يبدو أن منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك تحصد ثمار سياستها في تدبير المحتوى الرقمي الذي ينشر عبرها في ظل العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة. ومند السابع من أكتوبر الماضي، وعلى خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة، اشتكى رواد فيسبوك من عدة إجراءات عقابية لها علاقة بما يجري في غزة. فإضافة إلى تضييق خوارزمياتها أصلا على المحتويات التي تتضامن مع القضية الفلسطينية مند مدة طويلة، شددت المنصة ذلك التضييق ليشمل محتويات عادية. وبلغ تطرف المنصة في معاقبة روادها على تضامنهم مع غزة ورفضهم للعدوان الإسرائيلي حدودا غير مسبوقة، حيث لم تكتف بتعميم عقوبات الحجب النسبي للمحتوى، وتجميد الحسابات أو إغلاقها على إثر المحتويات الجديدة التي تتناول العدوان الإسرائيلي الجاري على غزة اليوم، بل شملت تلك العقوبات محتويات سابقة على العدوان الحالي! واتسعت دائرة الغضب والتذمر من سياسة فيسبوك التي كشفت عن أنها بعيدة عن تمثل الشعارات البراقة التي طالما ترافعت بها أمام منتقديها، والمتعلقة بقيم حرية التعبير والديموقراطية وحقوق الإنسان، لتنكشف حقيقتها وهي في الصف خلف إعلام الحكومة الأمريكية وحكومة نتانياهو المتطرفة. وفي خضم الغضب المنتشر وسط مستخدمي فيسبوك سجلت دعوات لمقاطعتها، ودعوات أخرى لمعاقبتها على متجر Google Play. وتظهر المعطيات المنشورة على Google Play أن منصة فيسبوك تمت معاقبتها فعليا عبر دحرجتها في سلم التنقيط الخماسي الدرجات، كما تبين الصورة التالية: ومقابل سياسة العقاب الممنهج التي انتهجتها المنصة ضد الصفحات والحسابات التي تروج مضامين ضد دولة الاحتلال، قام أزيد من 137 مليون مستعمل شارك في تقييم المنصة (مند إحداثها إلى حدود كتابة هذه السطور صباح يوم 4 نونبر 2023) بمعاقبة منصة "مارك زوكربيرغ" بدحرجتها إلى أدنى نقطة في سلم من 5 نقط/نجوم (من 1 إلى 5). وحسب المعطيات التي قدمها متجر Google Play، والتي قمت بإعادة تنظيمها في الجدول أدناه لتسهيل تحليلها، شارك في تقييم المنصة إلى حدود التاريخ المشار إليه سابقا، 137 مليون و240 ألف و540 شخص عبر التقييمات والمراجعات المنشورة على Google Play. وكما هو واضح في الجدول، يمثل المشاركون عبر الهاتف المحمول أزيد من 96%، يليهم المشاركون عبر اللوحات ب 3.7% ثم المشاركون عبر الساعات الذكية والحاسوب والتلفزيون بأقل من 1% مجتمعة. وبلغ معدل تنقيط المنصة عبر الهاتف المحمول 1.5 نقطة. وأعلى معدل تنقيط حصلت عليه المنصة هو 4.3 وكان عبر الساعات اليدوية الذكية والتي تعتبر نسبتها هامشية ضمن مجموع المشاركين في التقييم (0.06%). وبالنظر إلى أن 132 مليون شخص قامت بالتقييم عبر الهاتف ويمثلون أزيد من 96% من مجموع المشاركين في التنقيط، فإن فيسبوك تمت معاقبته بشكل واضح. لكن ما قيمة هذا التقييم؟ وما تأثير هذه العقوبة ضد فيسبوك؟ تعتبر التقييمات والمراجعات المنشورة على Google Play، حسب Google، طريقة فعالة لمشاركة تجربة المستخدم مع المستخدمين الآخرين ومساعدتهم على الاختيار. وفي ظل المنافسة الشرسة بين مختلف منصات التواصل الاجتماعي، فإن مثل هذه التقييمات تساهم في إضعاف فيسبوك أمام منافسيها. ورغم أن المعطيات التي قدمناها في الجدول السابق لا تسمح بقياس تأثير الغضب المنتشر بين رواد المنصة على خلفية العقوبات التي واجهتهم بها بسبب انحيازها إلى السياسة الأمريكية في مساندة دولة الاحتلال الإسرائيلي، فإن من المفيد استحضار الاعتبارات التالية في تحليل تلك المعطيات: الاعتبار الأول، هو ما يفيد به متجر Play نفسه الذي يؤكد أن الحصيلة المقدمة تعتمد أحدث التقييمات عبر التحيين المستمر للمعطيات. الاعتبار الثاني، يتعلق بكون فيسبوك سابقا نال من دون شك تقييمات عالية تتناسب مع صعوده كمنصة لها شعبية واسعة. الاعتبار الثالث، يتعلق بوجود حملة مضادة للمنصة حاليا، واتساع دائرة الذين شملتهم بعقوباتها لتضم مؤثرين كبارا لهم قاعدة واسعة من المتابعين، لا شك سيكون له تأثير. إن من المتوقع أن تؤثر أحداث غزة على منصة فيسبوك التي سجلت أصلا تراجعا ملحوظا على مستوى العالم خلال سنة 2022، حيث تدحرجت إلى الرتبة الثالثة عالميا بعد أن قفزت منصة أنستغرام إلى الرتبة الثانية. ومع زيادة خنق حرية التعبير في المنصة سوف تتكرس ظاهرة العزوف عنها وظهرة مغادرتها لصالح منصات منافسة. إن الأمر لا يتعلق بمجرد أرقام تنافسية على مستوى انكماش قاعدة المتابعين، بل الأهم هو ترجمة ذلك على المستوى المالي، حيث أن كل تراجع لقاعدة المنصة يترجم بخسائر بملايير الدولارات على مستوى تنافسيتها في جلب الإعلانات، كما أن تراجع قاعدة مستخدمي المنصة قد تكون له تأثيرات كارثية على مستوى أسهمها في البورصات العالمية. وهو ما يعني أن الصفعات العقابية الموجهة لشركة "ميتا" المالكة لفيسبوك على خلفية تطرفها في الانحياز إلى العدوان الإسرائيلي على غزة قد تكون شديدة الألم في الأيام المقبلة. فهل تعتبر شركة "ميتا" من الدرس؟