يحتفي الشعب المغربي قاطبة (الأحد 30 يوليوز 2023)، بالذكرى الرابعة والعشرين، لتربع جلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه الميامين، وهي مناسبة وطنية، مفعمة بقيم الوطنية والافتخار والاعتزاز بالوطن وثوابت الأمة، يتجدد معها كل سنة، ما يربط العرش والشعب، من مشاعر المحبة الصادقة والتلاحم الوثيق والوفاء المتبادل، وهي مشاعر من ضمن أخرى، ستبقى على الدوام "صمام أمان" لمغرب آمن ومستقر، بقدر ما يتشبث بتاريخه العريق وثوابته الدينية والوطنية، بقدر ما يمضي قدما نحو المستقبل، بثقة وتبصر وسداد؛ الاحتفاء بعيد العرش، كان إحدى الوسائل النضالية التي اعتمدتها الحركة الوطنية خلال ثلاثينيات القرن الماضي، في إطار معركة الاستقلال والتحرير، في سياق استعماري كانت تراهن فيه السلطات الاستعمارية على ضرب الوحدة الوطنية، والمساس بما يجمع الأمة المغربية من ثوابت دينية وقيم وطنية، سعيا وراء تنفيذ وتنزيل مؤامراتها ومخططاتها الاستعمارية في المغرب، وهذا الاحتفاء لم يكن مجرد احتفاء، بل عكس رؤية متبصرة، تحكمت فيها مقاصد تقوية الجبهة الداخلية، وصون اللحمة الوطنية وتوثيق ارتباط المغاربة بثوابتهم الدينية والوطنية، مما شكل قوة داعمة، عبدت طرق المقاومة والنضال، دفاعا عن وحدة الأرض وسلامة التراب؛ واليوم كما الأمس، لازال عيد العرش، يشكل موعدا سنويا، لتجديد عهد المحبة والإخلاص والولاء والوفاء بين الملك والشعب، وبهذه التوليفة المتفردة في المحيط الإقليمي، نجحت المملكة، في صون الوحدة الترابية، ووضعت بحكمة وتبصر وسداد، المغرب السعيد، على سكة التنمية الشاملة والإشعاع الإقليمي والدولي؛ الذكرى 24 لعيد العرش المجيد، هي فرصة للاحتفاء وتجديد الحب والوصال بين العرش والشعب، وهي أيضا فرصة لتوجيه البوصلة كاملة، نحو ما تحقق في عهد جلالة الملك محمد السادس خلال العقدين الأخيرين من مكاسب ومنجزات، وهنا، نقر أنه ومهما كان حجم العدسة المتاحة أمامنا، فيصعب علينا التقاط صور الحصيلة الملكية برمتها، عبر مقال محكوم بسلطة الاختصار والإيجاز، إيمانا منا أن هذه المهمة، تتطلب بدون شك، كتبا وأبحاثا ودراسات؛ لكن في ذات الآن، نستطيع التأكيد، كمواطنين متتبعين للشأن العام، أن المغرب عرف قفزات نوعية في جميع المجالات، سواء تعلق الأمر بالصناعة والفلاحة، أو بالبنيات التحتية والأوراش التنموية الكبرى، من طرق سيارة ومطارات وموانئ كبرى، أو بالمبادرات التنموية الرائدة، من قبيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومشروع الحماية الاجتماعية، أو بالمشاريع الاستراتيجية، ذات الصلة بصناعة السيارات والطائرات ومشاريع الطاقة الخضراء والماء، أو بالبنيات الاستشفائية والرياضية الكبرى، أو على مستوى التعليم العالي والتكوين المهني، أو على مستوى تطوير القدرات العسكرية والأمنية، أو على مستوى ما تحقق من نجاحات دبلوماسية داعمة لمغربية الصحراء، كان آخرها الاعتراف التاريخي الإسرائيلي، أو على مستوى ما بات يحظى به المغرب من حضور وازن في العمق الإفريقي، بفضل رؤية ملكية متبصرة راهنت وتراهن على وضع إفريقيا على سكة النهوض والإقلاع التنموي، أو فيما يتعلق بما أرساه جلالة الملك محمد السادس، من سياسة رائدة في مجال الهجرة، كان من ثمارها تأسيس "المرصد الإفريقي للهجرة" بالعاصمة الرباط... مشاريع ومنجزات ومكاسب من ضمن أخرى، لا تحتاج إلى أرقام أو معطيات أو حتى قراءات، ويكفي استحضار الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية التي كان عليها المغرب قبل عقدين من الزمن، واعتبار واقع حال مستوى التنمية في دول جارة، لا يتوفر المغرب على ما لديها من خيرات وموارد، وتأمل شهادات عدد من العرب الذين زاروا بعض المدن المغربية، بما فيها الأقاليم الجنوبية، وعبروا عن دهشتهم وإعجابهم بما وصلت إليه المملكة من تحول وبناء ونماء، في شتى المجالات؛ مكاسب اقتصادية ومنجزات تنموية، وازاها ويوازيها بهاء دبلوماسي، استحضارا لما حققته الدبلوماسية المغربية، خاصة خلال السنوات الأخيرة، من نجاحات دبلوماسية وازنة، داعمة لمغربية الصحراء، بفضل رؤية ملكية سديدة ومتبصرة، جعلت من ملف الصحراء تلك "النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم" وذاك "المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات"، ومن الشراكات والتحالفات الاستراتيجية المتعددة الأقطاب، "خيارا استراتيجيا" لامحيد عنه، للدفاع عن المصالح العليا للوطن وقضاياه المصيرية؛ رؤية ملكية متعددة المستويات، برز ت معها ملامح مغرب جديد، يسير بصمت على سكة القوى الصاعدة، بات يدافع عن مصالحه، بما يلزم من الجرأة والحزم والوضوح والمصداقية والمسؤولية، ويبدع في إحراج وإرباك الخصوم والأعداء، ويجيد التموقع في سياق جيوسياسي دولي، موسوم بالقلق والتوتر والتوجس؛ وحتى لا يضعنا البعض في خانة المطبلين أو في صف من يرفع "شعار العام زين"، لايمكن إلا أن نثمن ما تحقق من منجزات تنموية ومكاسب دبلوماسية وازنة، ومن دينامية إصلاحية قانونية وحقوقية ومؤسساتية وثقافية ورياضية وغيرها، خلال العقدين الأخيرين، لكن في ذات الآن، نعترف أن قطار التنمية، يحضر فقط في المدن الكبرى كالرباط والدار البيضاء وطنجة وتطوان ومراكش وأكادير، مما يجعل شرائح واسعة من المواطنين يعيشون خارج تغطية التنمية؛ وهذا الواقع التنموي، يعمق بؤرة الفوارق المجالية والتفاوتات الاجتماعية، بكل ما لذلك من تكريس للفقر والبؤس واليأس والتهميش، ومن تعميق للإحساس بانعدام المساواة والعدالة الاجتماعية، ويبقى التحدي الأكبر، هو تحريك عجلات التنمية نحو المجالات الهشة، التي تحتاج أكثر من أي وقت مضى، إلى إقلاع تنموي حقيقي، في زمن النموذج التنموي الجديد، من أجل عدالة مجالية حقيقية، تضع المواطنين المغاربة على قدم المساواة أمام الثروة؛ وبلوغ هذا المسعى، يقتضي حضور إرادة حقيقية في التصدي لكل من يعرقل قطار التنمية ويحرم الوطن من فرص النهوض والازدهار والرخاء، من الفاسدين والعابثين والأنانيين، كما يقتضي ربط المسؤولية بالمحاسبة، في إطار قضاء حر ونزيه ومستقل، يحمي العملية التنموية ويواكب ما تتطلع إليه المملكة من نهضة وإشعاع دولي، مع ضرورات تفعيل حقيقي لأدوار كل المؤسسات والهيآت، المعنية بحماية المال العام والحكامة الرشيدة؛ ولا يمكن أن ندع الفرصة تمر، دون التقدم بأسمى عبارات التهاني والأماني، المقرونة بأصدق مشاعر الإخلاص والوفاء، إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، سائلين الله العلي القدير، أن يشمل جلالته، بموفور الصحة والعافية والهناء لما فيه خير للبلاد والعباد، وأن يقر عينه، بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير المحبوب المولى الحسن، وأن يشدد أزر جلالته، بصنوه السعيد، صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة، متضرعين إليه سبحانه وتعالى، أن يديم نعمة الأمن والاستقرار على هذا البلد السعيد، ويجنبه شر الحاسدين والحاقدين والمتربصين، إنه سبحانه وتعالى سميع قدير وبالإجابة جدير.