أماط مجلس المنافسة اللثام عن سيل من الاختلالات بسوق الكتاب المدرسي بالمغرب، واعتبر أن النموذج الاقتصادي الذي تقوم عليه هذه السوق يأتي بنتائج عكسية، مسجلا احتكار 4 دور للنشر لأزيد من 53 بالمائة من السوق، واكتساب ناشرين معتمدين لوضعيات ريع حقيقية منذ 20 عاما. وسجل المجلس ضمن رأي أصدره حول "سير المنافسة في سوق الكتاب المدرسي"، أن النموذج الاقتصادي المعتمد حاليا بخصوص الكتاب المدرسي لم يتح تطوير صناعة حقيقية لهذا النشاط في المغرب"، مشيرا إلى أن قرابة 40 إلى 60 في المائة من الكتب المدرسية يتم طباعتها باستمرار في إسبانيا وإيطاليا ومصر. وجاء في التقرير ذاته، أن أسعار الكتب المدرسية المنظمة من قبل الدولة لم تخضع للمراجعة منذ سنة 2002، ولم تعد تراعي قط تصاعد أسعار المواد الخام المسجلة في الآونة الأخيرة، ولا تعكس حقيقة السوق، وقد تفضي إلى سلوكات منحرفة بسلسلة إنتاج الكتاب المدرسي برمتها. ومن الاختلالات التي سجلها مجلس رحو، الفتح الجزئي والمحتشم لسوق الكتاب المدرسي في وجه المنافسة في مراحله القبلية على مستوى النشر، قبل أن يتم تعليق هذا الفتح سنة 2008 حيث لم تطرح الوزارة أية دعوة للمنافسة منذ هذا التاريخ، مسجلا أن تنظيم هذه السوق يظل مشبعا بثقافة إدارية تضحي بالابتكار والإبداع باسم مساطر الخدمات الإدارية المتعددة والغزيرة. ولاحظ المجلس ضمن التقرير الذي اطلعت عليه "العمق"، وجود ازدواجية في المعالجة بين فرع الكتاب المدرسي "الأساسي" الموجه للمدارس العمومية والخاصة المغربية، والكتاب الموجه للمدارس الخاصة والبعثات الأجنبية المسمى "المكيف أو الموازي". وأشار إلى أنه في الوقت الذي يخضع فيه الأول لتنظيم صارم من الناحية الاقتصادية، خاصة عن طريق الأسعار ومسار ممارسة المنافسة، لا يخضع الثاني لأي قيد وتظل قناة تسويقه ونشره وتوزيعه حرة، لاسيما على مستوى الأسعار. في سياق متصل، قال مجلس المنافسة إنه بالرغم من إلزامية المراقبة القبلية للمقررات المدرسية، إلا أنه لوحظ في السنوات الأخيرة أن بعض العناوين تتضمن محتويات مخالفة لمنظومة القيم الجاري بها العمل في المدرسة المغربية، اضطرت على إثره الوزارة إلى اتخاذ تدابير لتقويم الوضع. وكشف التقرير، أن لجنة الأسعار المشتركة بين الوزارات لم تعقد أي اجتماع للحسم في أسعار الكتب المدرسية منذ سنة 2002، أي أزيد من 380 مقررا دراسيا صادقت عليها وزارة التربية الوطنية وطرحت للبيع بتسعيرة دون سند قانوني، مشيرا إلى أنه وفقا لتعليقات تم استقاؤها من بعض القطاعات الوزارية ذات العضوية بهذه اللجنة، فإنه تم اعتبار هذه الأخيرة في وضع "هجر" إداري. وبحسب المصدر ذاته، فإن أسعار الكتب المدرسية المطبقة منذ 2002، لا تستند إلى أساس منطقي لكونها لا تعكس واقع السوق في ظل الزيادات الكبيرة في أسعار المواد الأولية، لاسيما الورق الذي ارتفع سعره بنسبة 100 بالمائة، مضيفا أن الناشرين يعتبرون إشكالية السعر عقبة تحول دون تطوير الكتاب المدرسي، خاصة من حيث الجودة. وتابع: "تم الإبقاء على أسعار الكتب المدرسية منخفضة بشكل مصطنع وعلى حساب جودتها "المادية"ومحتوياتها، كما يتضح من الجودة الرديئة للورق بوزن يقلص بشكل متزايد متسببا في زيادة تحمل تكاليف الصفحات ورسوم توضيحية لا ترقى إلى المعايير، وغيرها". وأكد المجلس ضمن رأيه أنه "في الواقع، أضحت الكتب المدرسية أقل جاذبية بالنسبة للتلاميذ، بل بات بعضهم يشمئز منها، مما يحرمهم بالتالي من التعلمات الأساسية التي يفترض أن توفرها هذه الكتب". رأي مجلس المنافسة، أشار إلى أن المراجعات التي تقوم بها الوزارة لبعض المقررات الدراسية، تسفر عن إنتاج مخزون هائل من الكتب المدرسية لدى الكتبيين، والتي لا يمكن طرحها للبيع في السوق، مبرزا أن هؤلاء يتحسرون على الخسارة الفادحة والأموال المهدورة التي لا يمكنهم استرجاعها مطلقا. ولاحظ وجود إنتاج ضخم من الكتب المدرسية يتراوح ما بين 25 و30 مليون نسخة من الكراسات مبرمجة ومصممة "لاستخدامها لمرة واحدة" فقط، أي ما يعادل استهلاكا يصل إلى 3 أو 4 كتب في المتوسط لكل تلميذ وفي كل سنة، متسببا في إهدار هائل للموارد والمواد والطاقة لبلادنا. في غضون ذلك، سجل المجلس نسبة عالية من تركيز السوق في سوق الكتاب المدرسي، بالرغم من التعدد الواضح لدور النشر، مع تركيز جغرافي عالي في مدينة الدارالبيضاء ثم في مدينة الرباط، مشيرا إلى تحكم 4 ناشرين في أزيد من 53 بالمائة من سوق الكتاب المدرسي، وقد ترتفع إلى 63 بالمائة بإضافة ناشر خامس. ولفت إلى أن غلق سوق الكتاب المدرسي تماما في مرحلتها القبلية، تفضي إلى خلق وضعيات ريع حقيقية اكتسبها نفس الناشرين المعتمدين منذ عشرين سنة. وظلت حصصهم السوقية ثابتة تقريبا طيلة هذه الفترة. وسجل أن فتح السوق في وجه المنافسة يتخذ طابعا مقتطعا، حيث احتفظت الإدارة بصلاحية تحديد شروط الدخول إليها عبر تحديد شروط دفاتر التحملات المشكلة لطلبات العروض وتحديد أسعار الكتب المدرسية الذي ظل ثابتا لأزيد من عشرين سنة. وأوضح مجلس المنافسة، أن تعدد وتنوع الكتاب المدرسي لم يحقق الأهداف المنشودة، سواء من حيث تطوير صناعة نشر وطنية فعالة، أو تجويد الكتاب المدرسي على مستوى الشكل والمحتوى معا، مبرزا أن تعدده وتنوعه أفضى كذلك إلى تفكيك عرض الكتاب المدرسي بين عدد كبير من الناشرين متوسطي وصغار الحجم. واعتبر أن التقنين الإداري لسوق الكتاب المدرسي المطبق على الأعوان الاقتصاديين الناشطين فيها، يتسم بالتواجد المطلق للوزارة المكلفة بالتربية الوطنية في المراحل القبلية والبعدية للسوق بواسطة المقررات والمنشورات والمذكرات المصلحية والرسائل والمراسلات الإدارية الأخرى، والتي تخلق بيئة قانونية متقلبة وغير قابلة للتنبؤ. وأفضى هذا "المنطق التوجيهي" الإداري، يضيف مجلس المنافسة إلى غياب الحس الإبداعي البيداغوجي، بحيث دفع الناشرين إلى الإبقاء على الأدوات البيداغوجية ذاتها ما عدا بعض التغييرات في الهامش.