تعرف الليبرالية بأنها فلسفة تدافع عن مجموعة من القيم والمعايير في مختلف المجالات سواء السياسية والثقافة والحريات الفردية والاقتصاد بدرجة اكثر تحديدا ، حيث مع بروز العولمة في اطار النظام دو القطبية الواحدة الذي هيمن على العالم مند سنة 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ،أدى ذلك الى انفراد الغرب ممثلا في الولاياتالمتحدةالامريكية بدرجة اكثر واروبا بدرجة اقل بالهيمنة على المؤسسات المالية الدولية والمنظمات ومختلف الهيئات الدولية التي لها علاقة بالصحة والسكان والاقتصاد والتنمية والديموقراطية ومنها القيم والثقافة في العالم، ومن ذلك عرفت الليبرالية انتشارا واسعا فكرا وممارسة، في مختلف جوانب الحياة العامة للأفراد والمجتمع ومن ثم الدول وكان من بين الأدوات التي استخدمت ووظفت في سبيل ذلك هو الاعلام والتكنولوجيات المتطورة وتطور المنظومة الرقمية حي أنشئت منصات وقنوات واليات لترويج للفكر الليبرالي الرأسمالي من اجل زيادة الاقبال عليه وتأثيره في الجماهير وجعله اكثر قبولا. وكان هذا من اجل جعل العالم بما يعرف بالقرية الصغيرة والأكثر سهلة في السيطرة عليها عن طرق دمج الكل في معايير وقيم موحدة كالحرية والانفتاح ومركزية الفرد على الجماعة في مقابل اقصاء للقوميات وكل ما يتعلق بالهويات ذات بعد ديني او عرقي او لغوي او جغرافي معين ، وجعل العالم والشعوب والأفراد تنسجم وتجتمع في منظومة موحدة من القيم والسلوكيات والممارسات التي تعرف "بالعولمية او العالمية او الكونية"، ومن ثم يسهل على اللوبيات والقوى الخفية التي تدير الأمور من خلف الكواليس وفي الظلام التلاعب بالعالم على رقعة الشطرنج والسيطرة التامة والكاملة على البشر وجعلهم أدوات تقنية واليات يسهل التحكم فيها وتحركيها كلما اقتضت الضرورة ذلك حسب مصلحتها . كثير هم الأشخاص اللذين يدافعون عن القيم الليبرالية في جميع الاتجاهات ويدافعون عن مبادئ الانفتاح والتضامن والحريات الفردية بشكل متطرف الى درجة ان أصبح هذا الفكر لدى أصحاب هذا الاتجاه بمثابة هوية وانتماء فوق كل الانتماءات الأخرى والاسس التي يقوم عليها الافراد وينظمون وفقها شؤونهم العامة وتعطي معنى لوجودهم، كالوطنية والدين والقبيلة والجماعة الخ، ولكن الغريب في الامر هو ان المدافعين على هذه الأيديولوجية يستنكرون او يجهلون مقابل هذه الحقوق ، الحقوق الاقتصادية كحق في العيش الكريم وتحسين الدخل وتوفير فرص العمل والحماية الاجتماعية للمواطنين و تقليص حدة الطبقية وحقوق الطبقة الشغلة الخ. فنجد العكس وهو تركز جل خطاباتهم وقراءتهم وكتابتهم على الحقوق غير المادية ومن بينها الحقوق غير الطبيعية في الانسان، وهذا الامر ما اظهرته عدة محطات تاريخية وسياقات متعددة ونجد اثره اليوم ، فعلى سبيل المثال كثير ما نسمع من القادة والساسة من بعض الدول تنديدات واستنكارات لانتهاك حقوق من الحقوق وحرية من الحريات في دول معينة غالبا ما تكون من العلم الثالث او الدول النامية، كحق في التعبير عن الراي او حق الصحافة والاعلام والنقد السياسي والانتماء السياسي وحرية الفكر والمعتقد في مقابل ذلك نتساءل لماذا جل الدول التي تسمع فيها أصوات التنديدات باسم حقوق الانسان تتجاهل تجاهلا تماما الانتهاكات التي ترتكبها تلك الدول نفسها ضد دول أخرى وتتجاوز معها كل الحدود والأخلاق كالتدخل في شؤونها واستغلال خيراتها الطبيعية والمعدنية ويدها العاملة وتدخل في ابناكها المصرفية كما يحدث مع لبنان حاليا وكما يحدث مع كثير من البلدان الافريقية التي لاتزال تستغل اشد الاستغلال من طرف بعض القوى الاستعمارية التقليدية كفرنسا وبلجيكا وهولندا وغيرها التي لاتزال تستغل بعض وخيرات واقتصاديات هذه الدول الأفريقية وتسعى الى ممارسة الرقابة عليها واثباتها على وضع الطاعة والخضوع ،وإحاطتها بنخب فاسدة وسياسيين انتهازيين واقتصادي الفوضى كالليبراليين المتوحشون مثلا، ونظم غير قابلة للتجديد والحياة ، كما ان هذه الازدواجية تتجلى في الصمت والسكوت عن الحقوق المادية لموطني تلك الدول ، فقليلا ان لم نقل انه منعدم ما نسمع توصيات او طلبات او تنديدات لدول غربية لتحسين الأوضاع المعيشية والتنموية لشعوب الدول الفقيرة او النامية ، من هنا تتضح معالم الازدواجية ووجه من أوجه النفاق والكذب التي يروجها الليبراليون الداخل واسيادهم الاستعماريون . وفي التاريخ المغرب المعاصر ابان الاستقلال ومابعده تميز المشهد السياسي والاقتصادي المغربي بالكثير من الغموض والتعقيد ازيد من عقود بسبب الفترة التاريخية المختلفة عن سابقاتها وتناقض بين مختلف القوى والهيئات السياسية التي تشكل الوجه السياسي للبلاد بخصوص تدبير المغرب ما بعد الاستقلال والسبل في ذلك ،وهو ما أدى الى مجموعة من التحولات والانعكاسات يعرفها الجميع ولا حاجة الى إعادة استهلاكها الان ، وعلى العموم ما يهمنا في هذا الخصوص هو الأشخاص اللذين يشكلون المشهد السياسي المغربي في تلك الفترة ويوجدون على راس هيئات وأنظمة سياسية ونقابية واقتصادية ، فاغلبهم كانوا من المدافعين عن الحقوق الاقتصادية والتعليمية و الثقافية والتاريخية بالرغم من اختلاف توجهاتهم وراء كل طرف يمثل ركن سياسي معين. فالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان من اشرس الأحزاب السياسية المعارضة في فترة من الفترات التاريخية في المغرب المعاصر والذي كان له وزن في المعادلة السياسية المغربية ، كانت جل خطاباته السياسية تتمحور حول الدفاع عن القضايا المتعلقة بالتعليم واصلاحه وتحسين الأوضاع المعيشية والحد من البطالة والفقر والفساد و إعادة هيكلة الاقتصاد ليحقق نوع من العدالة المجالية ويقلص من الفوارق الاجتماعية ،ومحاربة اقتصاد الريع الخ إضافة الى مطالبه السياسية التي تدور حول التعددية والبرلمان ونزاهة الانتخابات ، فتوجهه الايديولوجي الذي يعلن انه يساري وبالرغم من تشبت الحزب بقيم الحداثة والتطور فإنها لم تشكل جزء أو محور خطابه السياسي ، على عكس المطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي شكلت محور اهتمامه. ونفس الشيء مع قيادات حزب الاستقلال والأحزاب دو توجه إسلامي والحزب الشيوعي ، وغيرها من الأحزاب المرتبطة بالحركة الوطنية والتي بصمت واثرت على مسار المشهد السياسي والتاريخي للمغرب ابان فترة الاستعمار وفترة الاستقلال ، لم يشكل خطاب الحقوق والحريات الفردية والانفتاح محور اهتمامها وخطبها السياسية وسلوكها المجتمعي ، عكس المتاجرين وبعض الانتهازيين من الليبراليين اللذين فضلوا القيم عن الوطن والمواطنة ، كما ان جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله كان يدافع باستمرار طيلة فترة حكمه على الاصالة والهوية المغربية بجميع روافدها وعناصرها واركانها ، في الدين والسياسة والثقافة حيث الحفاظ على مبدا إسلامية الدولة والبيعة الشرعية جزء من الثواب الوطنية المقدسة لا يجب التفاوض او النقاش او الشكوك حولها ، كما انه ثم في ظل فترة حكم الملك الحسن الثاني التركيز على تشيد عدد كبير من المساجد والمنارات والمعالم الإسلامية وغيرها .