لا تلين لأحد مهما كان. ولا ترضخ للضغوطات ولوبيات المقاومة، وهي رهن لمسؤولياتها المهنية، وأخلاقها وإنسانيتها، تاج وجودها الصالح العام للمتعلم، وما دونه يهون ويتلاشى بعزمها على التغيير والتطوير والتجديد.