تحل الذكرى ال 25 لوفاة جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، وإذا كانت الذكرى تقتضي الترحم على فقيد المغرب العظيم، فهي فرصة لاستحضار ما تركه من أعمال ومنجزات، سواء تعلق الأمر ببناء دعامات الدولة المغربية الحديثة، وما تطلبته من بنيات سياسية وإدارية وعسكرية وأمنية واقتصادية واجتماعية...، أو بسياسة بناء السدود التي جنبت المغرب المخاطر المرتبطة بالتغير المناخي، أو بالدفاع عن وحدة الأرض وسلامة التراب، عبر إبداع ملحمة المسيرة الخضراء المظفرة، التي أعادت الصحراء إلى مغربها، أو بخدمة إشعاع المملكة، لما ميزه، من ثقافة عالية وقدرات تواصلية هائلة، ومن ممارسات سياسية حكيمة ومتبصرة، ومن خدمة لقضايا الحرية والعدالة والتسامح والسلام عبر العالم؛ ومواصلة لمسيرة البناء والتحديث، يواصل خلفه، جلالة الملك محمد السادس أيده الله، سياسة الإصلاح والتحديث، بالرهان على بناء مغرب جديد، وفق توجهات واستراتيجيات جديدة، رامت وتروم تحديث وتطوير البنيات العسكرية والأمنية، وإرساء منظومة اقتصادية متينة رائدة عربيا وإفريقيا، وصون وتطوير المشروع الديمقراطي الحداثي، والرهان على بلوغ مرمى النجاعة الطاقية، والسيادة المائية في ظل التغيرات المناخية، والرهان على وضع المواطن في صلب التنمية الشاملة، عبر الانخراط في مشاريع استراتيجية وازنة، من قبيل "الحماية الاجتماعية" وتيسير الولوج إلى السكن عبر اعتماد "برنامج المساعدة على السكن" و"الدعم المباشر للأسر الفقيرة والمعوزة"؛ فضلا عن المشاريع التنموية المرتبطة بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتأهيل المدن، وتطوير البنيات التحتية الكبرى، مع استمرارية النهوض بالفعل التنموي في الأقاليم الصحراوية، عبر نموذج تنموي ناجع ومتبصر، تحولت معه الصحراء المغربية، إلى منطقة جذابة على مستوى الاستثمارات، يعول عليها، لتكون واجهة اقتصادية عالمية، وهمزة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي من خلال بوابة ميناء الداخلة الأطلسي، وذلك بالموازاة، مع الرهان على المساعي السياسية والدبلوماسية الداعمة لمغربية الصحراء، وعلى تنويع الشراكات الاستراتيجية، مع الانخراط في المشاريع والاستراتيجيات الداعمة لإشعاع المملكة على المستويين القاري والدولي؛ ولا ندعي أننا بلغنا المراد أو سجلنا الأهداف كلها في الشباك، فلابد من الإقرار أن التحديات المطروحة كبيرة، سواء تعلق الأمر بقضية الوحدة الترابية للملكة، أو بمسألة التعليم الذي لم تستقر سفينته بعد، أو بعملية إعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلزال، أو بالتنمية الشاملة، في ظل الخصاص التنموي المهول الذي تعيشه عدة جهات ومناطق خاصة الجبلية منها، أو بارتفاع مؤشرات التضخم واشتداد حمى الأسعار، وأزمة التشغيل والسكن والصحة، وهي القطاعات الاجتماعية، التي لازالت تفرض على المغرب، التموقع في المراتب المتأخرة على مستوى تقارير الأممالمتحدة ذات الصلة بمؤشر التنمية البشرية؛ وفي هذا الإطار، وبقدر ما نثمن المشاريع والاستراتيجيات التنموية الرائدة، والسياسة الدبلوماسية الناعمة التي يقودها عاهل البلاد أيده الله، بقدر ما نرى حسب تقديرنا، أن المرحلة، تقتضي حكومة قوية ومتجانسة، تضع المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار، وإلى مسؤولين حقيقيين، ينصتون إلى نبض الشارع، ويتملكون ثقافة "الجدية" التي شكلت الخيط الرفيع لخطاب العرش الأخير، ويتملكون القدرة على إيجاد الحلول المبدعة والمبتكرة، التي من شأنها الإسهام في خدمة المواطن والاستجابة لما يتطلع إليه من تنمية وعيش كريم وعدالة اجتماعية، والدفع في اتجاه خلق بيئة داخلية آمنة ومستقرة، تعزز الثقة في الدولة والمؤسسات، وتدعم الجبهة الداخلية، وتقوي فرص كسب رهانات المسيرة التنموية، التي يقودها ملك البلاد بصمت وحكمة وتبصر؛ ولا يمكن أن ندع الفرصة تمر، دون التنصيص على ضرورة الرهان على تخليق الحياة العامة والتصدي الحازم لكافة ممارسات الفساد، وإشهار سيف "ربط المسؤولية بالمحاسبة" في وجه العابثين والأنانيين، من منعدمي الضمير، ممن يعرقلون عجلة الوطن، ويحرمونه من فرص النهوض والارتقاء والبهاء، وذلك وفاء لروح مبدع المسيرة الخضراء الذي وضع لبنات المغرب الحديث، وخدمة ودعما، لما يتطلع إليه خلفه الملك محمد السادس، من تحديث وإصلاح وبناء ونماء وإشعاع؛ ونختم المقال، بتوجيه البوصلة نحو ما يعيشه التعليم العمومي من أزمة غير مسبوقة، تفرض حلولا مسؤولة وحكيمة ومتبصرة، بعيدا عن ثقافة "التحدي" و"التعالي" و"الاستقواء"، مراعاة للأمن والاستقرار، واستحضارا أن التنمية التي تراهن عليها المؤسسة الملكية، يصعب إدراكها كاملة، إلا بتعليم "ناجع" و"منصف" و"عادل" و"محفز"، صانع للإنسان/المواطن، وبان للقيم الوطنية والدينية والاجتماعية والإنسانية، يحظى فيه "المعلم/ة"، بما يستحقه من كرامة وتحفيز وتقدير واعتبار، وهذا ليس بعزيز ولا بغال على من قال فيه الشاعر : " قم للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا".